تصاعد فاشية-عنصرية رأسمالية عصرنا!


طلال الربيعي
الحوار المتمدن - العدد: 6177 - 2019 / 3 / 19 - 01:12
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

ارتفع عدد القتلى لهجوم يوم الجمعة الماضي الفاشي الإرهابي على مسجدين في كرايستشيرش, نيوزيلندا إلى 50 قتيلا خلال عطلة نهاية الأسبوع. أصغر شخص قتل كان صبيا في الثالثة من عمره وبقي 34 شخصا في المستشفى يوم الأحد, منهم 12 في حالة حرجة, بمن فيهم فتاة في الرابعة من عمرها مصابة بجروح خطيرة.

وقد اصاب الهلع الناس في جميع أنحاء العالم بسب المذبحة العنصرية الوحشية التي استهدفت المسلمين العزل من الرجال والنساء والأطفال أثناء الصلاة. عشرات الآلاف من الناس انضم الى وقفات احتجاجية دوليا خلال عطلة نهاية الأسبوع لإظهار التضامن مع الضحايا وأسرهم والدفاع عن المسلمين المهاجرين واللاجئين.

تقول شرطة نيوزيلندا ان الاسترالي المولد البالغ من العمر 28 عاما "برنتون تيرانت" كان المسلح الوحيد ولم يتلقِ أية مساعدة من الآخرين. لقد ظهر في المحكمة مواجها تهم القتل. وتدعي السلطات في كل من نيوزيلندا وأستراليا أنه لم يكن في أي وقت من الأوقات موضع رقابة أجهزة الاستخبارات أو الشرطة, وبالتالي لم يكن تحت أي شكل من أشكال الرصد.

وهذه المحاولة لتصوير "تيرانت" بأنه "ذئب وحيد" مضطرب, وخاصة الادعاء بأنه "خارج نطاق رادار المراقبة", هو ببساط زعم غير موثوق. ويوضح بيان تارانت المؤلف من 74 صفحة أنه أعد ونفذ الفظائع الإرهابية باسم شبكة دولية من الفاشيين والعنصريين البيض, الذين تعاون هو معهم علنا لعدة سنوات.

بيان " تيرانت" يبدو انه صنو لكتاب "كفاحي" العنصري لهتلر, فهو يجمع بين الدعوة إلى عنف الإبادة الجماعية والحرب الأهلية ضد "غزاة أوروبا والولايات المتحدة وأستراليا ونيوزيلندا", بما في ذلك جميع الناس من المسلمين واليهود والأفريقيين والآسيوييين او الذين من خلفيات غجرية, مقرنا بيانه بهوس شديد من العداء للاشتراكية. والبيان مشبّع بتعابير "الدم والتربة" العنصرية البيضاء والقومية المتطرفة التي أحيت النازية وغيرها من الحركات الفاشية في العشرينات والثلاثينات.

كتب " تيرانت" بأنه " تبرع للعديد من المجموعات القومية و ... تفاعل مع أكثر من ذلك بكثير. "منذ عام 2012 زار بلغاريا, المجر, صربيا, كرواتيا, البوسنة, فرنسا, المملكة المتحدة, اسبانيا, تركيا, باكستان و حتى كوريا الشمالية , وذلك قبل العودة إلى أستراليا والسفر إلى نيوزيلندا."

ويدعي "تيرانت" أنه قرر اللجوء إلى استخدام الإرهاب خلال شهرين من جولته في أوروبا في عام 2017 وبعد هزيمة الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة في الانتخابات الفرنسية. تيرانت اتصل بما يسمى "فرسان الهيكل", وهي منظمة يزعم أنها مرتبطة بالنرويجي الفاشي القاتل الجماعي أندرس بريفيك
Brenton Tarrant, Anders Breivik & Reborn Knights Templar
https://heavy.com/news/2019/03/brenton-tarrant-anders-breivik-knights-templar/

ويؤكد " تيرانت" أنه حظى بمباركة "فرسان الهيكل" في هجوم كرايستشيرش. وكان "تارانت" نشطا في وسائل التواصل الاجتماعي اليمينية المتطرفة والمدونات وانضم لنادي الأسلحة النارية بعد وصوله لنيوزيلندا بوقت قصير. وأعلن أنه اختار نيوزيلندا كبلد لتنظيم هجومه من أجل إثبات أن "لا مكان في العالم آمن" لغير البيض.” وهو يصف نفسه بكونه رجل اوربي وبجذور اوربية وانه يهدف الى حماية الهوية الاوربية! وهو يعتقد ان تناقص معدل ولادات الاوربيين, مقابل تصاعد ولادات غير الاوربيين, سيؤدي الى انقراض الاوربيين!
Inside Brenton Tarrant s manifesto
https://www.youtube.com/watch?v=t_FSZYTGyBE
(كانت فرسان الهيكل منظمة كبيرة من المسيحيين الملتزمين خلال حقبة القرون الوسطى الذين نفذوا مهمة هامة: حماية المسافرين الأوروبيين خلال زيارتهم الأراضي المقدسة في حين انها أيضا قامت بتنفيذ عمليات عسكرية. فرسان الهيكل منظمة ثرية قوية ويلفها الغموض وقد فتنت المؤرخين والعامة لعدة قرون, وخصوصا الفطنة المالية للمنظمة، ومهاراتها العسكرية وعملهما باسم المسيحية خلال الحروب الصليبية التي لا تزال تتردد اصداءها في جميع جوانب الثقافة الحديثة).
Knights Templar
https://www.history.com/topics/middle-ages/the-knights-templar

