الحزب الشيوعي العراقي -التشويه المحبط في: وثيقة مشروع البرنامج السياسي!!


علي عباس خفيف
الحوار المتمدن - العدد: 3660 - 2012 / 3 / 7 - 19:05
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

لنبدأ من النافع . ولنترك النشوة التي تمنح خدراً غير مطلوب في حياتنا السياسية ، لأننا ندرك أن الذبيحة القادمة في برنامج القوى المتسلطة ، وبعد أن تنهي صراعاتها ، سيكون الشيوعيون وحدهم . لأن الفتاوى جاهزة لمصادرة الانسان المتطلع والتقدمي . ولننا نبدأ من النافع أيضاً ، فنحن لن نناقش الشكل الذي طُرحت به الوثيقة ، لأن النقاط الـ 217 التي قُدِّمت بها هي عبارة عن مقتبسات تداولتها الصحافة العراقية لحد الملل من دون أن تثمر شيئاً. فضلاً عن التكرار والتناقض في ثناياها .
حاولت الوثيقة أن تبدأ دونما حماس خشية المساس بصاحبة الجلالة ( العملية السياسية ) ، فهي بدءً تعتقد أن جوهر الحل لايمكن أن يكون بيد الجماهير وإنما بيد الكتل والاحزاب والقوى السياسية ، المشاركة وغير المشاركة في هذه العملية السياسية ، مع أنها مدعومة من دول الجوار ومن أمريكا وحلفائها ، وكاتب (أو كتّابها ) الوثيقة يدرك ذلك . امّا الجماهير فما عليها سوى مواصلة الضغط من أجل اصلاح حال صاحبة الجلالة ( العملية السياسية) التي رسم خارطتها بريمر وترك الناس يأكل أحدهم الآخر دونما حياء في لُجّة الفوضى حتى هذه الساعة.
تقول الوثيقة : (إن الاوضاع الحالية تبقى مرهونة ، ومرتبطة بالكتل والاحزاب والقوى السياسية ، وقدرتها على تجاوز أنانياتها ومصالحها الضيقة ، وامكانية توصلها إلى برنامج واقعي وملموس ، لإخراج البلاد من أزمتها ).
اهملت الوثيقة بهذا التعبير طبيعة هذه القوى ، وتركيبتها الطبقية ، ومنظوماتها الايديولوجيا ، وارتباطاتها على مستوى الحضور في ملعب الاقتصاد الوطني وتخريبه ، باعتبارها وكيل للرأسمال الوحشي المعولم ، وعلى مستوى ارتباطاتها المخابراتية وولاءاتها المعروفة من جانب آخر. وكأن الأمر مجرد انانيات ودوافع سيكلوجية . كذلك تعتقد الوثيقة أن هذه القوى ليست مسؤولة عن الأزمة ، أو هي لا تقصد صنع الأزمة لأنها تفترض أن الحل مرهون بمواقف هذه القوى والاحزاب والكتل على مستوى الأنانيات .
وفي الحقيقة أن التشخيص الصحيح لطبيعة القوى السياسية الحاكمة اجتماعياً واقتصادياً ، وفضح ايديولوجيتها الطبقية ، والكشف عن ولاءاتها اللاوطنية ، سيضع بايدي الجماهير ، خصوصاً الكادحين وفقراء الشعب الحل الذي ينير لهم دروب التغيير . الحل الذي كان من المفروض أن يكون جوهرخطة الحزب الشيوعي ومحور برنامجه ، وليس الدعوة لاصلاح عملية سياسية شوهاء ، يعرف الحزب الشيوعي قبل غيره أنها لن تثمر نجاحاً ، ولا يمكن اصلاحها .
كما أن الوثيقة تؤمن أن هذه القوى قادرة على فتح فضاءات التطور ( الديمقراطي الحقيقي!!) للبلد – أرجو ملاحظة الديمقراطي الحقيقي فيما سيأتي لاحقاً – تقول الوثيقة أن التطور الديمقراطي هذا سيسير بالبلد :( نحو طريق الاعمار والبناء وإقامة دولة القانون!! والمؤسسات والعدالة الاجتماعية ، الدولة المدنية الديمقراطية الاتحادية ، كاملة السيادة). كيف؟ لنبدأ من جديد مع الوثيقة .
