عيد ميلاد -الاتفاقية الأنيقة-… هل ستذكرون -غزّة-؟


فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن - العدد: 7821 - 2023 / 12 / 10 - 10:17
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

بعد غد ٩ ديسمبر، يحلُّ عيدُ الميلاد الخامس والسبعين لـ "اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها" التي أقرّتها "الجمعية العامة للأمم المتحدة" في مثل ذاك اليوم من عام ١٩٤٨. وقد أعلنت في تلك الاتفاقية أن "الإبادة الجماعية جريمةٌ بمقتضى القانون الدولي، تتعارض مع روح الأمم المتحدة وأهدافها، ويدينها العالمُ المتمدن. وتقرُّ بأن الإبادة الجماعية قد ألحقت، في جميع عصور التاريخ، خسائرَ جسيمةً بالإنسانية؛ ولذا فأن تحرير البشرية من مثل هذه الآفة البغيضة يتطلب التعاون الدولي. وتتكون الاتفاقية من تسع عشرة مادةً، تنصُّ المادةُ الثامنة عشر منها بأن يُودع أصلُ تلك الاتفاقية في محفوظات الأمم المتحدة، وأن تُرسل نسخة مُصدّقة منها إلى جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وكذا إلى الدول من غير الأعضاء. في مادتها الأولى تُقرُّ الاتفاقيةُ على تجريم الإبادة الجماعية تجريمًا دوليًّا سواء ارتكبت في أيام السلم أو أثناء الحرب، فهي جريمةٌ بمقتضى القانون الدولي، وتتعهد بمنعها والمعاقبة عليها. وتقولُ المادةُ الرابعة: “يعاقبُ مرتكبو الإبادة الجماعية سواء كانوا حكامًا دستوريين أو موظفين عمومًا أو أفرادًا.” كذلك تنصُّ المادةُ السادسة على: “يُحاكم الأشخاصُ المتهمون بارتكاب الإبادة الجماعية أو أي من الأفعال الأخرى المذكورة في المادة الثالثة أمام محكمة مختصة من محاكم الدولة التي ارتكب الفعل على أرضها، أو أمام محكمة جزائية دولية تكون ذات اختصاص إزاء من يكون من الأطراف المتعاقدة قد اعترف بولايتها.” وأما المادةُ الثالثة فتنص على: “يُعاقب على الأفعال التالية: (أ) الإبادة الجماعية، (ب) التآمر على ارتكاب الإبادة الجماعية، (ج) التحريض المباشر والعلني على ارتكاب الإبادة الجماعية، (د) محاولة ارتكاب الإبادة الجماعية، (هـ) الاشتراك في الإبادة الجماعية. أما المادةُ الثانية فتنصُّ على: “في هذه الاتفاقية، تعني الإبادةُ الجماعية أيًّا من الأفعال التالية، المرتكبة على قصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية، بصفتها هذه، ومنها القتل- إلحاق الأذى الجسدي- الإخضاع العمدي لظروف معيشية يُراد بها التدمير المادي الكلي أو الجزئي، إيذاء الأطفال أو تهجيرهم. وفي المادة الخامسة: “يتعهد الأطرافُ المتعاقدون بأن يتخذوا، كلٌ طبقًا لدستوره، التدابير التشريعية اللازمة لضمان إنفاذ أحكام هذه الاتفاقية، وعلى وجه الخصوص النص على عقوبات جنائية ناجعة تنزل بمرتكبي الإبادة الجماعية أو أي من الأفعال الأخرى المذكورة في المادة الثالثة.”
والسؤال: ألا تتفق جميعُ بنود تلك الاتفاقية على معاقبة "نتنياهو" بوصفه "مجرم حرب" جرّاء ما ارتكبه منذ يوم ٧ أكتوبر الماضي، ومازال يرتكبه في "غزّة" الفلسطينية من تدمير كُليّ للبنية العمرانية وإبادة عمياء لشعبها الأعزل بمَن فيهم من أطفال ونساء وشيوخ ومحاصرة لقطاع غزة ومنع وصول المواد الغذائية والعلاجية؟! ماذا سوف تقول "الجمعية العامة للأمم المتحدة" بعد غدٍ في احتفالها السنوي بهذا اليوم، وقد سبق وأعلنت، في سبتمبر ٢٠١٥، أن يكون يوم ٩ ديسمبر هو "اليوم الدولي لإحياء وتكريم ضحايا جرائم الإبادة الجماعية ومنع هذه الجريمة.” قبل تكريم الضحايا وأسر الشهداء الفلسطينيين، نسألُ عن التدابير التي اتخذها العالم "لمنع هذه الجريمة" وعن "معاقبة مرتكبها"؟!
يبدو أن تلك الاتفاقية "الأنيقة" التي صدّق عليها العالمُ عام ١٩٤٨ والتي تُعدُّ "أول معاهدة لحقوق الإنسان اعتمدتها الجمعية العامة" ليست إلا زهرةً حمراءَ جميلة مشبوكة في عروة جاكيت البدلة التي يرتديها العالمُ الغربي، لزوم الشياكة والأناقة وحُسن المظهر مثلها مثل الكراڤات والبرفان والساعة الثمينة، لكنها فيما يبدو لا تُلزم لابسَها بأن يكون متحضرًا ونظيف اليد وجسورًا بما يكفي لمنع الجرائم ومعاقبة مرتكبها، بدلا من الاكتفاء بتدبيج الشعارات والكلمات الطيبة التي لا تتعدى سطور الورق المكتوبة عليه! فمن بنود تلك الاتفاقية "الأنيقة" أنها تُلزم المجتمع الدولي بألا يتكرر ذلك أبدًا، كما تتيح كذلك أول تعريف قانوني دولي لمصطلح ”الإبادة الجماعية“، الذي تم اعتماده على نطاق واسع على المستويين الوطني والدولي. كما تنص على واجب الدول الأطراف في منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها.
في مثل ذلك اليوم عام ٢٠٢٠ قال "أنطونيو جوتيريش" أمين عام الأمم المتحددة: "حيثما نرى الناسَ يواجهون التمييز المنهجي ويصبحون أهدافًا للعنف بسبب هُويتهم، علينا التحرك للدفاع عنهم. وعلينا إشاعة ثقافة السلام ونبذ العنف واحترام التنوع وعدم التمييز. بهذا يمكننا إقامة مجتمعات قادرة على مواجهة خطر الإبادة الجماعية.”
أين ذهبت بنودُ الاتفاقية "الأنيقة" حين أضرمت إسرائيلُ النارَ في جوف فلسطينَ فخرّبت وفجّرت وأبادت؟! أين كانت الكلماتُ الحلوة حين انطلقت الصواريخُ الإسرائيلية تفجّرُ المدارسَ والمستشفياتِ في "غزة"، وتصرعُ الأطفالَ على مقاعد الدرس وتقتلُ المرضى على مراقد الشفاء؟ "اتفاقية الإبادة الجماعية"... كل سنة وأنتِ طيبة!