نصفُ قرن على نصرٍ… صنعه عظماءُ


فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن - العدد: 7761 - 2023 / 10 / 11 - 10:23
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

في احتفالات "دولة الأوبرا المصرية"، بمرور ٥٠ عامًا على انتصار أكتوبر المجيد، سلّموا لنا عند باب الدخول أعلامًا مصرية صغيرة مع كُتيّب برنامج الحفل الجميل. كنّا نرفعُ الأعلامَ نلوّحُ بها في فضاء المسرح الكبير مع كل أغنية وطنية شدا بها فنانو "الفرقة القومية العربية للموسيقى" بقيادة المايسترو "مصطفى حلمي" من خوالد أغنياتنا الوطنية التي تمسُّ القلوبَ بريشة نوستالجيا تلك الأيام الماجدة منذ نصف قرن حين رفعت مصرُ رايتها عاليًا أمام العالم لحظة انتصارنا على الكيان الصهيوني المغتصب. كنتُ أختلسُ النظرَ بين الحين والحين لابني "عمر" الجالس إلى جواري، لأفاجأ به يُدندنُ مع الأغاني الوطنية، فيشرقُ قلبي بالفرح. “يا حبيبتي يا مصر"، “النجمة مالت ع القمر”، "سلمولي على مصر"، "وأنا على الربابة باغني"، "يا أغلى اسم في الوجود"، "عاش اللي قال"، وغيرها من دُرر الطرب المصري الذي استلهمه شعراءُ وموسيقيون ومطربون من سواعد رجال قواتنا المسلحة على الجبهة، من القادة والضباط والجنود والشهداء الذين ضحّوا بأرواحهم فداءً للوطن العزيز.
دائمًا ما أعلّم أطفالي أن أول شهيدين في حرب أكتوبر الخالدة كانا العميد/ "شفيق متري سدراك"، والرقيب/ "محمد حسين محمود”، وأترك لوعيهم أن يتأمل كيف قضت حكمةُ الله أن ترتوي أرضُ مصرَ، في أولى ساعات الحرب، بدماء رجلين نبيلين تنوّعا في العقيدة، واتفقا على حب مصر.
في مثل هذه الأيام من كل عام، تكسو أعلامُ مصرَ صفحةَ السماء، ونتذكّر اليومَ الخالد الذي شهد العالمُ بأسره انتصار مصر العظمى على عدوٍّ رسمَ لنفسه صورة أسطورية، وصدَّر للعالم فكرة أنه لا يُهزَم! نتذكّر عظمة جيشنا المصري الباسل، الذي دحرَ العدو الصهيونيَّ قبل خمسين عامًا، وظلَّ مُحافظًا على شرف مصر على مدى السنوات والعقود، حتى حرَّرَنا عام ٢٠١٣ من غول الإخوان الأسود الذي كاد يلقي بمصر في التهلكة، وهو ذاته جيشُنا العظيم الذي دحر الإرهابَ الذي خلّفه الإخوان في سيناء الحبيبة، ثم التفت إلى بناء مصر الجمهورية الجديدة. رجالٌ أشدّاء ذوو بأس وقدرات عسكرية وقتالية فائقة، صنعوا لنا ولأولادنا سنوات الأمن التي عشناها منذ حربنا الأخيرة مع إسرائيل في أكتوبر ١٩٧٣، وحتى اليوم وإلى منتهى الأيام.
في هذا اليوم الخالد ٦ أكتوبر من كل عام، نتذكّر بكل احترام: الرئيس/ "محمد أنور السادات" الذي استردّ سيناء من قبضة إسرائيل، بعد حرب التحرير المجيدة. نتذكّر بكل احترام الفريق طيار/ "محمد حسني مبارك"، قائد القوات الجوية، الذي قاد نسورنا المصرية في الحرب وأطلق الضربة الجوية الأولى التي زلزلت عديد النقاط الحيوية لدى قوات العدو الإسرائيلي في سيناء، ما سمح لقواتنا البريّة بالتقدّم للعبور والسيطرة على الضفّة الشرقية للقناة في أولى أيام الحرب الشريفة، تحت غطاء وحماية نسور القوات الجوية. نتذكّر بكل احترام الفريق/ "سعد الدين الشاذلي"، رئيس الأركان واضع خطة العبور والرأس المدبِّر لاجتياح جيشنا المصري خطَّ الدفاع الإسرائيلي في خط بارليف. نتذكَّر بكل احترام المشير/ "محمد عبد الغني الجمسي"، المُصنّف ضمن أبرع ٥٠ قائدًا عسكريًّا في التاريخ، وآخر مَن حمل لقب "وزير الحربية" في مصر، قبل أن يتغيّر اللقبُ إلى "وزير الدفاع"؛ لأن مصرَ دولة سِلمٍ لا تحاربُ إلا "دفاعًا" عن أرضِها وشعبها. نتذكّر بكل احترام المشير/ "أحمد إسماعيل" الذي قاد الجيش في مرحلة من أدقّ مراحل ملحمة التحرير الشريفة. وفي دفتر العظماء نتذكّر بكل احترام عظماء خالدين، منهم مهندسٌ عبقري رحل قبل أعوام، وتشرّفتُ بحضور مراسم جنازته وتقديم واجب العزاء لأسرته الكريمة، هو اللواء "باقي زكي يوسف". رئيس فرع المركبات بالجيش الثالث الميداني، وهو مبتكر فكرة استخدام ضغط المياه القويّ لإحداث ثغرات في الساتر الترابي المنيع المعروف عسكريًّا بخط برليف الذي تغنَّت إسرائيل باستحالة إزالته؛ لكنه تصدَّع أمام شلالات المياه الهادرة من المضخّات، ليعبُرَ جيشُنا إلى ثكنات العدو ويرتفع علمُ مصر زاهيًا، وتصدح أغنياتُ العبور من مذاييع البيوت في كل أرجاء الوطن العربي.
وأشكر الرئيس العظيم/ "عبد الفتاح السيسي" على إطلاق اسم "اللواء باقي زكي يوسف" على نفق مهم في التجمع الخامس بين شارعي التسعين الجنوبي والشمالي، وتحت اسمه نبذة عن ابتكاره الهندسي الذي مكّن قواتنا المسلحة من تحطيم خط برليف. وأتشرّف بشكل شخصي بأن ذلك المهندس العبقري هو ابن الكلية الجميلة، التي تخرجتُ فيها: "هندسة عين شمس”. عاش في هدوء وخدم وطنه في هدوء وركن إلى مرحلة تقاعده في هدوء، بعيدًا عن الأضواء، ثم رحل في هدوء تاركًا مصرَ وقد حطّمت أسطورةً نسجها صهيونُ أمام العالم. كل عام ومصرُ حرّة ماجدة وعزيزة بجيشها وشعبها. تحيا مصر.
***