ملخص في عقود التراخيص النفطية / العراق - الجزء 1


علي عباس خفيف
الحوار المتمدن - العدد: 7678 - 2023 / 7 / 20 - 02:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

هل أن "عقود التراخيص" كانت قراراً سيادياً أم تمريرَ سياسات خارجية؟
(ليكن المبدأ الذي نعمل عليه في قبول هذه العقود أو رفضها مبنياً على أربع نقاط هي:
- تحقيق أعلى موارد ممكنة للعراق.
- على أن تستمر أطول فترة ممكنة.
- تحقيق ذلك بأقل كلفة ممكنة..
- بناء القدرة والقرار الوطنيين، لنقل التكتولوجيا والخبرة الإدارية عبر التدريب، دون المساس بسيادة العراق.)
هل تحقق هذا المبدأ؟
هذا ما اقترحه السيد نبيل جعفر مشكوراً.
طرح السيد (حيان عبدالغني) وزير النفط العراقي في حكومة السوداني في أيار/ 2023 جولة تراخيص جديدة (جولة التراخيص السادسة) وهي جولة ملحقة بجولة التراخيص الخامسة للتنقيب في 13 موقعاً نفطياً جديداً.
في الحقيقة؛ لجأ وزراء النفط العراقيون على التوالي، إلى عقود التراخيص النفطية، منذ استيزار حسين الشهرستلني عرّاب جولات التراخيص. فضلاً عن أنهم يدعون بإلحاح شركات النفط الاحتكارية الدولية لاقتناص هذه الفرص، من دون مراجعة ما يجري عملياً في عقود التراخيص النفطية السابقة، ومن دون تحديد منافع تلك العقود،أو تفحّص مناطق الخطر والعيوب فيها. وهي في حقيقتها عقود إشكالية، كتب وما زال يكتب فيها خبراء النفط والمتخصصون ويؤكدون عبر دراسات مستفيضة، خطرها وعدم جدواها. لكن الوزراء هؤلاء وحكوماتهم لاتلتفت إلى أيٍ من هذه الدراسات.
لماذا يلجأ وزراء النفط إلى هذه اللعبة؟ ولماذا تهمل الحكومات المتعاقبة رأي الخبراء؟
لنقرأ ما يجري في عقود التراخيص السابقة، ونتفحص عيوبها. ولنأخذ الجولتين الاولى والثانية إنموذجين، كي نتمكن من رؤية االحقائق سلباً أو إيجابا، ونضع اللوم بعد ذلك أو نوجه الاتهام دونما ضغينة أو انحياز مسبق إلّا للحقيقة.
سنتناول "طبيعة" عقود التراخيص النفطية العراقية و"منافعها ومساوئها وعيوبها".
وللتأكيد...
في دراسة تقصّي ميدانية قدمها السيد "هيثم عبد النبي البديري" لنيل درجة الماجستير، والتي حصلت على درجة تقدير عالية بعد مناقشتها من قبل ثلاثة أساتذة؛ تشهد لهم الهيئات العلمية بالتخصص المهني والأمانة هم؛ "د. ميثم ربيع الهادي رئيساً" وعضوية "د. هشام طلعت عبدالحكيم" و "د. خالد عبدالله ابراهيم"، قلنا؛ في هذه الدراسة الميدانية المتمكنة والجادة انكشفت طبيعة التراخيص ومنافعها إن وجدت منافع. وتحددت عيوبها ومساوئها ومخاطرها الاقتصادية على الاقتصاد العراقي.
قبل كل شيء، هنالك ستة نماذج من الاستثمار تدعى "الاستثمار الأجنبي المباشر"، أحدُها هو (عقود التراخيص). وهذه النماذج هي:
- الاستثمارات المملوكة بالكامل- Wolly Owened Investments
- المشاريع المشتركة- Joint Ventures
- عمليات الاندماج والاستحواذ- Mergers and Acquisition (مثالها عملية الاستحواذ على شركة غاز الجنوب من قبل شركة شل).
