العودة الى لينين 4


طلال الربيعي
الحوار المتمدن - العدد: 6469 - 2020 / 1 / 20 - 01:46
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

في مسألة مركزية النظرية, يؤكد كالينيكوس على ان مفاهيم ويبر في التمييز بين السياسات المعتمدة على العقيدة وتلك التي تعتمد على المسؤولية مستمدة من الكانطية الجديدة التي تفرق بين الحقائق والقيم.
(لا يمكن هنا تفصيل الكانطية الجديدة و من يريد التعرف على المزيد يمكن مراجعة, مثلا,
Neo-Kantianism
https://www.iep.utm.edu/neo-kant/)

ولكن من الأمور الشائعة في كلا الأخلاقيات, اخلاقيات العقيدة او اخلاقيات المسؤولية, حقيقة أنه لا يمكن تبريرهما بعقلانية: "سواء كان يجب التصرف بناءً على أخلاقيات العقيدة أو مبدأ المسؤولية ، وعندما يتوجب على المرء فعل شيء أو آخر, فهذه ليست أشياء يمكن لأي شخص إعطاء تعليمات بشأنها لأي شخص آخر." اعتماد أي مجموعة من القيم امر غير قابل للاختزال لحكم ذي دوافع عقلانية. هنالك فجوة متأصلة بين الطريقة التي يكون بها العالم والغايات التي تحكم العمل الإنساني: لا يمكن تجاوزها سوى عن طريق قفزة, او بقرار ضمني لا يتضمن مجموعة من المبادئ المعيارية, وبالفعل ليس من الضروري أن يعترف الشخص بمرجعية من أي مبادئ من هذا القبيل. لا يمكن للعقل سوى ان يلعب دورًا فعالًا في أحسن الأحوال وذلك بتحديد أكثر الوسائل فاعلية لتحقيق الغايات.
(وهنا يجب ان الاحظ التالي. ان موضوعة (عدم) فعل العقل, العقل كنشاط ارادوي فردي, في العمل الثوري, يبرز اهمية الاشارة الى خواء كتابات بعض المتمركسين الذى يفتتحون مقالاتهم او يملأونها باستخدام كلمات ومصطلحات عبثية او كحشوات لملأ الفراغ باعتبار انهم طبيعيون= ماديون, الطبيعة تكره الفراغ, فيستخدمون عبارات مثل "مناقشة عقلانية!", "تحكيم العقل", "معالجة هادئة"-وكأن العاطفة رجس من عمل الشيطان. وكل هذا يعكس تقزيمهم لشخوصهم ومازوخيتهم مع السلطة السادية, انكار غضبهم مع الظلم وعقلنته برنامجيا وكأنهم كومبيوترات-اموات, وكذلك كالوجه الآخر لساديتهم مع معارضيهم: ومازوخية-سادية هولاء الشيوعيين, اذا استعرنا المحلل النفسي الماركسي اريك فروم, تعبد الطرق نحو الفاشية وتحالفهم معها: البعث, الاسلام السياسي, النيولييرالية! و كل هؤلاء يعتبرون انفسهم صنوا للعقل ويمنحون انفسهم سمة المرجعية العليا ,الروح المطلقة- الله-الهيغلية, ولكن شكليا فقط. انهم ليسوا هيغليين لانهم ليسوا ديالكتيكيين, بل انه مرجعيتهم هي صنو لمرجعية النجف الدينية: انها مرجعية الكلمة الفاصلة, مرجعية الموت وليس ديالكتيك القوانين الطبيعية كشكل من اشكال المعرفة. انهم كاريكاتورات ماركسية تسئ الى الماركسية قدرما تسئ الى العقل بمجمله وبالاخص في موضوعة دوره في احداث الفعل الثوري- لذا يمكن القول "رب ضارة نافعة" عندما "تخلى!؟" هؤلاء عن اللينينية, لانهم, اولا, لم يكونوا يوما لينينيين, لانهم, ثانيا, اساؤا فهم لينين, وذلك لانهم, ثالثا,اختزلوه الى مصطلح ستاتيكي وفعل "قمعي" يعكس ضيق افقهم, خؤاءهم المعرفي, وطبيعتهم الطبقية المسدودة الافق.)

