أمناء لشعب أم أسياد لعبيد


عدنان الصباح
الحوار المتمدن - العدد: 7686 - 2023 / 7 / 28 - 16:47
المحور: القضية الفلسطينية     

يلتقي في 30 تموز من هذا العام اجتماع ما يسمى بالأمناء العامين للفصائل الفلسطينية في محاولة جديدة للخروج من عنق الزجاجة القاتل الذي وصل إليه الشعب الفلسطيني منذ سنوات طويلة ولا زال الأمر كذلك ومع ان هذا الاجتماع قد سبق له وان التأم في بيروت ورام الله واصدر قرارات عديدة لم يرى منها النور شيئا على الإطلاق بل إن الأمر انتهى كأنه لم يكن والى جانب ذاك الاجتماع جرت العديد من جولات المصالحة في عديد العواصم العربية بدءا من القاهرة والدوحة والرياض وصنعاء وأخيرا الجزائر وتم التوقيع على أكثر من اتفاق للمصالحة علنا والاحتفال بالتوقيع امام الكاميرات وبتشابك الأيادي إلا أن الأمر أيضا بقي في ارض العاصمة تلك ولم يحمل المندوبين معهم اتفاقهم هذا في شنط سفرهم ليعودوا به الى ارض الوطن.
تقول الأصول المنطقية ان نجاح أي اجتماع يعتمد على الخطوات التمهيدية والتحضيرات الضرورية لذلك وان اجتماعات القادة هي تحصيل حاصل احتفالي للتوقيع على ما قامت اللجان الفنية المختصة بإعداده تحضيرا للقاء لكن في الحالة الفلسطينية لا احد يسعى لفعل شيء قبيل اجتماع القادة للخطاب والتصوير والاحتفال وإطلاق الوعود وتكرار الجمل الممجوجة ولا شيء أكثر.
يعلم القاصي والداني ان الشعب الفلسطيني وقضيته لا يحتاج من الأمناء على قضيته إلا برنامجا سياسيا وطنيا واحدا موحدا لكل الشعب وقواه يقوم على قاعدة المقاومة بكل أشكالها تقوم على إدارته هيئة أركان وطنية موحدة تحت سقف هذا البرنامج وملزمة بتنفيذه على ان تخضع لاستجواب الشعب في حال تراخيها أو تقصيرها أو الامتناع عن وضعه موضع التنفيذ رغم ان مهمتهم التي اقسموا على الالتزام بها تقوم على احترام مصالح الشعب وحماية الوطن وتحقيق الأهداف الموكلة لهم.
في الحالة الفلسطينية يبدو ان الامر لا يتعلق بشعب كلف مجموعة من الناس المؤهلين بحمل لقب الأمناء على الشعب والوطن والقضية وعلى الأهداف الوطنية العليا بل هو أمام أسياد يجلسون على صدر الوطن والشعب ضاربين القضية والأهداف التي أوكلت لهم بعرض الحائط لصالح أحزابهم ان لم يكن لصالح شخوصهم ومن لف لفهم رغم أنهم جميعا وبلا استثناء يستخدمون نفس المصطلحات اللغوية عن الحرية والتحرير ووحدة الوطن والشعب ويدعون أنهم يملكون برنامجا سياسيا له هدف واحد وهو تحرير الوطن والشعب وان الاحتلال هو العدو الوطني المشترك للجميع.
مرة أخرى سيعود المؤتمرين من القاهرة الى قواعدهم سالمين وقد غسلوا أيديهم بكل سوائل التعقيم خشية ان تكون قد طالها فيروس الوحدة الوطنية من أيادي غيرهم دون ان يغير أيا منهم رأيه أو رؤيته أو أهدافه ولا بأي حال من الأحوال ولن يتراجع أيا منهم عن الكليشيهات التي يريدها ولا يوجد على الإطلاق ما يشير الى ان هناك من هو مستعد للتنازل والاقتراب من الآخر أو تسهيل اقتراب الآخر منه.
لقاء اسطنبول قدم توضيحا لما ستؤول إليه الأمور فمطالبة حماس بالالتزام بالشرعية الدولية التي لا وجود حقيقي لها والحديث عن سلاح واحد تحت الاحتلال الذي يستخدم كل الأسلحة ضد شعبنا بل ويدعو المغتصبين الذين من المفترض ان وجودهم غير شرعي الى حمل السلاح بل ويحمي جيش الاحتلال بأوامر من حكومته كل الاعتداءات على أرواح ومقدسات وممتلكات وحريات وحقوق المواطنين الفلسطينيين ويعيث المغتصبين تخريبا وقتلا وحرقا في كل مكان دون ان تتحدث دولة الاحتلال عن سلاح واحد ودون ان نتمكن من مطالبة دولة الاحتلال باعتقال هؤلاء القتلة ونقبل منها ان تطالبنا باعتقال من يعمل ضد احتلالها لبلادنا.
