وأكره اللي يقول: آمين.. يا عزيزي الرئيس مبارك


فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن - العدد: 6532 - 2020 / 4 / 8 - 15:26
المحور: المجتمع المدني     

اليوم ذكرى الأربعين للرئيس الراحل محمد حسني مبارك. اللهم ارحمه رحمة واسعة بقدر ما أحبَّ مصر ورفض الخروج منها في أحلك لحظات حياته، وتمنّى الرحيل إلى بارئه في وطنه والدفن في ثراه الطيب. وحقق الله له ما أراد، فلاقى وجه ربه بين أسرته وأبناء وطنه بعدما طيّب القانون عينيه بحكم البراءة.
==


============================

من سماتِ التحضُّر في البشر، أن نختلفَ دون أن نتخالف. فإن تخالفنا لا نتخاصم. فإن تخاصمتا، لا نفجُر في الخصومة. وقد نُخاصم ونتخاصم ونختصِم، لكننا في المحكّات والمحن، ترقُّ قلوبُنا ونُنحّي خلافاتِنا لنحملَ الحزنَ معًا كأشقاء. تلك سمات ُالمصريين الأصلاء. على أن القاعدةَ التي نقفُ عليها في كل ما سبق هي "الوطنية”. فالمصريُّ لا يسامح في وطن.
تظاهرة المحبة للرئيس مبارك لحظةَ وداعه؛ أثبتت أن چينات التحضُّر تسكننا، نحن الشعب المصري الكريم. كان مبارك وآلُه متحضرين حين تشبّثوا بالوطن في لحظات العسر ولم يهجروه، وكان المصريون متحضرين حين قدّروا ذلك فاستعادوا وطنيته في الحرب والسلم، العسر واليسر. شطرٌ عظيم ممن احتشدوا في الجنازة والعزاء، نزلوا في التظاهرات التي اشتعلت في السنوات الأخيرة من حكم مبارك. لكنهم أقرّوا للرجل بما له؛ فكانت تلك الصورةُ المشرّفة لنا أمام العالم.
تذكّرتُ لحظةً قديمة مشابهة، سجّلتُها في مقال بعنوان: "وأكره اللي يقول آمين!”، نشرتُه يوم 25 مايو 2009، بجريدة "المصري اليوم"، بعد وفاة حفيد الرئيس مبارك، الطفل: "محمد علاء”. قلتُ فيه:
(بالأمسِ صحَّ رِهاني. والرهاناتُ الكبرى تأبى إلا الأثمانَ الكبرى. أُعزّيك يا ريّس. وأعلمُ أن وجعَك لا يُشبهُه وجعٌ. وأن المُرَّ في حلْقِكَ مُرّان. مُرُّ فقدِك قطرةً رقراقةً كانت تُبهج يومَك المشحون بهموم ثمانين مليون إنسان مربوطين في عنقك، ومُرُّ حَزَنَكَ على ابنك الثاكل ابنَه؛ وهو بعدُ زهرةٌ توشكُ أن تستوي على عودِها النحيل. لكن الوجعَ الذي اعتصرَ القلبَ، لم يمنعني من تأمُّل تظاهرة الحبِّ التي أفاضها المصريون على محنتك: فقراءُ، أثرياء، مهنيون، ربّاتُ بيوت، جميعُهم ضربهم الحزن. اجتمع الشعبُ الذي لا يجتمعُ على شيء. هنا شعبٌ ذكي، لا يخلطُ الأمور. أعاروا ثمانين مليون قلبٍ لقلب جارهم المصريّ الجريح: "محمد حسني مبارك"، النسر الجويّ الذي قدّم عمرَه لمصرَ في حرب الكرامة. لرجل يحمل منذ عقود حِملاً هائلاً، حين استلم بلدًا تنوء تحت أثقال الفقر والجهل والمرض والطائفية وانهيار البنية التحتية. هم ذاتهم يا ريّس الذين ينتقدون النظامَ والحكومة كل يوم. هم ذاتهم الغاضبون المعتصمون المُضربون، منحوكَ اليومَ دموعَهم، ومنحو الطفلَ الجميل "محمد علاء" أُبوَّتهم وأمومتَهم فتجرّعوا معكَ، ومع أبويه، كأسَ الثكل المُرَّ. أقلامُنا التي انتقدت حكومتك، أفردتِ اليومَ الصفحاتِ لتحملَ معك أنصبتَها من الوجع، لأن أجندتَنا الوحيدة هي "حبُّ مصرَ"، وأنت تعرفُ معنى ذلك الحب، إذْ حملت روحَك على كفّك في الحرب. مناوئتنا حكومتَك تشبه المثلَ القائل: "أدعي على ابني وأكره اللي يقول آمين!".
مرَّ زمنٌ منذ رأيتُ المصريين يجتمعون على أمر. حزنٌ عام، صامتٌ حينًا، باكٍ حينًا، وصادقٌ طول الوقت عمَّ المطارات والمقاهي والشوارع والمكاتب والجامعات والمدارس. صحفاتٌ بُسطت لكلمات العزاء وطيّب الدعوات لمنحك السلوى والجَلد. مجموعاتٌ على الانترنت باسم الطفل الذي طار؛ إلى حيث يطيرُ الأطفالُ، ولا يعودون. لكنهم يشفعون لأبويهم حتى يهنأوا في النعيم الخالد الذي لا يزوي؛ فتشرقُ وجوهُهم بحضرة الله ونوره إلى أبد الأبد.
صَحَّ رهاني على "المواطن المصري" الذي لا يشبهه أحدٌ من سكان الأرض. هو أجملُ سكّان الأرض. وليرمِني بالشوفينية مَن يشاء. هي تهمةٌ لا أُنكرها، وأعتزُّ بها. من حقي أن أفرحَ بجمالي؛ وأنا جميلةٌ بمصريتي، مثلما كلّ مصريّ جميلٌ بمصريته، ومن حقي أن أبحث في العتمة عن شعاع ضوء؛ ومحنتُك يا ريّس عتمةٌ موحشةٌ، لكن حبَّ المصريين الذي يظهر في المحن، هو حزمةُ نور غامر، عثرتُ بها فأبهجتني؛ رغم الوجع.
هكذا يا عزيزي الرئيس مبارك، حزنَ المصريون، كأن كلَّ رجل فيهم أبٌ لحفيدك، وكأن كلَّ امرأة حملته في أحشائها وهنًا على وهن، وراقبته يكبر بين عينيها وذراعيها يومًا بعد يوم؛ فتكبرُ معه أحلامُها له ورهاناتها عليه. توجّع المصريون لوجع رئيسهم. فنحن نجيدُ "فنَّ الحبّ". ونحن جميلون، لأننا مصريون. لكَ أن تفرح بنا وبمكانتك لدينا وبحزننا على حزنك؛ رغم ظرفنا القاسي الذي نعيشه في مصر من جهل وفقر ومرض وتطرف وإرهاب. وفي الأخير أدعوكَ أن تردد مع السيّاب قوله: "لكَ الحمدُ مهما استطالَ البلاءْ/ ومهما استبدَّ الألمْ/ لك الحمدُ، إن الرزايا عطاءْ/ وإنّ المصيباتِ بعضُ الكَرَمْ.”)
رحم الُله الرئيس محمد حسني مبارك. “الدينُ لله، والوطنُ لمن يحبُّ الوطن.”


***