درس نيوزيلندا وأمية العرب


عدنان الصباح
الحوار المتمدن - العدد: 6186 - 2019 / 3 / 29 - 15:31
المحور: المجتمع المدني     

التوت أعناقنا قسرا ونحن نرى ونسمع ما جرى في نيوزيلندا على اثر مجزرة المسجدين هناك واستدارت اعناق العرب جميعا الى ولينغتون ليس وجعا على المصلين الابرياء بل دهشة مما لا نعرف له معنى عن التنوع واحترام الآخر حد القبول المؤمن بحقه في الحياة والوجود كحق الأنا وكضرورة لحياة هذه الأنا.
لم يكن الدرس الذي قدمه النيوزلنيدون موجه لنا لنقرأه فهم كتبوا درسهم الطبيعي كما ينبغي له ان يكتب وكل ما في الامر ان أميتنا لم تحتمل قراءة هذا الدرس ببساطة لاننا نجهل الآخر ونرفضه ولاننا مصابين بعمى الالوان فلا نرى ولا نريد ان نرى الا لوننا باعتبار انه اللون الوحيد المسموح له بالحياة ودرسنا باعتبار أنه الدرس الوحيد المطلق الصحة والصواب وما عدانا كفر وكذب لا يستحق الحياة.
لم تنتصر نيوزيلندا أبدا للاسلام والمسلمين بل انتصرت لانسانية الانسان ولحقه بالاعتقاد والتفكير كاساس لحقه بالحياة, انتصرت نيوزيلندا لذاتها خوفا على ذاتها من الوقوع في مستنقع اللون الواحد, انتصرت نيوزيلندا لتنوعها هي ولحياتها هي ولاساس تقدمها وقدرتها على الحياة وهوالتنوع كاساس لتطور الفعل والفكر معا وهو ما دفع برئيسة وزراء نيوزيلندا ومعها نساء نيوزيلندا والعاملات في اجهزة الدولة الرسمية كالشرطة لارتداء الحجاب علنا وعلى رؤوس الأشهاد دون خوف أو خشية, ولعصابات نيوزيلندا لحماية المساجد ولسجناء نيوزيلندا لضرب المجرم في سجنه ولاذاعة وتلفزيون نيوزيلندا لبث الأذان وقراءة القرآن الكريم حدادا على ارواح الضحايا الابرياء هناك وهي – أي نيوزيلندا – لم تكن ابدا تدافع عن اسلام العرب ولم تكن ابدا معنية براينا او موقفنا او ما سنفعل فقد كانت ببساطة تدافع عن نيوزيلندا نفسها بكل الوان طيفه.
الاسلام الذي لبست من اجله ئيسة وزراء نيوزيلندا الحجاب كان مواطنين نيوزلنديين والمجرم كان وسيبقى مجننا ومنبوذا في عيون كل النوزلنديين وايضا دفاعا عن تنوعهم وعن لون من الوان بلدهم وثقلفتهم وايمانهم ككل واحد موحد بكل الوان طيفه اسمه نيوزيلندا.
نيوزيلندا الدرس الاكثر وعيا لبلد حر وحي هو الدرس النقيض لأميتنا في قبول الآخر والتنوع فلقد قتلنا كل أخر في حياتنا فرضنا اية قومية غير قوميتنا قتلنا الكرد واخضعنا البربر والامازيق حد الغاء وجودهم ولمنحترم الارمن لا تنوعا ولا قضية وذبحنا اليزيديين ولم نترك للنوبيين في مصر والسودان اية هوية ورفضنا المسيحي لمسيحيته بل وحاولنا حرمانه من ارضه الاصيلة في تاريخه فانتشرت ظاهرة الهجرة الى الغرب بينهم هربا من بطشنا ورفض السني الشيعي والعلوي الدرزي وغيرهم ولم نستطع ان نكون شيئا فنحن لسنا مسلمين لنقبل المسلم الآخر ولسنا عرب لنقبل العربي الآخر ويبدو اننا حتى لا نريد ان نقبل الانسان الآخر فنضع رؤوسنا في الرمل مدعين اننا افضل الامم مستندين الى الآية الكريمة " وكنتم خير أمة اخرجت للناس " نفسرها كما نريد فتارة نعتبرها امة العرب وتارة امة الاسلام ولا نحن اقمنا امة للعرب ولا امة للاسلام ولا نحن فهمنا ان خير الامم من يحترم الامم ولكي تكون خيرا من الآخرين لا بد للآخرين ان يكونوا ولا بد لك ان تواصل ابدا في فعل ما يثبت انك تستحق اللقب فالاسماء التي يسمي الناس بها بنائهم عند الولادة لا تثبت صحة معانيها الا مع الزمن ولا يكفي لان تحمل اسم بطل لكي تكون البل بل انت بحاجة لفعل البطل لكي تكون كذلك وتبقى كذلك.
أمة العرب المنفوخة كذبا والتي تكفر من يترحم على جاره المسيحي او يشاركه فرحه لم تستطع ان تمنع عصابات المستوطنين من سرقة فلسطين ولم تستطع حتى ان تخرس صوت ترامب أو تكفره وهو يعلن القدس عاصمة لليهود ولا وهو يسرق أرض الجولان السورية ليمنحها لدولة الاحتلال وكيف كنا سنفعل ذلك ونحن من تآمر مع امريكا على ايران من خلال العراق وعلى العراق من خلالنا كلنا وعلى سوريا واليمن وليبيا من خلال السعودية وعشيرتها, كيف كنا سنحمي ارضنا ونحن من يتقن فن منح ذاته وارضه لغيره,كيف كنا سنحمي بعض ترابنا ونحن امة لا تخجل من الانحناء للغير ليركبها علنا ونحن نكفر العربي الآخر لاختلافه معنا ونعلن عن ترامب مبعوثا الهيا لنصرة الاسلام والمسلمين ونسمح له بنعتنا علنا باسفل الصفات ثم نصفق له بكل وقاحة.
الأمة التي حطمت فسيفسائها الجميل بايديها دفنت معه كل قدرة على الابداع والفعل الحي لصناعة الغد والمسير بحضارة البر الى الامام فالامم التي توصد ابوبها على لون واحد و" تنقي " نفسها زورا من كل الوان طيفها مبقية على لون واحد انما هي امة قررت الانتحار ودفن نفسها في الارض فانت لا يمكنك ان تكن حيا حين تسح لنفسك بقتل كل آخر وهذا الآخر ضروري لك لتثبت ذاتك امامه او معه والتخلص من اخر بقتله او بطرده أو بالغاء وجوده جسدا وروحا وفكر لا يعني ابدا انك انتصرت بل يعني حقيقة انك توقفت بنفسك عن الحياة حين تخلصت من الآخر القادر على تحفيزك على الفعل والعطاء لتثبت تفوق ليس ضده وانما معه فمن يقبل بزاوية واحدة للرؤيا وبلون واحد للكون وبرآة تقف جنبه لا بمواجهته لا يمكن له يوما ان يعرف الحياة ولا الطور وسيبقى شاء ام ابى مطية لسائر الاحياء يستحمروه متى شاءوا ويمطونه للاهداف التي يريدن دون ان يستطيع الاحتجاج حتى وان فعل فسيقف احتجاجه عند اللفظ المكبوت حتى لا يغضب منه سيده.