تؤمن الوثيقة أن ( العملية السياسية ) منذ تدشينها في عام 2003 وهي تهدف ( إلى الانتقال بالعراق.. إلى نظام دستوري يضمن الحريات والحقوق لجميع ابناء الشعب ، ويستعيد السيادة لعراق ديمقراطي اتحادي موحد مستقل .) فالعملية السياسية بناء على نص الوثيقة أيضاً اعتمدت (الأساليب السلمية ومبدأ التفاهم والتوافق السياسي في حل المعضلات ) هل هي كذلك حقاً ؟ وتقول الوثيقة أيضاً ( وشقت العملية السياسية طريقها.. في خضم صراعات حادة بين القوى المشاركة، ودموية في مواجهة القوى المناهضة لها ) ، ثم ( إن الصراعات تبيّن أن محورها الاساس كان .. التنافس على السلطة والثروة والقرار ، وعلى تحديد شكل الدولة الجديدة .)
والاسئلة :
1- هل انتقلت العملية السياسية بالعراق إلى نظام دستوري يضمن الحريات ؟
إذن من السؤول عن الفوضى العارمة في الحياة السياسية وتحكُّم المليشيات والمنظمات العسكرية السرية والتكفيرية بحياة الناس ومصادرة حرياتهم ؟
2- وهل اعتمدت هذه العملية الأساليب السلمية ومبدأ التفاهم في حل الخلافات ؟
من يشيع إذن سياسة كاتم الصوت والتصفيات السياسية والجسدية والاخلاقية ، وتصفيات ساحة التحرير ، والتهديد بغلق مقر الحزب ، مع ذرائعه القانونية ؟
3-هل نجحت العملية السياسية في شق طرقها وسط الصراعات ؟
إذن كيف تحكم الاستعصاء على العملية السياسية!! لحد التهديد بتقسيم العراق ، وتحوُّل الوزارات إلى ملكيات طائفية وقومية حتى هذه الساعة ؟
ومن نافلة القول ؛ أن العملية السياسية ليست فكرة مجردة وإنما هي مجموع القوى والنخب الفاعلة في مفرداتها العملية ، والوثيقة تؤكد أن اطراف العملية السياسية في صراع دموي دائم وهي على خلفية رؤيتها للصراعات تذكر مسؤولية القوى الضالعة في العملية السياسية في ( استشراء الفساد، وتعقيدات الوضع الأمني – ومداخلات التصفيات بين الاطراف السياسية ) والتدهور ( المريع للخدمات العامة وارتفاع الاسعار، وتصاعد نسب الفقر، وتفشي البطالة ، واتساع التدخلات الخارجية).
ومن ذلك ؛ فأنه بات واضحا أن صاحبة الجلالة ( العملية السياسية!!) – حسب الوثيقة – لا تواجه صعوبات وإنما ( بدأت تخرج عن مسارها السليم ، فبرزت ضرورة !! اجراء مراجعة نقدية لمسيرتها وحصيلتها ) وأيّة حصيلة؟؟ ولكن من سيقوم بهذه المراجعة؟ ثم تستمر الوثيقة ( بغية اصلاحها وتصويب مسارها ، ووضعها على السكة الصحيحة )– أي الصراط الذي رسم حدوده بريمر- وصولاً بها إلى غاياتها المرجوّة - كل جملة مما سبق تدعو للتساؤل ، وهذه حيرة كبيرة حقاً في وثيقة حزب يقول عن نفسه أنه حزب شيوعي.
وتذهب الوثيقة ، في نثر مجامل ! قائلة أن هذه الصراعات - التي هي دموية - وكذلك الأزمات قد تركت (تأثيرات سلبية )!! على الملايين المحرومة ، وغذت مشاعر الاحباط والقلق والسخط!! ثم حللت الوثيقة وضع الجماهير هذه ، متجنبة ازعاج اطراف العملية السياسية ، ومزيفة حقيقة مطالب الجماهير باسقاط الحكومة وتغييرها ، فقالت ؛ أخذ ادراك الناس يتسع ( أن تحقيق مطالبهم مرهون باصلاح النظام ، وإعادة الزخم الضروري للعملية السياسية ) . إن الافتراض الزائف هذا يتجنب بطريقة بهلوانية الحقائق التي سطرتها الجماهير العراقية في ساحات التحرير ، وعمدتها بدماء ابنائها . ويبدو أيضاً ان زخم العملية السياسية لاتراه إلا هذه الوثيقة ، فيما ينكر الضالعين فيها جميعهم وعلى شاشات الفضائيات المتكاثرة ، أن تكون فعاليات الساسة العراقيين وعمليتهم الدموية وفوضاها ذات زخم أو أثر اجتماعي وسياسي ايجابي في الحياة العراقية . والجميع يقول أن السياسة العراقية تُرسم خارج الحدود وتُصدّر إلى الداخل .
