أيها الزعماء لا تسمعوا المطبلين


عدنان الصباح
الحوار المتمدن - العدد: 7749 - 2023 / 9 / 29 - 22:16
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي     

لم يتمتع احد من زعماء الامة العربية في القرن العشرين وقد يكون حتى في التاريخ العربي الحديث بشعبية كما تمتع بها جمال عبد الناصر فالذين لم يعايشوه أبدا كتبوا عنه باحترام لكن ما لا يريد احد ان يتذكره ان الذين شتموه وهاجموه كانوا اكثر بكثير من الذين احتفظوا له بالصورة الاجمل خصوصا بعد ان انقلب عليه السادات فتحولت عديد الأقلام لتبحث ولو كذبا عن أخطاء واحيانا خطايا للزعيم وهؤلاء هم انفسهم اصطفوا الى جانب الرئيس مبارك حين فتح المجال للهجوم على السادات والذين يصفقون اليوم للرئيس السيسي سيفعلون الفعل نفسه مع خلفه.
هذه الحكاية السخيفة عاشها كل الزعماء العرب كما حدث مع صدام والقذافي وصالح وللأسف فان من خلفوا هؤلاء الزعماء لم يتعلموا الدرس ابدا ولا زالوا يصدقون المطبلين والمزمرين ولا يستمعون ابدا لأصوات العقل والنقد بل يذهبون بها الى المعتقلات او النفي او الاغتيال وكان الأولى لهم ان يستمعوا لأصوات النقد فلو استمع القذافي لناقديه لما كان ضحية المنتفعين والكذابين والفاسدين ممن اقنعوه انه الزعيم الأوحد وملك الملوك والقائد الملهم بل كاد البعض منهم يقدم كتابه الأخضر على المقدس حتى وكذا فعل هؤلاء مع الرئيس صدام حسين وغيره وغيره.
مصيبة الامة العربية في قادتها الذين يصدقون النفاق والكذب والتطبيل والتزمير بالشعر والاغاني والصحافة وعلى شاشات الاعلام بأشكالها بما فيها وسائل التواصل الاجتماعي ولا يلتفتون الى من ينتقدونهم او يقدمون لهم النصح بل تسعى حاشيتهم الى منع مثل هذه الرؤى عنهم ويغلقون عيونهم عن كل شيء لا يخدم مصالح الحاشية او البطانة التي تتحول عادة الى بطانة سلطة فاسدة على قاعدة ان السلطة مصدرا للثروة لا أكثر ولا اقل فهم يرتكبون كل الموبقات ويرمون به على رقبته.
الزعيم العربي الذي أحببت ولا زلت حتى اللحظة افعل هو جمال عبد الناصر لكنني عتبت ولا زلت اعتب عليه انه قبل التراجع عن استقالته بعد هزيمة حزيران 1967 بعد ان اعلن استقالته فلو انه اصر عليها لأصبحت سنة عربية يفعل بها من يخطئ نفس الفعل الا ان الحب العاطفي دفع بالزعيم لان يقبل فصار مشروعا ان تنهزم ولا تتحمل اية مسئولية وان تخطيء ولا تتحمل اية مسئولية.
ان الإبقاء على ظاهرة الشخصنة وعبادة الشخص والملهم والأب والحامي هي التي ستجعل من العرب دائما في ذيل الفعل الإنساني والحضارة والبشرية وانجازاتها وستبقيهم باحثين عن صورة الغير الارقى هاربين من ضعفهم وتخلفهم باحثين عن الخلاص لدى عدوهم خادمين له ومعه وباسمه مساهمين في الإبقاء على أمتهم تابعة لا فاعلة وهو ما لا زال حيا حتى اليوم.
فيا أيها الزعماء العرب لا تسمعوا المطبلين والمزمرين لانهم وحدهم من يذهبون بكم الى حتفكم ووحدهم من يحصلون لكم على كراهية شعوبكم ووحدكم من يحولونكم أدوات في ايدي الغير ووحدهم ولمصالحهم وفسادهم يحولونكم الى خونة وفاسدين وباسمكن يفسدون وينهبون ويقتلون وانتم تتحولون الى حامي لجرائمهم هم لا اكثر ولا اقل وانتم من تبنون الطبقة الحاكمة التي تدوم وتدوم فلا متهم سواكم شئتم ام ابيتم الاحرار منكم والاموات وما دام لا يوجد منكم من يعيش باسم الزعيم السابق فلا تحلموا بان تذكروا بالخير بعد رحيلكم ولا تحلموا ان تحملوا صورة البطل الذي اخطأ وظل بطلا كما هو حال جمال عبد الناصر.
في ذكرى رحيل الزعيم جمال عبد الناصر البطل الذي أخطأ وظل بطلا أرى لزاما علي ان اذكر أولئك الذين فعلوا الحق وتم نسيانهم البطل الأول شكري القوتلي الذين آمن بالوحدة العربية فتنازل حقا عن منصب الرئيس بلا اكراه لصالح حلمه وحلم كل العرب وسار الذهب الذي آمن بالديمقراطية فتنازل عن منصب الرئيس بلا اكراه لصالح حلمه وحلم كل البشر.