- عقود التراخيص- Licensing Contracts
- عقود الامتياز- Franchise Contracts
- عقود المشاركة وخدمة المخاطرة - Participation Contracts and Risk Service
لقد اطلقت وزارة "حسين الشهرستاني" منتصف عام 2009 في عهد (نوري المالكي) مشروع عقود التراخيص النفطية، وسمّتها (عقود تراخيص الخدمة المعيارية) ووقعت عقودها آنذاك. كان ذلك بعد فشل وزير النفط حسين الشهرستاني ورئيس الوزراء نوري المالكي في تمرير قانون النفط والغاز الذي جرى اعداده في غرف خارج الحدود مع تسويات دولية، والذي جاء فيه ثلاثة انواع من العقود لاستثمار الثروة النفطية وكان اخطرها عقود المشاركة في الانتاج التي يمنعها الدستور العراقي والقوانين السابقة التي ما زال العراق يعمل بموجبها في الثروة النفطية. وكان فشلهما بسبب يقظة بعض القوى الوطنية العراقية وخبراء النفط ومنصة نفطنا التي يديرها خبراء نفط عراقيون وطنيون. فقد فُضحت "مسودة قانون النفط والغاز" التي كان يجري تداولها بالسر حينها مع التلاعب في بنودها حسب الاضاع اللجارية يومها. فرفضتها الجماهير بعد انكشافها. لأن القانون ذاك كان يتضمن إجازة عقود المشاركة في الإنتاج الذي ترفض إبرامه دول المنطقة قاطبة، بما فيها بلدان الخليج. وربما كانت محاولة تمرير القانون المذكور هي الأمر الذي شجّع حكومة أربيل وأوجد لها الذريعة في إبرام "عقود المشاركة" مع الشركات النفطية هناك مثل (أكسن موبيل وروسنفت) وغيرهما من الشركات، دونما شعور من حكومة أربيل أنها تخالف القوانين، مع أنّ هذه العقود تعتبر باطلة وفقاً للدستور الذي أعدوه على قياسهم.
ومفردة الخدمة في هذه العقود لا تشي بمعنى الخدمة، وقد تكون محاولة للايحاء أنها ليست عقود مشاركة، يشترك الاستثمار الاجنبي بنسبة مقررة نتيجة المشاركة في الانتاج. بحيث تبدو العملية بمجملها مجرد عقود خدمة لا تماثل "الاستثمارالاجنبي المباشر المملوك بالكامل، ولا عقود الامتياز الحصري المباشر للمستثمر الاجنبي، ولا عقود المشاركة، ولا غيرها من نماذج الاستثمارات الأجنية المباشرة الاخرى التي تمنح المستثمر الاجنبي سيطرة فعلية على الثروة النفطية والانتاج. وستعطينا التفاصيل في وصف طبيعة "عقود التراخيص"، فرصة لفهم هذه الخدعة أيضاً، مع أمور أخرى فاضحة.
▪ طبيعة عقود التراخيص:
من المفيد ان نذكر أن "عقود التراخيص" في العراق جرى نحت عنوانها من "عقود التراخيص وعقود خدمة المخاطرة" التي تشكل الجوهر في "عقود المشاركة في الانتاج"، فظهرت علينا بعنوان (عقود تراخيص الخدمة المعيارية)! والتي يقول عنها الخبير النفطي "حمزة الجواهري"، مع أنه المدافع المفوّه عن عقود التراخيص النفطية؛ إن "عقود الخدمة في العادة قصيرة الأمد وتتعلق بجزئية أو مفردة من مفردات جهود التطوير كما هو معروف عالميا". بينما هذه العقود طويلة الاجل 25-30 عام وتضمن استثمار الحقل بمجمله، وهو أمر غير مألوف. كذلك ومع موقفه المساند لعقود التراخيص، يعزو الجواهري الخراب إلى إدارة العقود من قبل الحكومة وانها ادارة مخزية وفاشلة، وله أيضا كم هائل من التوضيحات في الخلل الذي على اساسه نظمت وووقعت هذه العقود.
ولقد أكد الطالب (م.اكرم علي شاهين) في بحثه لنيل درجة الماجستير الموسوم "عقود التراخيص االنفطية آثارها وابعادها على مستقبل الصناعة النفطية" المنشور في مجلة الدراسات المستديمة - السنة الثالثة /المجلد الثالث/ العدد الرابع لسنة 2021م/ صفحة 282، على حقيقة الشراكة في عقود التراخيص العراقية، مؤكداً انها لا تختلف عن عقود المشاركة بشيء خصوصاً من ناحية الحقوق المالية للشريكين المحلي والاجنبي ومدة العقد.