وفي فهم الوثيقة لنظام المحاصصة الطائفية – الاثنية ، التي هي تحصيل حاصل العملية السياسية ، تخلص إلى وصف ما يحدث في المؤسسات الحكومية من تصفيات جسدية وادارية واخلاقية بأنها ( غياب إرادة العمل المشترك ، وتقلّص فضاءات التعاون والعمل الجماعي ). فهل كل هذه الدماء نتيجة لهذين السببين اليسيرين اللذين يمكن التوصل إلى حلهما في جلسة واحدة في مضيف أحد شيوخ العشائر ؟ في الحقيقة ، إن الوثيقة ترى العراق وكأنه في نزهة ، كما يبدو ، فهي لا تشير إلى الوقائع ، ولا إلى الأسباب الحقيقية التي تكشف عن تشابكات قوى الصراع الدولية والاقليمية والمحلية ، ومحركات الصراع بين الطبقات ، وتتجنبها ، بل تتجنب الأخير حتى النهاية كي لا تُتّهم باليسارية أو الجمود العقائدي أو بالرجعية – أي الاصولية الماركسية – حسبما ترى في نكرانها الخيار الاشتراكي ، بينما هي وثيقة حزب شيوعي!! .
ثم تتحدث الوثيقة عن التعنت في الرأي – وتتجنب مفردة الاستبداد – وعن عدم الاستماع إلى الاصوات الخيِّرة الداعية للتقارب!! وايجاد سبل التفاهم والانفراج السياسي ، والمصالحة وتجاوز السلبيات!! في العملية السياسية!! – لابد أن الوثيقة تشير للمذكرة التي قدمها الحزب الشيوعي العراقي للرئاسات الثلاث – اواخر عام 2011 . ولقد قيل ؛ ( أن الطريق إلى جهنم مليء بالنوايا الطيبة ) .
ومع أنها تحدد الفاسدين في مؤسسات الدولة وتؤشر المحاصصة سبباّ في الفساد ، غير انها تدعو الفاسدين للقضاء على الفساد . فإن سوء الادارة ،واستخدام المال العام ( لبناء تشكيلات ) ما - متجنبة مفردة مليشيات – ( وتخريب مؤسسات الدولة بما فيها القوات المسلحة ) – من دون أن تذكر كيف جرى ذلك أو تذكر الأثر السيء والخطير لعملية دمج المليشيات بالمؤسسة العسكرية– والتعامل بفوقية مع ابناء الشعب من قبل الفاسدين وغيرهم ، كل تلك هي أمور يمكن القضاء عليها باعتماد المعايير العلمية للادارة الرشيدة ، والشروع فوراً بتعزيز الكفاءة والنزاهة . وإعادة هيكلة الوزارات على أسس علمية وبالافادة من التجربة العالمية ، ( بعيداً عن الاهواء والمزاجية الشخصية ) ، وان يجري ذلك بالتشاور بين ذوي الاختصاص والخبرة من دون التفريط بالطاقات. نحن نقول ؛ إنه يمكن ان يكون الكثير من هذه الافتراضات صحيحة لو أن الجماهير وليس الفاسدين واطراف العملية السياسية القائمة ، هم من يقوم بذلك ، الجماهير صاحبة المصلحة بالتغيير تحديداً. الجماهير التي تعاني يومياً وتتساءل .
ولا ندري كيف يمكن لهذه الوثيقة الوثوق بمشروعها القائم على دعم العملية السياسية القائمة ، بينما هي تؤكد أن ( معايير الحكومة تُزيد من المفسدين والمرتشين ، وتحول المال العام إلى أيدي الطبالين والمريدين ) وتتحدث أيضاً عن فضائح الانتخابات المريعة ، التي كان التزوير وتغيير النتائج هي اللاعب الأول في هذا التشويه الذي اطلقوا عليه عنوان ( ديمقراطية ). وترى أنها تجري على أساس تقسيم العراق . ومع ذلك تدعوها سلبيات ونواقص . فهل ذلك لمجرد أن تقنعنا بقبول خيارها الذيلي المشوّه ، وأن تكون أيضاً قد نجحت في مجاملة الكواسر في السلطة مع مليشياتهم، وتكسب رضاهم ؟
وتقترح الوثيقة على القوى التي افسدت كل شيء ، وفككت القوات المسلحة ، أن تشخِّص (النواقص والثغرات في أداء القوات المسلحة !!) ، ثم تدعو إلى تنشيط أجهزة القمع ( تنشيط المنظومة الأمنية والاستخباراتية ، وتكريس جهدها لصيانة العملية السياسية!! وتطورها اللاحق نحو بناء .. دولة المؤسسات والقانون ..) ، بينما هي تقول ( أنه من المعيب للدولة والحكومة أن يكون بين صفوفها من يشترك في اراقة دماء العراقيين ) !! يا للعجب كل هذا ولدى الوثيقة مراهنة على العملية السياسية . أيصح هذا في وثيقة حزب شيوعي يرى كل يوم القمع ويشهد على التزوير ، ويتعرض للاضطهاد ، وتداهم الاجهزة القمعية ذاتها مقراته الحزبية ، وتهدده الحكومة بغلق مكاتبه ؟ فلا يتعجبن أحد حينما يتجنب برنامجه الحديث عن الصراع بين الطبقات ويتنكر للخيار الاشتراكي ، وحين يذكر الاشتراكية فإنه يذكرها بخجل ، وخوف الشبهة .
