ليتهم تركوا رأسي


علي عباس خفيف
الحوار المتمدن - العدد: 1783 - 2007 / 1 / 2 - 09:45
المحور: الادب والفن     

قصة قصيرة
لابد أن التفكير الطويل بالخوف أمر محزن , وهو ما حدث لي عندما كنت أقترح لنفسي أشياء عن موتي المأساوي, وافكر بأن هذا لابد أن يحصل يوماً ما . من الطبيعي جداً أن يشعرني هذا بالخوف, ويسبب لي الألم . داهمني هذا الشعور حتى على الوسادة, فكنت أحلم مرّات ومرّات بصور تتكرر, عن رأسي المفصول عن جسدي. هذه الذكريات مؤلمة.
حين عدت, هذه المرة الى البصرة, جئت لأقص حكاية , جئتها ولم أتعرف على الأماكن الآهلة التي مررت بها. كان غيابي طويلاً , والمدينة لبست أثواباً متغيرة , كما يبدو.
بالحقيقة, هذه تجربتي أنا, التي أحاول كتابتها, وهي تجربتي الوحيدة . ولا أريد أن أحكي كيف أمسكوا بنا نحن الثلاثة, رجلين وأمرأة , ولا بماذا أوثقوا يدي خلف ظهري , أو كيف أجلسوني على ركبتيّ , ولا أريد أن أصف رعبي حين أروني السكين, وأغمضت عيني, ومع ذلك بقيت أبصرهم , وأرى ما يفعلونه. ولن أصف كيف أمسك أحدهم بشعر رأسي وكشف عن عنقي, ليضع السكين عليها.
لا أريد أن أتحدث عن دموعي, أو ذكرياتي , أو حبي لأهلي وأبنائي وزوجتي , ولا عن حسرتي على الأشياء الجميلة التي سافتقدها, أو الأحلام التي لم أحققها..
لم يعد هذا مهماً الآن .. كما لا أريد أن أصف كيف آلمني نصل السكين وهو يقطع لحم عنقي, مع أن الألم لم يلبث طويلاً, أو كيف شعرت بالخدر, ثم بالراحة حالما تدفق دمي من الودجين المقطوعين, وداهمني النعاس, أو كأن النعاس قد تجمع داخل رأسي وسيطر على عينيّ, ثم كيف ذهب الألم.
ولاأريد أن أصف كيف غرقت في طوفان من الراحة , وطفقت أرى الجميع , من خلال ضباب مثل الدخان, أو من خلال رهج الضوء المشتت في دقائق الضباب , وبدأت أتعرف الآخرين . لم يعد الملثمون مهمين بعد ذاك . كنت أفكر بالشخص الذي اتكأ جسده الدافئ على كتفي, ثم بدأ يبرد بعد لحظات, وكان جسمي يبرد أيضاً. لكن جسده كان يضغط على جسمي وهو ينحني, ولم أشعر بالضيق تماماً من ذلك الجسد المتهاوي , بلا رأس على كتفي.
ولا ارغب في الحديث عمّاذا تمنيت , حين تمنيت شيئاً واحداً, هو؛ لو انهم تركوا رأسي في مكانه, لرأيت عندها ذلك الذي كان يتكئ على كتفي, لو أنهم لم يدحرجوا رأسي ,دون أن أراه, مع رؤوس آخرين ..
لكن الحسرة بقيت في صدري , دون أن أستطيع التخلص منها, بقيت محبوسة هناك, وكرهت أن تبقى حسرة في صدري, ولا استطيع أن أزفرها, لأن عنقي مقطوعة..

* * *
12/2006 البصرة