ولذا ان أندرسون (المصدر كما في الحلقة السابقة) محق هنا بان مفهوم ويبر يتميز بال decisionism (عقيدة سياسية وأخلاقية وشرعية تنص على أن المبادئ الأخلاقية أو القانونية هي نتاج قرارات تتخذها هيئات سياسية أو قانونية), ويبدو وكأنه عالم بعيد عن مقاربة لينين للسياسة. يمكن توضيح هذا بشكل افضل في مرحلتين - أولاً عن طريق النظر في الدور الذي يلعبه التحليل النظري في سياسات لينين, ثم من خلال مواجهة المكانة التي تحتلها الاعتبارات الأخلاقية من أي نوع. أصبحت فكرة ميكيافيلية وانتهازية لينين راسخة الآن في الخطاب الأكاديمي السائد. وسيرفيس, الذي تم الاستشهاد به من قبل, هو الأحدث تعبيرا عن هذا الحكم التقليدي, واصفا سلوكية لينين في المؤتمر الثاني للاممية الشيوعية في صيف عام 1920
"الطريقة اللامبالية التي تعامل بها لينين مع الماركسية في تحقيق اهداف السياسة العملية في نظره. على الرغم من أنه كان يفكر بجدية في النظرية الاجتماعية والاقتصادية وبوجوب حب التمسك بأفكارها الأساسية, إلا أن تمسكه لم يكن مطلقًا. في منتصف 1920s كانت الأولوية بالنسبة له هي الإصدار العالمي للطاقة الثورية. تلاشت الأفكار حول المراحل التي لا يمكن تجنبها من التطور الاجتماعية بالنسبة له. تحقيق الثورة, مهما كانت تقريبية (غير مثالية, ط.ا) هو أفضل من صياغة نظرية متطورة ولكنها غير قابلة التحقيق. إذا كانت خفة اليد الفكرية ضرورية في بعض الأحيان, فليكن الأمر كذلك. حتى عندما بقي على مقربة من سياساته المعلنة سابقًا, كان لينين يصعب فهمه. وأعلن أنه ينبغي على الأحزاب التي تنتمي إلى الكومنترن أن تنفصل عن أنواع الاشتراكية "الانتهازية" التي رفضت الحاجة إلى "ديكتاتورية البروليتاريا"؛ لكنه طالب في الوقت نفسه الشيوعيين البريطانيين بأن "يربطوا أنفسهم بحزب العمال: حجة لينين كانت أن الشيوعية في المملكة المتحدة ضعيفة حتى الآن لتشكيل حزب مستقل".
R. Service,
Lenin
410-411

ومع ذلك, فإن ما يمكن أن تكشفه سيرة فكرية جادة للينين
T. Cliff,
Lenin
, 4 vols. (London: Pluto Press, 1975–79)- M. Liebman,
Leninism under Lenin
(London: Jonathan Cape, 1975)- and N. Har-ding,
Lenin’s Political Thought
2 vols. (London: Macmillan, 1977, 1981).

هو ليس موقفه اللامبالي اوالمتساهل نظريا, بل بالطريقة المنهجية التي دعته في كل منعطف كبير في الأحداث إلى إعادة النظر في أفضل طريقة لفهم الموقف نظريا. قبل ثورة 1905 كان تحليله الدقيق ولا سيما للهيئات الزراعية الروسية قد تضمنه كتابه "تطور الرأسمالية في روسيا" (1899), حيث قدم الأساس النظري لنقد لينين لآمال الشعبوية في الاشتراكية الريفية. فرضت قدرات العمل الجماعي التي أظهرها الفلاحون في عام 1905 إعادة تقييم مسجلة في "المسألة الزراعية ونقاد ماركس" 1908)
The Agrarian Question and the “Critics of Marx
https://www.marxists.org/archive/lenin/works/1901/agrarian/index.htm
و"البرنامج الزراعي للاشتراكية الديموقراطية في الثورة الروسية الأولى"
(1908).
The Agrarian Programme of Social-Democracy in the First Russian Revolution, 1905-1907
https://www.marxists.org/archive/lenin/works/1907/agrprogr/index.htm

