العودة الى لينين 7


طلال الربيعي
الحوار المتمدن - العدد: 6480 - 2020 / 2 / 2 - 23:45
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

إذا كان هذا صحيحًا, كما تثبت الممارسة والتفكير اللينيني, أن الوضع الثوري في روسيا كان استثائيا او خاصا بوضع روسيا عند اندلاع ثورتها, ربما ينبغي لنا, يقول التوسر, أن نسأل ما هو استثنائي حول هذا "الوضع الاستثنائي"؟ وما إذا كان, مثل جميع الاستثناءات, لا يوضح هذا الاستثناء قواعده-لأنه لو فعل هذا لما كان استثنائيا؟ اذن اليس الاستثناء هو القاعدة نفسها وليس للاستثناء من قاعدة؟ كما انه, بعد كل شيء, ألا نجد انفسنا دائما في حالات استثنائية؟ كان فشل ثورة 1849 في ألمانيا استثناءً, والفشل في باريس في عام 1871 كان استثناءً, والفشل الاشتراكي الديمقراطي الألماني في بداية القرن العشرين كممهد للخيانة الشوفينية عام 1914 كان استثناءً. . . استثناءات واستثناءات, ولكن استثناءات بالنسبة لماذا؟ لا شيء, يجيب التوسر, سوى استنثاء بالنسبة الى فكرة مجردة, ولكنها مريحة ومطمئنة لمخطط ديالكتيكي بسيط ونقي: التناقض المجرد على هذا النحو: على وجه الخصوص, التناقض "الجميل" بين رأس المال والعمل. ونحن نعلم أن جميع المقالات التاريخية والسياسية الهامة التي كتبها ماركس وإنجلز وقها تمدنا بالتحديد بالمواد اللازمة للتفكير الأولي حول ما يسمى بـ "الاستثناءات", ونحن نستخلص منها المفهوم الأساسي بأن التناقض بين رأس المال والعمل ليس بسيطًا أبدًا, ولكن يتم تحديده دائمًا من خلال الأشكال والظروف التاريخية الملموسة.

لنستمع إلى ما يقوله انجلز في عام 1890 في تحديه "الاقتصاديين" الشباب لعدم فهمهم ان الإنتاج هو العامل الحاسم, ولكن فقط " كمحصلة نهائية": "أكثر من هذا لم يؤكده لا ماركس ولا انا من قبل". "أي شخص يشوه هذا حين يقول أن العامل الاقتصادي هو العامل المحدد الوحيد". "فقول كهذا هو عبارة فارغة, مجردة, ولا معنى لها". وكتفسير: الوضع الاقتصادي هو الأساس, ولكن العناصر المختلفة للبنية الفوقية (الدولة وجميع البنى القانونية والسياسية والأيديولوجية) والأشكال السياسية للنضال الطبقي ونتائجها: إلى الدساتير التي أنشأتها الطبقة المنتصرة بعد معركة ناجحة, وما إلى ذلك, الأشكال القانونية, وحتى ردود أفعال كل هذه النضالات الفعلية في أدمغة المشاركين, النظريات السياسية والقانونية والفلسفية والآراء الدينية وتطويرها إلى أنظمة عقائدية - تمارس نفوذها أيضًا على مدار النضالات التاريخية.

يجادل كالينيكوس في ان ألتوسر استخدم هذا النص بالذات في "التناقض والإفراط في التقرير" من أجل التماس للديالكتيك الماركسي الذي سلط الضوء على التعقيد الكامن للممارسة التاريخية, وعدم امكانية اختزالها الى جوهر بسيط, وحتى الاقتصاد. ومع ذلك, فالاهتمام ينصب اكثر على آثار هذا التعقيد على العمل السياسي. إذا كانت العناصر "غير المتجانسة تمامًا" يمكن أن تشكل " تفاعلات غير متوقعة ومحددة" كتلك التي يحللها لينين في "رسائل من بعد" ، فهناك حدود صارمة لما يمكن أن تتنبأ به أفضل نظرية اجتماعية. هذا لا يعني أن الأحداث التاريخية غير مفهومة, أو انها معجزة حقًا, لكن, يمكن القول, ان العملية التي تؤدي إلى "تحول مفاجئ في التاريخ" قد لا يتم فهمها إلا من خلال إعادة تفسير رجعي, بمعنى الرجوع الى الوراء - كما فعل لينين عندما سعى لفهم ثورة فبراير بعد ان أخذته, و الجميع, على حين غرة.