في حديث الوثيقة عن الملف الأمني ، رغوة انشائية تصلح لطلاب المتوسطة ، وخطرة أيضاً في بعض تخريجاتها . فهي من الفقرة رقم 30 وصاعداً تبدأ بالتناقض مع ما أسسته في ما سبق من فقرات ، حين تقول إن الارهاب قصد افشال ( العملية السياسية ) ، كما لو أن الوثيقة في هذه الجملة تبحث ، في واحدة من التخريجات ، عن مسوّغ للحكومة في قمع المتظاهرين في ساحات التحرير، حينما طالب المتظاهرون باسقاط العملية السياسية برمتها ، وكانت الحكومة قد صرّحت حينها أن المتظاهرين مجرد بعثيين وارهابيين لافشال العملية السياسية.
في مكان آخر من الوثيقة ينكشف مستوى جديد من التناقض ؛ فالوثيقة تذكر أن البلاد شهدت (مظاهر سعي إلى تقزيم الديمقراطية ، واعطائها مفهوماً على مقاسات السلطات المتنفذة ) ثم تقول في الفقرة 45 ( أن كثيراً من مواد الدستور حمّالة أوجه، فقد مارست الاطراف الحاكمة انتقائية غريبة في التعامل معها ، وتفسيرها بصور تضمن مصالحها وسيطرتها ، ولا تبدو هذه القوى مبالية وهي تناقض نفسها ) ، ثم تتحدث عن تكميم الافواه والسعي لفرض الرأي الواحد وتنميط المجتمع.. الخ. بعد هذا وبلهجة معاتبة تقول عن الكتل المتصارعة على السلطة أنها (لاتمتلك ، حتى الآن ، الارادة الكافية للاقدام على تنازلات جدية متبادلة ) ، فالوثيقة ترى أن مجرد حدوث مثل هذه التنازلات سيخرج البلاد من أزمتها . لذا اقترحت مشروعها الغريب بعد تلك الصورة المرعبة عن سلوك السلطة الاستبدادي ، والقوى الحاكمة وارتباطاتها وخطرها على العراق . فالوثيقة تقول ( لذلك فلا مخرج حقيقياً منها – الأزمة – إلاّ بالتوجه الجاد والمسؤول، من قبل سائر القوى المشاركة بالعملية السياسية ، ضمن السلطة وخارجها ، نحو مراجعة هذه العملية وأسس المحاصصة الطائفية والإثنية ، التي قامت عليها ، واصلاحها وتقويمها ووضعها على السكة الصحيحة ..) ثم تندفع الوثيقة متماهية مع الأوضاع المريضة السائدة ،إلى الاعلان عن حل لأزمة "حكومة الشراكة " فتقول : (لأجل بحث جميع القضايا التي باتت تشكل نقاط!! اختناق!!! للعملية السياسية ....طرح حزبنا فكرة اطلاق حوار وطني شامل ، تشارك فيه القوى المؤسِّسة والمشاركة في العملية السياسية ،.. يمهد لعقد مؤتمر وطني . .. وصولاً إلى توافقات وميثاق عمل مشترك، يعزز الوحدة الوطنية .. الخ.)
تتغافل الوثيقة عن الوقائع المرعبة التي تؤيد هي بالذات وجودها . وتناور من دون أن تجد مخرجاً للاحراج الذي وجد الحزب الشيوعي العراقي نفسه فيه . فهل العملية السياسية تعاني من نقاط اختناق ؟ هل الأمر بحدود هذا الوصف حقاً بينما الوثيقة زاخرة بالاشارة إلى حجم المفاسد الخيانات التي لايمكن التعبير عنها إلاّ بالتغيير الشامل؟ ليجد لي من يدافع عن هذه الوثيقة بصيص ضوء ، في فقرات الوثيقة ذاتها ، يمكن أن يبعث على الأمل في ما تسميه الوثيقة العملية السياسية.
