التدين في العراق واصنافه


قاسم حسين صالح
الحوار المتمدن - العدد: 6202 - 2019 / 4 / 16 - 11:42
المحور: المجتمع المدني     

سيكولجيا التديّن في العراق وأصنافه
أ.د.قاسم حسين صالح
مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية
أمين عام تجمع عقول

من عادتي أنني استطلع رأي العراقيين في الظواهر السياسية والأجتماعية والدينية.ولأن الحديث عن الدين والتدين قد كثر في العراق بعد (2003)،فاننا توجهنا عبر مواقع التواصل الأجتماعي بهذا النص:

( المتدينون ثلاثة أصناف:
• صنف يؤدي العبادات ويتجنب الزنا والخمر والقمار والمحرمّات..هدفه الفوز بالجنة.
• وصنف يزيد عليها بانشغاله بهموم الناس..يساعد المحتاج، ولديه نزعة انسانية.
• وصنف يدعو الناس الى التمسك بالدين،لكنه يمارس ويشرعن اعمالا تتنافى وقيم دينه.
أي صنف منها ترى هو الشائع الآن في العراق؟)

بلغ عدد المشاركين (2737) وعدد التعليقات (317) شارك فيها أكاديميون ومثقفون واعلاميون من الجنسين،وكانت النتائج على النحو الآتي:
• احتل الصنف الثالث المرتبة الأولى بنسبة 63%،تلاه الصنف الأول بنسبة 21%،يليهما الصنف الثاني بنسبة 11%،فيما كانت اجابات 5% عامة لا تمثل موقفا محددا.

تحليل الأجابات:
ترى غالبية المستجيبين ان صنف (التظاهر بالدين الذي يدعو الى التمسك به ويمارس ويشرعن اعمالا تتنافى وقيم دينه) هو الشائع بين العراقيين الآن،ويعزون الأسباب الى:
- طبيعة الحكم الحالي
- لأن السياسيين يتخذون من الدين وسيلة ليس فقط لكي يعيشوا هنيئا بل بجشع على حساب حياة الاخرين ولا يهمهم ان مات الناس بسبب شراهتهم.
- الناس ثلاثة..عالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع يميلون مع كل ريح. والصنف الثالث هو الاكثر انتشار بمجتمعنا مع الاسف.
- الاصناف الثلاثة موجودة بمجتمعنا لكن المسؤولين هم الذين اشاعوا الصنف الاخير.
- الصنف الثالث،اهل النصب والاحتيال وقتل الاخرين وتجهيل الناس وافقارهم.
- الثالث..كانوا بالامس تجّار مخدرات ويجيزون العهر بدعوى المتعة واليوم معممون واصحاب لحى يحرمّون الخمر ويشجعون على الاغتيالات ولديهم عمامة الحصانة من اعتقالهم.
- كل الاصناف موجودة ،بس الثالث اعتنق السياسة وصار هو السائد.
- الثالث..انتهازيو السلطة وعبدة الدولار..وصوليون منتفعون يجدونها فرصتهم فيستغلونها.
- الصنف الثالث طبعا ونسبتهم كبيرة يليه الصنف الأول واكثرهم جماعة الأغلبية الصامتة،والصنف الثاني قليل جدا ولكنه بدأ يتنامى بفعل انتشار الوعي المجتمعي رغم محدوديته.
- العبادات ثلاثة انوا..قوم يعبدون الله رهبة وتلك عبادة العبيد،وقوم يعبدونه رغبة وتلك عبادة التجار،وقوم يعبدونه شكرا وهذه عبادة الاحرار وهي افضل العبادات. اما من يتلبس اللحى ويتمظهر بلباس الدين والتقوى وهو يكذب ويسرق فهذا منافق ودجال كبير.

ومن الاجابات التي فيها طرافة او سخرية :
- هناك صنف رابع لا يؤذي ولا يزيد في العبادات وفعل الخير ولا يتظاهر بالدين..هذا الصنف يخلق لنفسه عالما فردوسيا، يعيش فيه وهو يحلم، ولا يستفيق من حلمه الا في نزعات الموت.
- شيوع الصنف الثالث جعلنا لا نميز بين الناس الى اي صنف ينتمون.
- في النجف وجدت الصنف الاول بكثرة وفي بغداد وجدت الصنف الثالث يكتسح الساحة.
وجاءت خمس اجابات لها موقف مختلف تمثلها العبارة الاتية:
- الاغلب هم الصنفان الاول و الثاني،واما الهجمة الموجودة كأنما الصنف الثالث هو الشائع فهي عملية مصطنعة وراءها أيدي خفية،من اجل تسقيط القدوة وهم مراجع الدين.
استنتاجات
تشير الدراسات السيكولوجية الى ان الناس يكونون متدينيين لأسباب متعددة،وتصنف الشائع منها على النحو الآتي:
1.التدين الغرضي.ويعني التوجه نحو الدين بوصفه وسيلة للحصول على اشياء ذات قيمة،كالذهاب لأماكن العبادة لتكوين صداقات تفيد في أوقات الازمات،وقد يحقق مكانة اجتماعية أو اعتبارية أو وظيفية.

