مازوخية-سادية وعدم دستورية -العملية السياسية- في العراق!


طلال الربيعي
الحوار المتمدن - العدد: 6219 - 2019 / 5 / 3 - 21:53
المحور: التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية     

كتب الاستاذ العزيز دكتور كاظم حبيب المحترم مقالة بعنوان
"خلوة مع النفس بصوت مسموع: الرأي والرأي الآخر"
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=635899

وهذا هو تعقيبي على المقالة القيمة, وخصوصا الفقرة التي انقلها بالكامل هنا لخصوصيتها المتميزة:
"كانت النظم الداخلية للأحزاب الشيوعية واليسارية عموماً في الدول الأخرى، التي كانت تعيش ذات الأوضاع اللاديمقراطية المماثلة لأوضاع العراق، متشابهة من حيث الجوهر في جميع الدول التي كانت ترفض سلطاتها منح هذه الأحزاب إجازة العمل العلني، والكثير منها لا يزال يمارس ذلك. وبالتالي كان المتابع يقرأ مواداً تنظيمية تفرض قواعد معينة على أعضائها تتعارض من حيث المبدأ مع مبادئ الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، والتي يمكن أن نجدها في كراس فهد حزب شيوعي لا اشتراكية ديمقراطية أو في مقدمة حسين محمد الشبيبي للكراس في تبرير تلك القواعد وتتجلى في النظام الداخلي للحزب الشيوعي العراقي. فعلي سبيل المثال لا الحصر تتعارض مع الحق في إبداء الرأي المخالف لرأي الحزب علناً ونشره في الصحافة العلنية، وليس بالضرورة في صحافة الحزب المعني. وكان الأعضاء يقبلون بذلك بسبب غياب الديمقراطية كلية في البلاد، وبسبب الخشية من تفشي اسرار هذا الحزب أو ذاك وما يمكن أن ينشأ عنها من عواقب سلبية. من بين تلك القواعد سبل تطبيق المركزية الديمقراطية، أو الالتزام بعدم إبداء الرأي المخالف لرأي الحزب علناً بل يمكن مناقشته داخل تنظيمات الحزب حصراً أو نشره في إعلام الحزب، أو قاعدة "نفذ ثم ناقش" التي كانت سائدة عملياً! وكان من يخرق هذه القواعد الكثيرة جداً يحاسب ويعاقب على وفق القواعد المنصوص عليها في النظام الداخلي وهي: "التنبيه، الانذار، التنحية من اللجان أو المسؤولية، وفصل العضو من الحزب أو انهاء الترشيح للحزب." (أنظر: النظام الداخلي للحزب الشيوعي العراقي الذي أقر في مؤتمره العاشر عام 2016).
----------
فكما ذكرت المقالة بحق ان نصوص النظام الداخلي للحزب الشيوعي العراقي وعقوباته الجائرة بحق من يجاهر علنا برأيه المخالف لسياسة الحزب هو امر مناقض للدستور العراقي وشريعة حقوق الانسان التي وقع عليها العراق ايضا. ولربما نفس الكلام ينطبق, بما يزيد او يقل, على احزاب او قوى اخرى في العملية السياسية.

لذا هنالك اسألة محيرة تحتاج الى اجابة قضائية-سياسية وعاجلة: كيف تم ترخيص هذه الاحزاب اذا كانت انظمتها الداخلية مخالفة للدستور وحقوق الانسان؟ الا يعني هذا الترخيص مخالفته للدستور وبالتالي عدم دستورية هذه الاحزاب وكذلك, كمحصلة, عدم دستورية العملية السياسية برمتها؟

كما ان عقوبات الحزب مثل "التنبيه" او "الانذار" او "الطرد" تجاه اعضاءه لأسباب سياسية تتعلق بالاختلاف في الرأي هي عقوبات جائرة, مستهجنة, وتحط بالتالي من قيمة الانسان ورفعته ولا يمكن قبولها بتاتا لأنها, ضمن امور اخرى, مناقضة لفلسفة الحداثة, وخصوصا الماركسية كأهم فلسفاتها.

وهذه العقوبات تدلل على سادية الحزب تجاه اعضاءه, والقبول بها هو مازوخية والتي تشكل وجه العملة الآخر للسادية. ونحن نعلم بما قاله المحلل النفسي الماركسي (اريك فروم ), ان المازوخية-سادية تشكل آليات للهروب من الحرية وزرع بذور الفاشية.
Erich Fromm
Mechanisms of Escape from Freedom
https://www.panarchy.org/fromm/escapefreedom.html

طبعا كل هذه الاجراءات السادية-مازوخية يتم ممارستها بحجة الحرص على الحزب وحبا له. وهذا يعني ايضا تشييئ الحزب و احالته الى صنم او فتيش! والماركسية, كما نعلم, معادية لكل انواع الصنمية او الفتشية, او وكأن الحزب هنا هو جسم خارجي وليس مجموع اعضاءه, مما يسهم في اغتراب الاعضاء عن الحزب وشعورهم بالحيف ويقلل من قدرتهم او حماسهم في المشاركة في توجيه امور الحزب او الحركة السياسية عموما, وهذا سيكون ايضا وبالطبع اضعافا للحزب برمته ولعموم الحركة الديموقراطية وقواها.

