أنغام: وحشاني يا أختي جدًّا


فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن - العدد: 6039 - 2018 / 10 / 30 - 09:47
المحور: الادب والفن     



أعلمُ أن هذا المقالَ مُوجعٌ لكلِّ مَن يقرأه الآن. فأنا أكتبُه بقلم الألمِ ومِداد الوجد. وما يُكتَبُ بوجعٍ؛ بالوجعِ يُقرأ. وأعلمُ أن ذاك الوجعَ يبلغُ مُنتهاه عند صديقتي “أنغام”. فهي تقفُ الآن صامتةً دون شدو، داخل خيوط شرنقةِ الحِداد والحَزَن، يلتفُّ حريرُها الحادُّ الحارقُ حول جسدِها النحيل، ولا يتركُه إلا داميًا. لكنني، برغم ما سبق، أكتبُه، من منطلق الصداقة، وبقلب جرّب محنة الفقد المُرِّ. فللصديق عند صديقه مساحةٌ من السماحةِ تسمحُ له بأن يُوجِعَ صديقَه برهةً بجُرعة من مَصلٍ واخزٍ، عسى الجُرحَ النازفَ يبرأُ من أوجاعه، قليلاً.
بدايةً أُعزّي صديقتي الفنانة "أنغام" في شقيقتها التي غادرتنا وطارت إلى السماء، مثل عصفورٍ لم يجد في الأرض ما يُغري بالبقاء، فتركها وصعد إلى حيث تصعدُ العصافيرُ ولا تعود. وأُعزّي الأمَّ الثَّكلى، السيدة مَجيدة عبد العليم، التي فقدت ابنتَها عروسًا في زينةِ الصِّبا والجمال. وأُعزّي الأبَ، الموسيقار الكبير، محمد علي سليمان، الذي تهدَّمَ حُلمه الطيب، في إنبات زهرةٍ جديدة اسمُها "غنوة" في حقل الغناء، بعدما أهدانا زهرةً مشرقة اسمُها "أنغام". وأعزّي الطفلَ الجميل "ياسين"، الذي كان قُرّة عين أمّه الراحلة، وربما لا يعلمُ حتى الآن أنها صعدت وصارت شفيعتَه في السماء وحارسةَ خُطاه على الأرض. أحسنَ اللهُ عزاءهم جميعًا، وعزاءَ أحبتهم، وعزاءنا.
عزيزتي "أنغام"، لم أستطع تعزيتك، لأنني لا أجيدُ كلمات العزاء. أجدُ كلَّ الكلام الذي يُقال في لحظات الفقد، خاويًا من المعنى، يُرهقُ القلبَ ولا يُداويه. واليوم أكتبُ لكِ ما قد يُضمِّدُ قلبَكِ النازفَ؛ حتى تعودي إلينا كما عرفناكِ، صوتًا صادحًا بالحبِّ والفرح.
شقيقتُك الجميلة، كانت تخبئُ لكِ هديةً في صندوق اللعب. ربما قررتْ أن تضعَها باسمك تحت شجرة الميلاد، هديةَ العام الجديد. لكنها رحلت قبل اخضرار الشجرة واكتسائها بنُدَف الجليد الديسمبري. وبرحيلها، اكتشفنا الهديةَ وعرفنا أين تخبئُها. فلماذا لا تأخذينها اليومَ، وتُهدينها أنتِ إليها؟ أغلبُ الظنّ أن الأحباءَ في السماء، أيضًا ينتظرون هدايانا في أعياد الميلاد.
قبل عدة شهور، كتب شابٌّ موهوبٌ كلمةً على صفحته يدعو فيه أن نُصالح ونُسامح مَن أغضبناهم من أصدقائنا وأحبّائنا وأقربائنا. وتلقّفت "غنوة" كلماته وقالت في تعليقها على البوست إنها تريد أن تُهدي شقيقتَها الكبرى هديةً تجلو بها قشور الزعل، لتعودا كما كانتا دائمًا؛ أختين جميلتين يملأ الحبُّ قلبيهما فيُنطق اللسان بالشدو والغناء، تلك الأخت هي أنتِ يا "أنغام”. ووعدها ذلك الشابُّ بأن يُجهّز لها الهدية. وكانت أغنيةً من أصدق وأبلغ ما يكون. ذلك الشابُّ هو الشاعرُ الموهوب "مينا مجدي". كتب الأغنيةَ بمشاعر "غنوة"، فكانت كأنها هي مَن كتبتها. ولحّنها مصطفى شوقي، وغنّاها بصوته تمهيدًا لنسمعها بصوت "غنوة"، مشحونًا بالحب الذي يحملُه قلبُها لقلبكِ. لكن القدرَ كان له رأيٌ آخر، ورحلتْ "غنوة" قبل أن تُغلّفَ الهديةَ بالورق الملوّن والنجوم والشموع، لتُهديها لكِ. تقول الأغنية: “وحشاني يا أختي جدًا/ وحشتني الذكريات/ مهما الأيام خدتنا/ عمري ما أنسي اللي فات/ في بينّا حاجات كتيرة/ وإنتي يا أختي الكبيرة/ عندي ست البنات/ وحشاني يا أختي لما/ كنا بنسهر فِ لّمة/ بالليل أيام زمان/ وأقعد أنا وإنتي نحكي/ نرغي ونضحك ونبكي/ وف حضنك أنام كمان/ طول عمرك شايلة همّي/ وأنا غيرك ليا مين/ وبحس إن إنتي أمّي/ من وإحنا صغيرين/ نفسي نحكي لولادنا/ عن أحلي سنين حياتنا/ ونبقي قُريبين/ وحشاني ومهما غيبتي/ علي بالي ولو بعدتي/ بشتاقلك وبحنين/ لا الدم هيبقي ميه/ ولا هونتي ف يوم عليا/ مهما تعدي السنين/ وحشاني يا أختي ياللي/ أول ما أدعي و أصلّي/ بادعي أشوفك بخير/ ده انتي "أنغام" حياتي/ وسنيني وذكرياتي/ وإنتي الحب الكبير.”
صديقتي الجميلة "أنغام". أكاد أسمعُ الأغنيةَ الشجية بصوتك العذب الذي يحملُ من الطفولة والبراءة، قدرَ ما يحملُ من عمق وعشق. ستكونُ تلك الأغنيةُ التي خبأتها لكِ "غنوة" في صندوق قلبِها وصندوق هداياها، هديتكِ أنتِ لها ولنا، وللفنِّ والحياة والخلود. فلا تخذليني.
رحم اللهُ الجميلةَ "غنوة" التي تركت "شمس" حبِّها في يدِ أختها، حتى تظلَّ مشرقةً للأبد على لسان الجميلة "أنغام".
***