فلسطين وطنا وشعبا وقضية بحاجة لأمناء ينفذون إرادة وبرنامج الوطن والشعب لا أسياد يقررون نيابة عن كل الوطن والشعب ... بحاجة لأمناء يلتزمون ببرنامج الوطن والشعب ويكونوا مستعدين للمساءلة عنه من قبل الشعب وليس العكس ففي الحالة الفلسطينية نحن أمام أسياد يسالون الشعب ان يقبل ببرامجهم ويخضع لإرادتهم دون ان يملك الحق بالسؤال أو المحاسبة أو التغيير فلا احد منهم مستعد لمغادرة منصبه على قاعدة المسائلة الشعبية والتداول السلمي للسلطة فلا مؤسسات منتخبة ولا أمل بانتخابات ومجلس وطني ميت ومجلس مركزي محنط ومجلس تشريعي محلول ورئاسة تجمع بين يديها كل السلطات على الإطلاق.
العدو الذي نعتبره كذبة ويكتب الكتاب ويحلل المحللين العرب والفلسطينيين ويهللون الى انه ليس شعبا على الإطلاق وهو يقوم على كذبة ملفقة ومنذ عقود طويلة ونحن نحاول ان نكتب رواية الحقيقة ضد رواية الكذبة لكن العالم اليوم يقبل الكذبة المحبوكة والمنظمة والموحدة ويرفض الحقيقة المشتتة والمختلفة فأي تفسير يملكه السادة الخبراء والمحللين وهم يرون دولة الاحتلال تختلف على القضاء وتقاتل من اجل الديمقراطية وهي ترى الأكثر تطرفا " بن غفير " يقول من على ارض المسجد الأقصى المبارك أنهم موحدين يساريين ويمينيين متدينين وعلمانيين بينما نكفر ونخون بعضنا ولا صنعة لنا إلا هذه.
طوال الحرب الدائرة منذ شهور في دولة الاحتلال لم نسمع شخصا واحدا من سائر أطرافهم خون أيا منهم أو كفر أيا منهم ولم نسمع أحدا تحدث عن القبول بأي تنازل عن شبر واحد من ارض فلسطين ولم نسمع عن شخص واحد قبل مجرد الإشارة الى حقوق الشعب الفلسطيني واستعداده للتعاطي معها وكل ما نسمعه من أفواه المتعاركين فيما بينهم على ما يخصهم تباري على تأكيد حقهم بأرضنا وغياب حقنا موحدين خلف أهدافهم وروايتهم فيما نصر نحن على الإمعان في الخلاف والانقسام وممعنين في اتهام بعضنا بكل أشكال التهم علما بان الجميع يعيش تحت بساطير المحتلين بشكل أو بآخر فالقدس يجري تهويدها علنا والضفة الغربية انتهى ضمها ويجري بناء معازلنا على قدم وساق وتتواصل جريمة تنغيص حياة أهلنا في الأراضي المحتلة 1948 عبر الجريمة المنظمة ولا زالت غزة تخضع لحصار ظالم لا ينتهي.
مرة أخرى وحدهم الأمناء من يجلبون لشعبهم الوحدة تحت لواء برنامج سياسي وطني مقاوم واحد وموحد لكل الشعب وقواه يقبلون بحمل لواء المسئولية تلك ويقبلون بالمساءلة والمحاسبة على أدائهم وإذا لم يعودوا من القاهرة على هذه القاعدة فإننا كشعب لسنا أكثر من عبيد نخضع رغما عن أنوقنا لسياط أسياد تلهب ظهورنا لنخدم عروشهم ونغني لهم ونترك الوطن والمقدس والناس نهبا لإرادة عدو لا يتوقف لحظة واحدة عن الفعل ولا ينشغل عن تدميرنا ثانية واحدة بينما ننشغل نحن طوال الوقت بصراع حد الاختلاف كيف نتعاطى مع سكين عدونا المغروزة في لحمنا ليل نهار.
أهلا وسهلا بكم تعودون من القاهرة أمناء على تنفيذ ما جلبتم لنا كبرنامج سياسي وطني مقاوم شامل واحد موحد لكل الشعب وقواه يجيب على كل التساؤلات والقضايا التي تخص الوطن والشعب والقضية.
لا أهلا ولا سهلا بكم تعودون من القاهرة سادة على عبيد مملوكين ولا تنسوا ان تحملوا معكم المعقمات الضرورية لحماية أنفسكم من فيروسات بعضكم البعض فالوحدة الوطنية فيروس قاتل لأمثالكم إلا من صدق شعبه وفضح الكذبة علنا.