2. التدين الباحث عن الحقيقة.ويعني التوجه نحو الدين بوصفه سفر دائم من أجل فهم القضايا الاخلاقية والروحية المعقدة.
3.التدين الحقيقي.ويعني ان يعيش الانسان دينه ويستدخل تعاليمه،لا طامعا بهدف ولا باحثا عن حقيقة..بل مستمتعا بدينه الذي سلم نفسه له طوعا.
ذلك ما توصلت له الدراسات،فيما نرى أن الدين في جوهره هو رسالة انسانية تدعو الى تحقيق العدالة الاجتماعية واشاعة القيم النبيلة والأخلاق الراقية،ولا يحصر مهمته في اداء العبادات وتجنب ما يحدده من محرّمات.ما يعني ان الذي يقضي حياته في الصلاة والصوم والتقرّب الى الله بهدف الفوز بالجنة هو ليس بمنزلة من يؤدي هذه العبادات ويعمل على تحقيق جوهر الرسالة الانسانية للدين..بل الفرق بينهما كبير عند ربّه وبين الناس.
وما حصل في العراق بعد( 2003)ان هذه الأصناف من التدين تراجعت ليتصدرها صنف يتظاهر بالدين ويعمل بالضد من قيمه وأخلاقه.ويعود السبب الرئيس في اشاعته الى حزب الدعوة بوصفه المسؤول عن الحكومة،وباعتراف أمينه ورئيس وزراء العراق لثمان سنوات بان لديه (ملفات للفساد لو كشفها لأنقلب عاليها سافلها) التي وصفها العراقيون بأنه عمد لحماية فاسدي حزبه ان كشف فاسدي الحزب الاسلامي..وتلك جريمة بالمفهوم القانوني وخيانة أمانة بالمفهوم الديني.يضاف لذلك اعتراف المرجعية الدينية بوجود (حيتان فساد) وشكواها من (بح صوتها) ما يعني عجزها عن اتخاذ موقف حازم ضد الفاسدين الذين يتظاهرون بالدين.فضلا عن تبادل اتهامات عبر الفضائيات بين معممين يتهم كل منهم الآخر بالفساد.وبافتقاد الناس أنموذج القدوة صار الموظف البسيط يردّ على ضميره: «إذا كان قدوتي يرتكب هذا الفعل،فأنا لست بأحسن منه،وإذا كان حراما فلأضرب ضربتي...ثم اذهب إلى الحج واستغفر ربي..والله غفور رحيم"!..

وفي استطلاع آخر ذي صلة..يكشف عن ما احدثه هذا الصنف من المتدينين بردة فعل ضد الدين بين العراقيين تضمن الآتي:
(وفقا لدراسة بعنوان( Death of God in Iraq) للمؤرخ والباحث الأمريكي في القضايا المعاصرة بتاريخ الشرق الأوسط ،جون ريكاردو كول فان( 32% ) من الشعب العراقي "لم يعد يؤمن بوجود الله" )
• رأيك في نسبة 32%؟
توزعت الاجابات بين (مبالغ فيها، وواقعية)..واتفق المستجيبون على ان الشباب بشكل خاص توجهوا نحو الألحاد واللاتديّن،عازين السبب الى استفراد احزاب الاسلام السياسي بالثروة،واتهام قادتها بسرقة مليارات الدنانير فيما هم يعانون البطالة وتوالي الخيبات طوال خمس عشرة سنة،اوصلتهم الى حالة العجز من تغيير الحال،وان رجال الدين من السياسيين الذين كانوا فقراء واصبحوا اثرياء هم الذين اوصلوهم الى (أن يكفروا بالدين والدولة )بتعبير احدهم.
ومشكلة هذا الصنف الذي يتظاهر بالدين ويعمل بالضد من قيمه،انه يكون براغماتيا نفعيا خالصا..يستخدم الدين وسيلة لتحقيق مصالح وامتيازات دنيوية،ولا يدرك حقيقة سيكوالوجية خطيرة هي انه يتحول في النهاية الى متطرف يبيح لنفسه حق استغلال الآخر ويشرعن تبريرا او فتوى تبيح له قتله..وهذا ما حصل ويحصل في العراق.
ان افجع الكوارث الأخلاقية هي وجود قيادات دينية في الدولة تستغل الدين لتحقيق مصالح شخصية وامتيازات هي بالضد من قيم دينه،لاسيما في المجتمعات المتخلفة بوعيها الثقافي والمجتمعي..وان السبيل الوحيد لأعادة القدسية للدين واحياء قيمه الاخلاقية هو بفصل الدين عن الدولة..,وبدونه يبقى المتظاهرون بالدين في مؤسسات الدولة بالعراق يزدادون ثراءا،والعراقيون يزدادون فقرا وعجزا في اصلاح الحال..ولك في التظاهرات التي بدأت في شباط 2011 وامتدت اكثر من مئتي جمعه دليل قاطع،فيما استطاع الجزائريون تغير حالهم بسبع (جمعات)!.
نيسان 2019
*