يتباهى تيرانت في بيانه بأن الجماعات الفاشية عالميا مندمجة بعمق في اجهزة الدولة وفي الجيش والشرطة. وكتب: "العدد الإجمالي للأشخاص في هذه المنظمات هو في الملايين ... ولكن اكثرهم يشغلون مواقعا في الخدمات العسكرية والاجهزة التنفيذية." ويضيف "لا غرابة في أن يسعى القوميون والقوميون-الإثنيون إلى الحصول على عمل في مجالات تخدم دولهم ومجتمعهم. وقدّر تارانت أن" مئات الآلاف "من الجنود والشرطة الأوروبيين ينتمون إلى" المجموعات القومية.”

وعلى صعيد آخر, اثارت تصريحات رئيس البرلمان الاوربي من حزب فورتزا إيتاليا اليميني بقيادة رئيس وزراء ايطاليا الاسبق سيلفيو بيرلسكوني , أنطونيو تاجاني, ضجة كبيرة. فقد صرح تاجاني الآن بأن الفاشي بنيتو موسوليني قام "بأعمال إيجابية لايطاليا"! واضاف أنطونيو تاجاني قائلا في مقابلته خلال برنامج إذاعي شعبي مع اذاعة La Zanzara
"موسوليني, حتى أعلانه الحرب ضد العالم كله سوية مع هتلر, فعل أشياءَ إيجابية لتطوير البنى التحتية في بلدنا."

ومع ان تاجاني انكر الطبيعة العنصرية-فاشية لتصريحاته, فان انكاره يبدو خاليا من كل معنى. ففي اثناء الاتتخابات الإقليمية الإيطالية, كان تاجاني يشارك المنصة مع الحزب اليميني الشعبوي بقيادة وزير الداخلية ماتيو سالفيني, الذي وعد ناخبيه بترحيل نصف مليون مهاجر غير شرعي
How Matteo Salvini pulled Italy to the far right
The Lega’s populist radical-right message – including Salvini’s pledge to deport 500,000 “illegal immigrants”
https://www.theguardian.com/news/2018/aug/09/how-matteo-salvini-pulled-italy-to-the-far-right

وشارك تاجاني في اعتلاء المنصة الحزب الفاشي صراحة المسمى حزب "الإخوة من إيطاليا" بقيادة جورجيا ميلاني. والجدير بالذكر ان حفيدة موسوليني, اليساندرا, هي ايضا عضوة في حزب فورتزا إيتاليا. وفي تغريدة بالغة المعنى, رد لين بوسمان من الشين فين الايرلندية على تصريحات تاجاني بقوله أن موسوليني "قد يكون مسؤولا عن 430,000+ من جرائم القتل ولكن مهلا, تحقق في ما بناه من الطرق والجسور! وهذا هو رئيس برلمان الاتحاد الأوروبي.”
Uproar as EU Parliament president highlights ‘positives’ of Mussolin
https://www.irishtimes.com/news/world/europe/uproar-as-eu-parliament-president-highlights-positives-of-mussolini-1.3826050?mode=amp&fbclid=IwAR13d2bLR8jknW6b3NQsQWbZftjd-D7aVXRAWiXQgq2BS-TbU1zm6TjlRJg

وفي ألمانيا, تبنت حكومة ميركل الائتلافية سياسات البديل الفاشي لألمانيا (AfD), الذي يجلس على مقاعد المعارضة في البرلمان الألماني. وزير الداخلية (هورست سيهوفر) ايد مظاهرة النازيين الجدد في (شيمنيتز) في سبتمبر الماضي, قائلا أنه كان سيسير جنبا إلى جنب مع الفاشيين لو لم يكن وزيرا. كما دافع هانز-جورج ماسين, رئيس جهاز الخدمة السرية الألماني آنذاك, عن عصابة شيمنيتز وأنكر طابعها الصارخ المعادي للمهاجرين والفاشية.

