استذكار لمعركة قاسية انتصر فيها الحب


قاسم حسين صالح
الحوار المتمدن - العدد: 7790 - 2023 / 11 / 9 - 21:06
المحور: المجتمع المدني     

استذكار لمعركة قاسية انتصر فيهاالحب!
د. قاسم حسين صالح

بمثل هذه الأيام من هذا الشهر وتحديدا في 3 /11/2020 ، تسلل لي كوفيد بقناع الأنفلونزا، تناولت مضاداتها فتحسنت ليومين،وعادت وتأكدت اصابتي وتم الحجز لي في 13/11 بمستشفى هولير نشنال..بجناح كورونا ،ليلته الواحدة بـ 1300 دولارا.
في المساء جاء طبيبي الدكتور علي البرزنجي ، فقال لي بلهجة بغدادية (هو كوردي): " الدنيا مكلوبه عليك،وزير صحة بغداد اتصل بوزير صحة اربيل واتصلوا بالمستشفى، و وزير التعليم العالي...وأبنك الدكتور مظفر. اطمئن دكتور قاسم..سأعمل المستحيل".


لبست كمامة الأوكسجين في اول ليلة بالمستشفى (13/11) وكنت هادءا والأوكجسين بين نازل 85 وصاعد 90.وتصورت ان كوفيد يقول لي:
- آني مو نذل حتى اغدر بيك..خذ راحتك ،بس ما راح أعوفك.
-
بدأ جسمي يتلقى مصائل الأبر..كانت اكثر من مئة ابرة امريكية والمانية وفرنسية. واشتدت معركتي مع كوفيد في الليلة الثانية . وتصورت أن كوفيد صعّد المعركة بعد أن عرف بالدكتور علي البرزنجي قائلا لي متوعدا:
- تستعين بصديق دكتور قاسم!..آني لك.

كنت في المعركة مع كوفيد مثل محمد علي كلاي، لا املك سوى..المراوغة!..وكيف اتوقى لكماته دون أن الكمه. وبها كانت كثير من لكماته تأتي طائشة ،وأخرى قاسية لاسيما تلك التي تأتي في الرأس، تغيبني..أفقد وعيي..وحين استفيق أرى زوجتي تمسكني بيدين مرتجفتين والدموع على الخدين،وممرضتين احداهما تمسك بكمامة الأوكسجين.

كنت فعلا اعيش المعركة لا وهما،خلقتها بخيالي او خلقها لاوعيي بخياله، لدرجة انني ارى الجمهور يصفق لي ويضحك حين اخدع كوفيد فتأتي لكمته طائشة!. وبقيت على هذا الحال ثلاثة ايام وكمامة الأوكسجين لا تفارقني الا حين اتناول الطعام والشراب. بعدها،لاحت علامات الأنتصار لي ولكن في معركة مستمرة ،كان فيها كوفيد ينسحب مراقبا فيباغتني أحيانا بضربة اسمع لحظتها صوت زوجتي:( دخيل علي..وينك ست ..صيحي الطبيب الدكتور انغمى عليه).

في اليوم الرابع جاء طبيبي الدكتور علي البرزنجي..وبعد قراءته البيانات اليومية لحالتي ،ورؤيته الأوكجسين بالتسعين دون كمامة،قال:
- الآن عبرنا للسبعين بالمية،بس مو معناها انتهت ،كوفيد ماكر وحقير..غدا اذا عبرنا للثمانين نقول هانت، وانشاء الله نعبر.

وجاء الغد،وجاء دكتورعلي..وبعينين مبتسمتين،قال: اشلونك يابطل. تفحص كل شيء فقال بصوت كله فرح:
- هسه تمام ..عبرنه الخمسة وثمانين وعليك ان تعرف من كتلك بطل كنت اعنيها لأن قوة مناعتك هي السبب، فقلت متمنيا:هل نعلن الأنتصار؟ فأجاب :أعلنه..واضاف مازحا..راح اتصل بدكتور مظفر ليعلنه!

كانت معركة قاسية جدا، فاكثر من ثلاثة ماتوا في جناحي مرّت جثامينهم من أمامي..وكنت انا والموت مثل رياضي على حبل مهتز وتحته هوة عميقة قد اقع فيها في أية لحظة. نعم كنت خائفا منه قدر تعلق الأمر بغريزة البقاء عند الأنسان ، لكنني ما كنت مرعوبا ، لأنني كنت قبلها كتبت في الصحف ثلاثة مقالات عن هذا الوباء الذي باغت العالم ، جاء في احدها ان وصول خوف المصاب بكورونا الى حالة الرعب يضعف مناعته السيكولوجية وتؤثر سلبا في مناعته البيولوجية.

واكتشفت ان عدم خوفي من الموت يعود الى ما قدمته في حياتي للوطن والناس والعلم والثقافة على مدى نصف قرن..وهذا هو سبب عدم خوف العلماء والمفكرين من الموت ، لأنهم يعرفون انهم باقون بين الناس وان رحلوا!.
شكرت عشرات الآلاف من ألأحبة والأصدقاء ومسؤولين سياسيين كبار يتقدمهم رئيسا حكومتي بغداد واربيل ، وجهات اعلامية تصدرتها فضائية الشرقية التي بثت مانشيتا:
-(الأوساط العلمية والأكاديمية تتابع باهتمام بالغ رئيس الجمعية النفسية العراقية قاسم حسين صالح الذي اصيب بفيروس كورونا ويرقد حاليا بمستشفى في اربيل)، وجريدة الزمان التي تابعت حالتي بمعادل صوري.
شكر خاص لزوجتي التي كانت محاربا شجاعا في ساحة معركتي مع كوفيد..ورفضت امر رئيس المستشفى بمغادرة غرفتي،واجابته: ( لا اتعب نفسك دكتور..لو انعيش سوا لو نموت سوا)..ونامت معي بغرفتي على كرويته..عشرة أيام!..كانت ايامها كثير من الزوجات هجرن ازواجهن وذهبنّ لأهلهن ّلأنهم أصيبوا بكورونا..وما كنّ يعرفنّ ولا كان الذين هجروا زوجاتهم ايضا يعرفون..أن الحب يهزم اقوى الأعداء!.
سلامتكم
*