اليهودية ديانة علمانية


كمال غبريال
الحوار المتمدن - العدد: 7430 - 2022 / 11 / 12 - 20:29
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

استكمالاً لمقالنا السابق بعنوان "دين هو أم دولة"، والذي خلصنا فيه أن اليهودية دولة أكثر منها ديناً، نقارب الآن طبيعة الديانة اليهودية الداخلية.
فقوام اليهودية الأساسي هو "الوصايا العشر"، وتفصيلها فيما عرف بالشريعة الموسوية.
إذا تأملنا "الوصايا العشر" سنجدها تنقسم لقسمين.
الأول يتعلق بعلاقة الإنسان بالإله. والثاني بعلاقة الإنسان بالمجتمع.
فالوصايا الأربع الأولى تقول:
1- لَا يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي.
2- لَا تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالًا مَنْحُوتًا، وَلَا صُورَةً مَا مِمَّا فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ، وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ تَحْتُ، وَمَا فِي الْمَاءِ مِنْ تَحْتِ الأَرْضِ. لَا تَسْجُدْ لَهُنَّ وَلَا تَعْبُدْهُنَّ.
3- لاَ تَنْطِقْ بِاسْمِ الرَّبِّ إِلهِكَ بَاطِلًا، لأَنَّ الرَّبَّ لاَ يُبْرِئُ مَنْ نَطَقَ بِاسْمِهِ بَاطِلًا.
4- اُذْكُرْ يَوْمَ السَّبْتِ لِتُقَدِّسَهُ.
هو الجانب اللاهوتي أو الغيبي أو ما يذهب البعض لتوصيفه بالجانب الروحي. وهو كما نرى غاية في البساطة. ويخلو من التعقيدات اللاهوتية التي نجدها في المسيحية. فالإله يريد فقط أن نعبده وحده بلا شريك أو شبهة شريك مادي. وتبدو وصية حفظ السبت كتذكرة أسبوعية دائمة للمؤمن. أنه ينتمي لذلك الإله.
لا نجد هنا كما في المسيحية "روحاً قدساً" يعمل في حياة الإنسان ويوجهها ويلهمها. وفي مجمل أسفار العهد القديم نجد الإله لا يكاد يتدخل في حياة الإنسان، إلا غضباً ونقمة وعقاباً. إذا ما ترك عبادته وذهب لعبادة "آلهة أخرى".
الوصايا الست الأخرى عالمية أو دنيوية، لتنظيم علاقات الناس داخل المجتمع. هي قانون مدني كقانون حمورابي، وغيره من القوانين التي استنها الإنسان لتنظيم حياته. فنجدها تقول:
1- أكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ لِكَيْ تَطُولَ أَيَّامُكَ عَلَى الأَرْضِ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ.
2- لَا تَقْتُلْ.
3- لَا تَزْنِ.
4- لَا تَسْرِقْ.
5- لَا تَشْهَدْ شَهَادَةَ زُورٍ.
6- لَا تَشْتَهِ بَيْتَ قَرِيبِكَ. لَا تَشْتَهِ امْرَأَةَ قَرِيبِكَ، وَلَا عَبْدَهُ، وَلَا أَمَتَهُ، وَلَا ثَوْرَهُ، وَلَا حِمَارَهُ، وَلَا شَيْئًا مِمَّا لِقَرِيبِكَ.
وكما نرى هي وصايا أو خطوط عامة. لا تميز الدين أو المجتمع اليهودي عن غيره من المجتمعات الإنسانية. التي لابد أن تذهب بها الفطرة والاحتياج للحياة المشتركة إلى مثل هذه التعاليم.
"الشريعة الموسوية" تنقسم إلى ذات القسمين اللذين تنقسم إليهما "الوصايا العشر":
1- الطقوس التي نسترضي بها الإله المعبود، بتقديم أنواع متعددة من الذبائح كقرابين استرضاء وتكفير عن الذنوب.
2- تفصيلات للعلاقات المجتمعية بين الناس. والتي هي دنيوية محضة.
الذي يرجح النظر لليهودية كديانة علمانية أمران:
الأول هو اختفاء أي ذكر لعالم آخر بعد الحياة الدنيوية، يكافئ أو يعاقب فيه الإله الإنسان على إيمانه أو أعماله.
الثاني كما قلنا هو عدم وجود روح إلهية أو روح قدس تصاحب الإنسان في حياته إلهاماً وتوجيهاً، كذلك الذي نجده في المسيحية.
والكاهن اليهودي يقدم قرابين وتقدمات الإنسان للإله. ولا يستجلب بركات أو روح الإله ليمنحها للبشر، كما هو الأمر في اللاهوت المسيحي.
فالإله اليهودي "يهوه" يكاد في الأغلب لا يعرف تدخلاً في حياة الإنسان سوى الغضب للانصراف عن عبادته، أو التقصير في أداء الطقوس وتقديم القرابين.
هو أشبه بحاكم ديكتاتور لا يعنيه سوى الالتزام الصارم بالولاء له.
ما نسميه روحيات أو غيبيات شبه غائب أو بالغ الضآلة في اليهودية.
لذا فهي أقرب لما نعرفه الآن بالعلمانية.