الأزمة التي نشأت عن اندلاع الحرب العالمية الأولى في الحركة الاشتراكية الدولية دفعت لينين إلى إعادة النظر بشكل عام في النظرية والاستراتيجية الاشتراكية التي اعيد تحديدها بشكل خاص في الدفاتر الفلسفية,
Lenin’s Philosophical Notebooks
https://www.marxists.org/archive/lenin/works/cw/pdf/lenin-cw-vol-38.pdf
والتي تم إنتاجها من خلال قراءته لهيجل, وفي "الامبريالية أعلى مراحل الرأسمالية". توجت العملية في "الدولة والثورة"، النص غير المكتمل بخصوص النظرية الماركسية للدولة الذي كتبه أثناء فراره في صيف عام 1917 ، بين ثورتي فبراير وأكتوبر. ما يوحي هذا السجل هو ليس الانتهازي الساخر ولا الدوغماتي المتعصب الذي صوره التأريخ التقليدي. بدلاً من ذلك, نرى تتبعًا مستمرًا للأمام والخلف بين النظرية والتطبيق, حيث تجبر المشاكل الجديدة لينين في أشد حالات الضغط ان يراجع الوضع من الناحية النظرية. ولكن هذا لا يعني بالتحديد كيفية فهم لينين نفسه العلاقة بين التحليل النظري والممارسة السياسية. استنادا إلى تجربة ثورة أكتوبر في نهاية حياته, فقد استشهد بنابليون بعبارته المشهورة (اقتباس العبارة غير دقيق): "On s’engage et puis. . . on voit." وترجمتها بما مضمونه تعني"الانخراط أولاً في معركة جادة ثم انظر ماذا سيحدث". يبدو أن هذا يدعو إلى قراءة ديسيونية-ارادوية لأفعال لينين في عام 1917, وكأن ثورة أكتوبر صنو للعبة النرد.

مثل هذه القراءة ستكون مضللة. يعكس دور لينين في عام 1917 موضوعين رئيسيين في فكره السياسي - (1) تعقد التاريخ وعدم إمكانية التنبؤ به ، و (2) ضرورة التدخل السياسي. ربما يكون الموضوع الأول أكثر وضوحًا في "رسائل من بعد"
Letters From Afar
https://www.marxists.org/archive/lenin/works/1917/lfafar/
التي توضح كيف استقبل لينين ثورة فبراير. في أول خطاب له, علق على الطريقة المعجزة على ما يبدو والتي أطيح بها القيصر فجأة: "لا توجد معجزات في الطبيعة أو في التاريخ, ولكن كل منعطف مفاجئ في التاريخ, وهذا ينطبق على كل ثورة, يقدم مثل هذا الكم الهائل من المحتوى, الذي يكشف عن هذه التوليفات غير المتوقعة والمحددة من أشكال النضال وتوازن قوى الصراع, مما يبدو للشخص العادي وكأنه معجزة."

يشرع لينين في تحليل العناصر المختلفة التي تجمعت في فبراير 1917 - التعقيدات طويلة الأجل في المجتمع الروسي, "المعجل القوي" الذي وفرته الحرب العالمية الأولى, الضعف النسبي لروسيا بين القوى العظمى, والمؤامرات من قبل السياسيين المحافظين والليبراليين بتشجيع من القوى الأنجلو الفرنسية, قد جعلته يخلص إلى ان أسرة رومانوف شكلت عقبة أمام الانهاء الفعال للحرب، والى تزايد الاستياء بين العمال وحامية بتروغراد. وبالتالي, "نتيجة لموقف تاريخي فريد للغاية, اندمجت تيارات متباينة تماما, غير متجانسة من وجهة نظر المصالح الطبقية وذات مساع سياسية و اجتماعية متناقضة بالاطلاق في أسلوب "متناغم" للغاىة".

استخدم ألتوسر هذا النص بالذات في "التناقض والإفراط في تقرير" “Contradiction and Over-determination من أجل التماس تفسير للديالكتيكية الماركسية التي سلطت الضوء على التعقيد الكامن للممارسة التاريخية, وعدم قابليتها للاختزال لأي جوهر بسيط, وحتى الاقتصادي.
L. Althusser,
For Marx
Chapter 3
https://www.amazon.com/Marx-Radical-Thinkers-Louis-
Althusser/dp/184467052X

يتبع