والترخيص هو موافقة او تخويل يمنح لشركة اجنبية على استخدام التكنولوجيا وبراءات الاختراع، الخ. وهذا النوع من الاستثمار لا تدخل فيه تكاليف التصدير. ومن عيوبه الرئيسية أنه من الصعب على الشركة الاجنبية ضمان توفير مراقبة الجودة في عمليات الانتاج. ويتطلب ايضاً نقل الخبرة التكنولوجية والادارية للشركات الوطنية، وهو ما لم تقم به حتى الآن وبعد مرور 14 عام الشركات الاجنبية في العراق.
وتمنح عقود التراخيص مثلها مثل عقود الامتياز (مثال عقود الامتياز عقد حقل ارطاوي الذي حازت عليه شركة توتال بتدخل مباشر من الرئيس الفرنسي ماكرون عندما زار بغداد قبل عامين)، قلنا تمنح عقود التراخيص للشركات حقوقا حصرية في الاستكشاف والانتاج، على أن تدفع الضرائب والحوافز الحكومية.
مقابل ذلك تسترد الشركة الاجنبية تكاليف المقاولين الذين تستخدمهم بما فيه "تكاليف رأس المال غير الملموسة" وتكاليف الاجهزة والمواد بلا استثناء. والخلل في هذا ان اجراء الحسابات هذه بيد الشركة الاجنبية بالكامل.
من المفيد ان نذكر، أن عقود التراخيص في العراق وضعت تحت عنوان (عقود تراخيص الخدمة المعيارية)، اي انها نوع من عقود المشاركة الت تدعى "عقود خدمة المخاطر" حيث تقوم الشركة الاجنبية بانتاج النفط نيابة عن الحكومة وتتقاضى مقابل ذلك رسوما مالية من الحكومة حسب حجم الانتاج.
ما الذي قاله الخبراء والمهتمين بموضوع الثروة النفطية عن "جولات تراخيص الخدمة! المعيارية" وهي في الحقيقة "عقود خدمة المخاطر" الذي ينتمي الى عقود المشاركة في الانتاج؟
• قدم 23 خبيراً نفطياً عراقياً عام 2009 رسالة إلى الحكومة العراقية التي كان يرأسها نوري المالكي، رفضوا فيها العقود وطلبوا تأجيل العمل بها، ووصفوها بأنها مقدمة لاحتلال العراق اقتصادياً، ومجازفة رهنت من خلالها ثروة العراق النفطية لسنوات طويلة للخارج.
• ويذكر الخبير مهندس النفط "حمزة الجواهري" إن :- "الوصول إلى "عقود معيارية" منصفة للعراق وتتطابق مع ما جاء بالدستور... أن تكون قرارات الاستكشاف والتطوير والتخطيط والتعاقد من صلاحيات الحكومة الاتحادية حصريا، وأن تكون واضحة في نص القانون بشكل لا يقبل التأويل،..." )علما أن العراق لم يشرع حت الآن قانون للنفط والغاز وما يجري العمل به هي القوانين والقرارات التي اصدرها "مجلس قيادة الثورة المنحل" للنظام السابق).
• كذلك كشف "مركز العراق للتنمية القانونية"، في وثيقة من 6 صفحات، مرفوعة إلى مجلس القضاء الاعلى، في 20/2/2019، عن مخالفات دستورية وقانونية بشأن عقود التراخيص النفطية، مشيرة إلى أن تلك العقود اجمالاً تمت من دون غطاء قانوني أصلًا. والمركز المذكور يعمل مع الحكومة لمتابعة القرارات الحكومية ومطابقتها ما جاءت به القوانين والدستور. وقد جاء في الوثيقة:
"أشاعت وزارة النفط والمسؤولين في هذا القطاع أن العقود ستحقق طفرة اقتصادية إلا أنها أثقلت الاقتصاد العراقي."
وتناولت الوثيقة محورين من المخالفات. الأول؛ يتعلق بـ"بمخالفات دستورية وقانونية". والثاني؛ بـ"مخالفات أدت إلى هدر المال وسرقة النفط العراقي".
سنأتي على تفاصيل كثيرة في الاجزاء اللاحقة.
يتبع...