وقد تم الكشف عن شبكة إرهابية سرية من الجناح اليميني داخل القوات المسلحة الألمانية, من مئات من الأعضاء. ولدى الشبكة, التي يتمتع أعضاؤها بحماية النظام القضائي, خطط مفصلة لقتل شخصيات بارزة في الحكومة ولمهاجمة المنظمات اليهودية والمسلمة.
A terrorist network inside the German Army
https://www.wsws.org/en/articles/2018/11/17/germ-n17.html

وفي الولايات المتحدة يسعى كل من الديمقراطيين والجمهوريين إلى تحويل المهاجرين الى كبش فداء للأزمة الاجتماعية فيها. فكلاهما يستخدم السياسة العرقية في محاولة لتقسيم الطبقة العاملة من خلال السعى مثلا , لبناء جدارعازل مع المكسيك.
المصالح الطبقية الكامنة خلف جدار ترامب
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=628741

وقد سعى الرئيس ترامب, الذي وصفه تيرانت بأنه "رمز للهوية البيضاء المتجددة", إلى تطمين قاعدته الفاشية. فقد أخبر ترامب الصحفيين بعد هجوم كرايستشورش أنه لا يعتبر "نزعة الهوية البيضاء" تهديدا. وقبل يومين من مجزرة نيوزيلندا, اطلق ترامب تهديدا واضحا بان أنصاره في الجيش والشرطة اقوياء وأنهم "أكثر صرامة" من "اليسار.” وجاء ذلك في أعقاب القبض في فبراير / شباط الفاشي على ضابط خفر وأحد مؤيدي ترامب, كريستوفر بول حسون, الذين خطط لقتل أبرز الافراد الأفريقييين-الأمريكيين واليهوديين من أعضاء منظمة الاشتراكيين الديمقراطيين في أمريكا (DSA).
Feds arrest fascist Coast Guard officer who plotted to kill socialists and Democrats
https://www.wsws.org/en/articles/2019/02/21/hass-f21.html

وفي الأسابيع التي سبقت الهجوم على كرايستتشرش, شن ترامب حملة شعواء ضد منتقدي معاملة الحكومة الإسرائيلية الوحشية للفلسطينيين. ووصف عضوة الكونغرس الديمقراطية إلهان عمر, وهي مسلمة, بأنها "معادية للسامية" لأنها أشارت إلى التأثير الذي تمارسه جماعة الضغط المناصرة للصهيونية على كلا الطرفين, الديموقراطي والجمهوري. وهذه الحملة رددت أصداء اتهام زعيم حزب العمل البريطاني جيرمي كوربين ومئات من اعضاء الحزب ب"معاداة السامية", بهدف نزع الشرعية عن القوى اليسارية المعارضة للإمبريالية البريطانية.

والتقارير تشير الآن الى تعاون اليميني الاسرائيلي ناتنياهو مع القوى المعادية للسامية ومع القوى النازية الجديدة في كل انحاء العالم.
Under hardliner Prime Minister Benjamin Netanyahu Israel has chosen to collaborate with anti-Semitic neo-Nazi movements across the world.
Israel’s dance with far-right movements across the world
https://www.trtworld.com/magazine/israel-s-dance-with-far-right-movements-across-the-world-24677?fbclid=IwAR2D7Z1kiD7xbkjDhvbclCZCQjdzP06FItO_XK2CEeI6SaK_xE6EdsegON4

وفي أستراليا ونيوزيلندا حيث يذرف السياسيون دموع التماسيح بخصوص مجزرة كرايستشرش ويصدرون بيانات منافقة تدين العنصرية والعنف, الا ان المؤسسة الرسمية ومنذ عام 2001 قامت ب"شيطنة" اللاجئين المسلمين واعتبرتهم تهديدا إرهابيا محتملا وطابورا خامسا والقت باللوم على الهجرة في كل مشكلة اجتماعية.

في نيوزيلندا, حزب العمال الذي يقود الحكومة والذي يسيطر على وزارتي الدفاع والشؤون الخارجية, طالب مرارا وتكرارا باتخاذ تدابير لوقف "الهجرة الجماعية" من المسلمين والبلدان الآسيوية—استخدام لغة لا تختلف كثيرا عن تلك المستخدمة من قبل تيرانت وغيره من المتطرفين اليمينيين.
The New Zealand terrorist attack and the international danger of fascism
https://www.wsws.org/en/articles/2019/03/18/pers-m18.html

ولا عجب في ذلك, لان تيرانت هو احد انصار ترامب
Trump is a symbol of renewed white identity and common purpose : New Zealand gunman s sick manifesto reveals he supported the president and wanted to spark a civil war in the U.S. by massacring dozens
https://www.dailymail.co.uk/news/article-6812653/Christchurch-shooter-supported-Trump-launched-attack-spark-civil-war-U-S-manifesto-says.html?ito=social-facebook&fbclid=IwAR1Y_uof6xiAUt4Cz4Kp_6nHSRr71mKAUdb8ceOYeZewgA8smGs5AvDLZbA

ان مهمة مكافحة صعود الفاشية محليا وعالميا لا يمكن فصلها بتاتا عن النضال ضد الرأسمالية من خلال حركة الطبقة العاملة الموحدة والدولية والاشتراكية القادرة على منع فظاعة الفاشية من التفاقم اكثر واكثر وتهديد مصير البشرية وافنائها. واليسار يفقد يساريته ويصبح يمينا اذا لم يعلن بكل صراحة وقوفه ضد الرأسمالية وان يثبت ذلك بالفعل في ان يعمل بكل جهده في التصدي للرأسمالية ولسياساتها الفاشية المتصاعدة!