الملك, ستالين, وهيغل-او بالعكس!


طلال الربيعي
الحوار المتمدن - العدد: 6050 - 2018 / 11 / 10 - 20:51
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع     

كتب الماركسي الكبير الراحل سمير امين مقالةً بعنوان
حان الوقت لإعادة بناء أممية العمال والشعوب
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?ecom=1&aid=617519#782090
وقد دار نقاش, قد اسميه "ساخن" بعض الشئ, حول المقال. ويمكن متابعة السجالات نفسها في رابط المقالة اعلاه, لان اية محاولة من قبلي لتلخيصها هنا قد تكون اعادة قراءة على حد تعبير الفيلسوف دريدا, وبذلك قد تكون تحيزا لهذه الجهة او تلك.

والصديق العزيز عبد الحسين سلمان هو احد المعلقين على المقالة ومن المشتركين في النقاش, اضافة الى السيد فؤاد النمري وآخرين بضمنهم انا.

في تعليقه رقم 28 يقول عبد الحسين سلمان التالي
"كل ما كتبه النمري من تعليقات هنا, تجد صدىً لها مع الشاعر العظيم المتنبي, الذي انشد

لكلِ داءٍ دواءٌ يستطبُ بهِ...............إلا الحماقة أعيت من يداويها

حَمُقَ الرَّجُلُ : فَعَلَ فِعْلَ الحَمْقَى ، أَوْ قَلَّ عَقْلُهُ"
-----
وفي تعليق يليه يحمل رقم 37 , يبدي سلمان بعض الملاحظات بخصوص الحالة النفسية للنمري فيما يتعلق بمشاعره تجاه سمير امين, ويقول
( مع الاعتذار للدكتور طلال الربيعي لأن هذا من اختصاصه العلمي )
-------
وتعليقي على تعليقيّ الصديق سلمان بسبب طوله بعض الشئ انشره ادناه كمقالة قصيرة. وينبغي ان لا اغفل القول ان مقالتي هذه تستدعي ذكر تفصيلات وامور اخرى قد اعالجها في حيثيات النقاش او في مقالات اخرى. ومقالتي تسترشد باطروحة فيلسوف العلم ثوماس كون مؤلف كتاب
The Structure of Scientific Revolutions, T. S. Kuhn
الذي يعتبر احد اهم مائة كتاب, وبضمنها البيان الشيوعي, التي ظهرت منذ بداية كتابة التاريخ.
100 Most Influential Books Ever Written
by Martin Seymour-Smith
http://www.sonic.net/~rteeter/grtinfluential.html

اطروحة كون, باختصار مكثف, تتحدث, ايضا, عن دور العامل النفسي في صياغة الافكار ونشوء النظريات, اي بتعبير آخر, فان كون يرفض النهج الكارتيزي للفيلسوف ديكارت, اب العلم الحديث, بالفصل بين الذات وموضوعه -نهج العلم الطبيعي او الامبريقي, واطروحته بذلك تنسجم مع منهج الديالكتيك في البحث والاستقصاء.
.........
تعليقي:
الصديق عبد الحسين سلمان
اثني على ملاحظتك واستعارتك قول المتنبي أعلاه. واذا كانت الحماقة بحد ذاتها مصيبة فان الاصرار عليها رغم الدلائل والبراهين المعاكسة هو مصيبة اعظم ويدلل بشكل ساطع على لاعلمية الطرح وان البواعث هي نفسية بحتة تتلبس لباس النظرية او الآيديولوجية او العلم.

ان فؤاد النمري يعلن دوما ان حزبه الشيوعي اساء فهمه و معاملته ولم يتقبل افكاره ولربما استهزء به, وان السلطة قد سجنته واذلته واهانته. هنالك شعور بالحيف والمرارة من قبله وهذا الشعور طبيعي ولكن الاهم بكثير هو كيفية التعامل مع هذا الشعور او هذه المشاعر.

بخصوص تعامل حزبه وقتها معها فانه يسعى للاقتصاص منه كلما واتته الفرصة بنشر المقالات مثلا التي تذّكر الحزب دوما بسوء معاملته له وتدعوه, ان لم يكن علنا فضمنا,الى الاعتذار والحزب يرفض ويتجاهله! الحزب سبب له وضعا من العوز المادي والحزب لربما يقرن الاعتذار بتعويض النمري ماديا-وهذا شئ طبعا لن يقره النمري ابدا.