ثم نسأل ؛ متى قال الفاسد انه فاسد ، أواللص انه هو الذي يسرقنا ؟ خصوصاً والوثيقة تقدم وصفاً للضالعين بالعملية السياسية حين تدعوهم إلى عدم الاستمرار باعتبار البلد غنيمة . وهو أمر له دلالته الكبيرة والمرعبة ، التي تعني فيما تعنيه أن العراق قد تعرض إلى عملية سطو مسلّح وما يزال يتعرض . وهو وصف مرعب حقاً ، فكيف تتجاهل الوثيقة والحزب الذي طرحها ، هذه الحقيقة ، وتطرح مشروعها بدعوة اطراف السلطة والحكومة ، أي تدعو كل هؤلاء المفسدين والفاسدين والخطرين والمافيات واعضاء عصابات السطو إلى حوار شامل؟ فهل سيتمخض الحوار عن ، أو سيفرّخ ، غير اسلوب أوطريقة جديدة لتقاسم الغنيمة كما سمتها الوثيقة؟
تنطوي الوثيقة على تفصيلات كثيرة ومحيرة ، زاخرة بالتناقضات ، ولكن يمكننا أن نجزم أن الوثيقة تعبّر عن تخبط القيادة في الحزب الشيوعي العراقي ، التي أدمنت المواقف الذيلية والهشّة، منذ فجر الجمهوريات العراقية حتى الساعة . وبسبب انفضاح تهافتها لم تجد غير أن تقدم للناس طبخة لا يمكن هضمها ، أي كل ما سبق أن نشرته واذاعته الصحافة ووسائل الاعلام جميعها ، ولم يعد خافياً على ابسط الناس ، لتخرج لنا بما سمّته وثيقة سياسية لتخدع بها من يقبل أن يكون مخدوعاً .
والحقيقة المرة هي أن الحزب الشيوعي لم يعد يرى في الجماهير قوة التغيير الاساسية ، ولم يعد يؤمن بجذرية التغيير ، وهو حتماً يعتبر كل ذلك تطرفاً يليق بما كان يسمى ( الثورة ) في ادبيات القرن العشرين السياسية ، التي صار يعتبرها مفاهيم بالية ،عفى عليها الزمن ، كما يصنفها الرأسمال المعولم الوحشي في خانة الارهاب . ولم تعد تليق بالتعددية والتداول السلمي للسلطة ، وفصل السلطات الثلاث واستقلاليتها ، إلى آخر مفردات الهذر والاسهال السياسي الذي ينظمه مفكرو النهب العالمي مثل فوكوياما ، ويبشرون بديمقراطية شوهاء وفقاً لحاجات العولمة الرأسمالية ، تحت هيمنة فكرة عصابية سببها القمع القديم ، اطلقوا عليها العولمة الثقافية لجمال هذا المعنى فقط ، أوتحوُّل العالم إلى قرية. لقد عملت الوثيقة على تسويغ العملية السياسية واتهمتها ، ثم عادت وبرأتها بطريقة كروباتيكية ، حينما وضعت الحلول الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بيد العملية السياسية وحدها ، ثم بعد ذلك دعتنا إلى الوقوف خلفها ودعمها من خلال التصالح عبر مؤتمر وطني . متناسية طبيعتها الطبقية وايديولوجيتها وولاءاتها وارتباطاتها العالمية والاقليمية ، وقدرتها على هدر دماء الناس ومصادرة الحريات على حد تشخيص الوثيقة للاوضاع السائدة .
نحن ندعو الشيوعيين إلى الاستنكار . ندعوهم إلى رفض من ينطق باسمهم وهو يجد الذرائع لشذاذ العملية السياسية . ندعوهم لكي يرفعوا اصواتهم ضد هذا التزوير ، لأن وقت الحقيقة قد آن من أجل نهوض الشيوعية ، والعمل على تحقيق مشروع كارل ماركس في بناء مجتمع العدالة والمساواة وفق ديمقراطية حقيقية قائمة على مبدأ التعدد والاستقلالية لأحزاب التغيير والثورة الاشتراكية واستقلال وتعدد النقابات العمالية ، لتأسيس رقابة الجماهير على اداء السلطات حتى إلغائها النهائي .