فيما يتعلق بالفكر المعاصر, فإن الاعتراف بما أطلق عليه ميرلو بونتي غموض التاريخ يؤدي عادة إلى تجنب العمل السياسي وإلى التأمل السلبي للمفارقات التي يطرحها مجتمع معقد بشكل غير محدود.
M. Merleau-Ponty
Humanism and Terror
An Essay on the Communist Problem
http://www.beacon.org/Humanism-and-Terror-P85.aspx
(ميرلو بونتي, 1908–1961, فيلسوف وجودي فرنسي, وكان استاذا في علم نفس وتربية الطفل والفلسفة في جامعة السوربون في باريس, اضافة الى كونه المحرر السياسي للمجلة الفلسفية الشهيرة, الازمنة الحديثة. وكتابه المذكور اعلاه يفترض أن المجتمع ليس "معبدًا لأصنام القيم التي تظهر على واجهة آثاره أو في مخطوطاته الدستورية؛ إن قيمة المجتمع هي القيمة التي يضعها على علاقة الإنسان بالإنسان. يوضح ميرلو بونتي أن محاكمات موسكو في أواخر ثلاثينيات القرن الماضي والعنف عمومًا في العالم الشيوعي لا يمكن فهمه إلا في سياق العنف الثوري. اي أنه من غير المجدي البدء في دراسة العنف الشيوعي عن طريق سؤال عما إذا كانت الشيوعية تحترم قواعد الفكر الليبرالي؛ من الواضح أن الشيوعية لا تفعل. والسؤال الذي يجب طرحه هو ما إذا كان العنف الذي تمارسه الشيوعية هو عنف ثوري, قادر على بناء علاقات إنسانية بين البشر". يجب الملاحظة هنا ان جدال ميرلو بونتي هذا كان وليد ظروف تاريخية معينة ولم يشاركه رأيه فلاسفة وجوديون آخرون مثل جان بول سارتر, ولكن المقالة هذه لا تستطيع التفصيل اكثر هنا!)

لم يكن الأمر كذلك في حالة لينين: إن عدم القدرة على التنبؤ بالتاريخ يتطلب منا التدخل للساهمة في تشكيله. في "ما العمل؟" (1902), رد لينين على ادعاء مفاده أن الأمور معقدة للغاية, وبالتالي فان التنظيم المركزي المقترح من الثوريين في الحركة الاشتراكية الروسية لا يستطيع المضي قدمًا في العمل, باستعارته الشهيرة, الحلقة الرئيسية في السلسلة:
"كل قضية "تدور في حلقة مفرغة" لأن الحياة السياسية ككل هي سلسلة لا نهاية لها وتتكون من "عدد غير محدود من الحلقات ". يكمن فن السياسة برمته في البحث والامساك بايدينا بالحلقة التي هي الأكثر أهمية في لحظة معينة, حيث ان امتلاك هذه الحلقة سيضمن لصاحبها امتلاك السلسلة بأكملها."
V. I. Lenin,
What Is to Be Done?
,in
Collected Works
5:502
https://www.amazon.com/What-Done-Original-Progress-Publishers/dp/1548277576

ولكن التداخل السياسي ليس قفزة عمياء في الظلام. المطلوب تحليل دقيق من أجل تحديد ما هي الحلقة الرئيسية, وهذا بدوره ينطوي على فهم "السلسلة بأكملها". و لذا يكتب لينين حول الوضع السياسي بعد ثورة فبراير / شباط", انه يجب علينا أولاً السعي لتعريفه بأقصى درجات الدقة الموضوعية الممكنة, حتى تكون التكتيكات الماركسية قائمة على الأساس المتين الوحيد الممكن - أساس من الحقائق. قد لا يمكن التنبؤ بـ "المنعطفات المفاجئة في التاريخ", لكن لا يترتب على ذلك أن الظروف التي تنتج عنها لا تملك ملامح أساسية معينة يمكن من خلالها تحديد التحليل الموجه نظريًا بشكل صحيح من أجل توجيه التداخل السياسي.

في خريف عام 1917 عندما ارسل لينين عددا لا يحصى من الرسائل الى اللجنة المركزية البلشفية تطالبها بالشروع بالثورة, حيث استندت حججه على تحليل لتوازن القوى على خلفية الوضع العسكري والاقتصادي المتدهور بسرعة. انتهى هذا التحليل إلى توقع أنه إذا لم يستلم البلاشفة السلطة بسرعة, فإن الطبقة الحاكمة ستسعى لتدمير الثورة إما عن طريق شن انقلاب عسكري آخر مثل ذلك الذي حاوله الجنرال كورنيلوف في أغسطس 1917 أو عن طريق السماح لجيوش المانيا المتقدمة لأخذ بتروغراد. وكتب في 24 أكتوبر / تشرين الأول عشية الثورة البلشفية ذاتها "لن يغفر التاريخ الثوريين المماطلة عندما يمكن أن يكونوا منتصرين اليوم. . . بينما يخاطرون بخسارة الكثير غدًا, في الواقع, فإنهم يخاطرون بخسارة كل شيء".
V. I. Lenin
Between the Two Revolutions
506
https://www.abebooks.co.uk/Two-Revolutions-articles-speeches-1917-Lenin/17824074403/bd

في الوقت نفسه, على عكس التفسيرات "القدرية" للماركسية (بمعنى انه ليس من داع للتداخل السياسي لان الامور تحكمها ظروف موضوعية خارجة عن نطاق الفعل البشري), هناك أكثر من نتيجة محتملة للوضع؛ وفي النهاية, تعتمد النتيجة التي تسود فعليًا, جزئيًا, على سلوكيات الثوريين أنفسهم.
يتبع