يقول اريك فروم:
Frequently, and not only in the popular usage, sadomasochism is confounded with love. Masochistic phenomena, especially, are looked upon as expressions of love
"في كثير من الأحيان, وليس فقط في المجال الشعبي, يتم الخلط بين السادية-مازوخية والحب. الظواهر المازوخية, على وجه الخصوص، ينظر إليها على أنها تعبيرات عن الحب"
و يتسائل فروم
At this point a question will have arisen in the mind of many a reader: Is not sadism, as we have described it here, identical with the craving for power
"عند هذه النقطة, سيكون هناك سؤال في أذهان العديد من القراء: ألا تمثل السادية, كما وصفناها هنا, تطابقا مع الرغبة في التسلط؟"

وقد تكون سادية الحزب, او بالأحرى سادية قيادته, مع اعضائه, ليست فقط نزوعا الى التسلط, وانما ايضا تعبيرا عن شعور بالضعة او النقص الذي اكتسبته القيادة تاريخيا, في دواخل انفسها, بسبب القمع او الاضطهاد الداخلي من قبل الحكومات العراقية المتعاقبة تجاه الحزب, وكذلك بسبب المعاملة السيئة, نسبيا, للحزب الشيوعي العراقي من قبل الاتحاد السوفيتي السابق والدول التابعة ووقوفها الى جانب عبد الكريم قاسم وسلطة البعث بعد انقلاب 1968 مما سبب مشاعرا بالمرارة والغضب داخل قيادة الحزب حيث تحولت عبر السنين الى مشاعر بالضعة والذل التي تعبر عن نفسها كسادية مع الاعضاء. والسادية هي دوما, ونحن لا نمل من التكرار, وجه العملة الآخر للمازوخية, فليس هنالك سادية بدون مازوخية والعكس صحيح ايضا. ولربما تفاقمت مشاعر الضعة هذه بأنهيار الاتحاد السوفيتي والدول التابعة!

ومازوخية القيادة هي ما تميزت, وتتميز, به سلوكيات (قيادة) الحزب تجاه القوى المتنفذة الاخرى من تذلل واستصغار للنفس, كما انعكس في سياساته تجاه عبد الكريم قاسم وحزب البعث-صدام حسين, من قبل, وحاليا تجاه قوى دينية واقطاعية شوفينية في العملية السياسية. والامثلة متوفرة وكثيرة لمن يريد التأكد بنفسه. طبعا كل هذه السلوكيات يتم تمريرها بمبررات مثل "المصلحة العليا للشعب والوطن" (كذا!). وهذه التبريرات هي تعبير عن ما نسميه "العقلنة" كآلية دفاعية في الطب النفسي التي تنطوي على تشويه إدراكي "للحقائق" لجعل الحدث أو الدافع أقل تهديدًا وكنوع من الاعذار للتبرير. وهذه الاعذار, من خلال آلية دفاعية اخرى تسمى "تشكيل التفاعل", تجعل الحزب راضيا عن نفسه مع ابقاء جهله للدوافع (النفسية) الحقيقية. وهذا يتزامن غالبا مع استخدام الإنكار, كآلية دفاعية اضافية, والتي تنطوي على رفض قبول الواقع, وبالتالي منع الأحداث الخارجية من التأثير على الوعي وتحول دون التعلم من دروس الماضي. وتصبح بذلك الماركسية فلسفة الجماد والموت (الفتيش دوما جامد لا يتغير), وليست فلسفة التغيير والحياة.
وللمزيد حول الآليات الدفاعية المشار اليها اعلاه, يمكن مراجعة
Defense Mechanisms
https://www.simplypsychology.org/defense-mechanisms.html

ان مخالفة الانظمة الداخلية للدستور وشرائع حقوق الانسان تستدعي ولا بد فتح تحقيق قضائي عاجل من قبل هيئة قضائية محايدة من قضاة عراقيين, وحتى لربما قضاة دوليين, للتحقيق في الانظمة الداخلية لهذه الاحزاب او القوى والطلب منها قانونيا بتغيير انظمتها الداخلية كي تتفق مع الدستور العراقي وشرائع حقوق الانسان.

وفي حالة امتناع هذه الاحزاب او القوى عن تنفيذ امر القضاء, ضمن فترة زمنية محددة, ينبغي حظر عمل هذه الاحزاب لحين تنفيذها امر القضاء بتغيير انظمتها الداخلية والتخلي عن سلوكياتها الشمولية والقمعية لكي تتلائم مع ما نص عليه الدستورالعراقي ولائحة حقوق الانسان النافذة المفعول في العراق بحكم توقيعه عليها.

كما اننا نعلم ان هنالك منظمات عالمية تدافع عن حقوق الانسان مثل منظمة العفو الدولية, وهذه تستطيع ايضا اثارة القضية مع محكمة العدل الدولية التي تحقق في قضايا انتهاك حقوق الانسان وقمعه.

كما ان انتهاك حقوق الانسان في العراق من قبل اي طرف كان في العملية السياسية سيضع العراق اكثر واكثر في موقع الدول اللاديموقراطية بتصنيف بيت الحرية
Freedom House
https://freedomhouse.org/
او منظمة حقوق الانسان التابعة للامم المتحدة, مما قد يترتب عليه فرض عقوبات ضد الدولة العراقية وتعاملاتها الاقتصادية والدبلوماسية مع دول العالم, والاضرار بمصالح الشعب العراقي. لذا يمكن ان يكون للقضية ابعاد اقتصادية, سياسية, دبلوماسية, وقانونية وخيمة لا يمكن التكهن بها كاملةً.

ولكن ما يمكن قوله بالتأكيد ان ترخيص السلطة العراقية لأحزاب ذات انظمة داخلية مخالفة للدستور وللائحة حقوق الانسان يعني, كما اشرت اليه اعلاه, وكمحصلة ولا بد, ان العملية نفسها عملية باطلة وغير دستورية.