اما السلطة وقتها, وهي السلطة نفسها حاليا اذا نزعنا بعض الديكور ومساحيق التجميل عنها, فقد حقق النمري تصالحه مع مشاعر الالم والاذلال التي سببته السلطة له بتقبله السلطة بل وبالتماهي معها (تصالح مع عدوك اذا كنت لا تستطيع قهره!), وبهذا الغى النمرى ذاته. انه يحقق ديالكتيكية هيغل في تطور الفكرة المطلقة في دورة حياتها, وذلك عندما يكون وعي الشخص تجليا للفكرة المطلقة التي تبلغ كمالها في الدولة البروسية المتمثلة الآن في الدولة الهاشمية, والفرق بين الاثنتين ضئيل او معدوم اذا غضضنا النظر عن الخلفية الاقتصادية لكل منهما. فكلاهما هما دولة مطلقة. فقيصر بروسيا كان قيصرا مطلق الصلاحية, وملك الاردن كذلك, واما حاشيته من رئيس وزراء او وزراء فهم ديكور لا يخدع احدا سوى من شاء ان ينخدع.

ولكن فكرة كمال السلطة الهاشمية لدى النمري, ككمال الدولة البروسية لدي هيغل, تخلق تناقضا لدى النمري لا نجد مثيله لدى هيغل لأن هيغل لم يؤمن بعبادة الشخصية او لم يعط اهمية للفرد, بل للفكرة المطلقة, لله-الذي لايمكن للنمري ان يستخدمه كمرجعية بسبب اعلانه اعتناقه الماركسية التي لا وجود فيها للخالق الذكي وانسجاما مع الداروينية كاحد اهم مصادر الماركسية.

ولذا فان النمري يجد نفسه في وضع لا يحسد عليه. هناك فكرتان متناقضتان في دواخله ولا يمكن التوفيق بينهما بالرجوع الى اي مذهب فكري. الفكرة الاولى هي كمال ومطلقية الدولة الهاشمية, والثانية هي مطلقية وكمال ستالين. وبالطبع لا يمكن التوفيق بين الفكرتين لاهيغليا ولا ماركسيا, فهما بمثابة اطروحة واطروحة مضادة في مذهب الديالكتيك. النمري يواجه معضلة التوفيق بين الاثنتين فيلجأ الى حيل فكرية, ويستخدم تعابيرا لفظية تذكرنا بمنطق الساحر- افتح يا سمسم فيفتح الباب نفسه امتثالا لقول الساحر-, مثل يسارية الملك الهاشمي, هذا رغم انه نفسه يقول ان اليساريين اعداء لشعبهم, ولكنه يبدو انه استثنى ملكه لاسباب لا نعرفها-لربما لانه فوق الدستور ويجسد الفكرة المطلقة لهيغل, حاله حال ستالين.

والحيلة الاخرى للنمري هي اعلانه موت الرأسمالية وبفعله هذا فانه يعيد تأهيل ملكه ونظامه (شبه) الراسمالي او التابع. لكن كل هذه هي حيل وهي حلول لفظية لمأساة النمري ولاعلاقة لها مطلقا بالفقر والظلم والعسكرة وتلوث البيئة كمشاكل هائلة وكارثية تجابه عالم اليوم. ان النمري يهرب من هذه المشاكل ولا يعالجها بتاتا! وهو يتكلم عن عصرنا بكونه عصر الهروب من الاشتراكية! ولو احتكمنا قليلا, وليس كثيرا, الى التحليل النفسي, لاستنتجنا ان النمري هو الذي يهرب من الاشتراكية, من الناس, من مئات الملايين من الناس الذين يعانون الجوع والظلم والقهر والاستغلال ومن الحروب وتلوث البيئة الخ. انه هو الذي يهرب من الاشتراكية, وليس عصرنا كما يزعم. و للحيلولة دون ان تسبب له مآسي الناس اية مشاعر محتملة بالالم يلجأ النمري الى حيلتين اخريتين لتخدير نفسه.

الاولى, انه يختزل الماركسية الى قوانين طبيعية لا تحس بالالم ولا تشعربه-حالها ايضا حال قوانين الغاب. ثانيا, موضوعة الرجل الحديدي, الذي هو قدوة النمري, ستالين. انه انسان يتسامى فوق البشر والمعاناة. انه الله او بمثابة الله. والنمري هو خليفته واذا لم يكون هو الله فعلى الاقل يكون نائبه او الناطق باسمه. والنمري يقول في تعليق 36
"أنا كشيوعي بلشفي -أكفر- أعداء ستالين"
انه يكفر اعداء ستالين كما تكفر داعش اعداء الاسلام, باعتبارها طبعا!
----
اتوقع ان يكون تعامل النمري مع كلماتي هي الهروب والمزيد منه لانها ستخدش صورة الكمال التي يشعر بها حيال نفسه, وحيال ستالين والتفرقة بين الاثنين صعبة جدا او حتى لربما مستحيلة, ويمكن ان تسبب له نوعا من الدوران النفسي. وهو يحيل الماركسية الى دوغما, الى دين (لاسماوي!), لاستعادة التوازن النفسي, وهو توازن على حساب العلم والمصداقية او, ولربما هو الاهم, على حساب حياة مئات الملايين من البشر وعذاباتهم!