لاماركسية شيوعية (حزب) الشهداء!


طلال الربيعي
الحوار المتمدن - العدد: 6026 - 2018 / 10 / 17 - 05:40
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

في ردي على تعليقيي الزميلين الكريمين حسين عجيب و وديع العبيدي وكذلك في مقالتي
الشجاعة (الادبية) كنقيض لثقافة الدولار!
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=614751
لم اهدف الى التمييز بين السعادة واللذة. و يمكن القول ان السعادة هي لذة تتميز بدوامها لفنرة طويلة نسبيا. فاني استطيع القول "اني سعيد لأني اتلذذ بحياتي! ", وان كان العكس قد يخلق مشاكلا اخلاقية, صحية, او قانونية.

السعادة ,كفرع من فروع اللذة, تتميز عن انواع اللذة الاخرى بكونها قد لا تحتاج الى وعاء او وسط مادي لتحققها. بالعكس, الوعاء المادي, او الجسد البشري, قد يكون عائقا امام تحقق السعادة لكون الجسد مصدر الالم والمرض والعذاب, وخصوصا لدى الشيوعيين, في العراق مثلا, في ظروف المطاردة والقمع. السعادة تنفي فيزياءيتها وتتحول الى ميتافيزيقيا, وكموضوع لعلم الماورائية او ما بعد الطبيعة , فلا يمكن دراسته من قبل العلم الطبيعي او فلسفته, وخصوصا الفلسفة الوضعية التي تشغل نفسها فقط بالاحساسات الجسمية, اومقارباتها البيولوجية-فسيولوجية او هرمونية الخ, وليس بالمشاعر الماورائية, فليس هنالك فلسفة علم الماورائية وهذا امر معروف منذ زمن ارسطو.

وفي الواقع ان سعادة الشهادة (حزب الشهداء من اجل شعب سعيد؟), بداهة, لا تتحق بالموت نفسه, وانما من خلال ان يموت الشخص او شعوره بانه قد يكون في طريقه الى الموت. انه شعور شهواني-رومانطيقي يسبق الموت, الموت كاغلى هدية يمكن للمرء تقديمها من اجل حبيبته او حبيبها, القضية, والقضية هنا هي شعور نفسي وبمحتوى فكري قد يشوبه الكثير من الغموض رغم قناعة الشخص اليقينية بضرورة التضحية بالجسد من اجلها. والقضية هي دوما اسم وليست فعلا. اي ان الشخص يناضل من اجل الشيوعية كهدف برغم انه ليس هنالك من دليل علمي واحد (بالرغم من علمية الماركسية) ان الشيوعية تقترن بالسعادة رغم سعيها الى تحقيق العدالة, اللهم الا اذا كانت السعادة تعني ازالة الاغتراب, ولكن هذا تجريد يلامس سطح الامور وليس اعماقها , فالعدالة والسعادة مفهومان ليسا متطابقان.

ورافعو شعار "شعب سعيد" يُسقطون السعادة المتحققة شخصيا عن طريق الشهادة, او توجسها في طريقهم الى الشهادة, على الشيوعية نفسها, او مجتمعها الافتراضي مستقبلا, فيقترفون بذلك خطأ قاتلا. فهم يقبرون انفسهم والآخرين برفعهم راية شيوعية "حزب الشهادة والشهداء", والتاريخ يقدم من الدلائل ما لا يعد ولا يحصى بهذا الخصوص.

والذين يرفعون شعار "وطن سعيد" لا يميلون الآن الى الشهادة, ليس لأن المجتمع العراقي الآن اكثر سعادة من ذي قبل, بل لانهم في وضع مادي افضل واقل عرضة للاعتقال والتعذيب عما سبق وكفت بذلك اجسادهم في ان تكون مصدر الم. انها مصدر متعة الآن. ولاخفاء التناقض بين مشاعرهم الخاصة ومشاعر عموم المجتمع يلجؤن الى خلق وهم ان الكل يستطيع تحقيق السعادة, حتى ولو نسبيا. انهم يمنحون عادل عبد المهدي سنة واحدة ليقرروا بعدها موقفهم منه. وطبعا السنة الواحدة قابلة للتكرار على الدوام. الغرض الحقيقي من المهلة هو تخفيف حدة التناقض بين المشاعر الخاصة والعامة. انه خداع نفسي وآيديولوجي في آن واحد.

وشعور شيوعيي شعار "شعب سعيد" باللذة او السعادة بالتضحية بالجسد من اجل قضية كبرى هو صنو, الى حد كبير, لمشاعر التلذذ بايذاء الجسد عند اتباع (سيد الشهداء!) الامام الحسين في مراسيم عاشوراء, وان كانت كل ايام شيوعيي الشعار هي عاشوراء. والفرق الآخر ان تلذذ اتباع الحسين باللطم وايذاء الجسد تتعلق بالزمن الماضي, اما لذة الشيوعيين فتتعلق بحالة مسقبلية, بناء المجتمع الشيوعي في زمن آتٍ. ولكن الماضي او المستقبل هما مفهومان للزمن يتحققان في انهيارهما في, او الى, اللحظة الراهنة, الزمن الحاضر, اي الزمن بمفهوم عالم الرياضيات والفيلسوف هنري بيرجسون الذي حاز على جائزة نوبل في الآداب في عام 1927, وخصوصا في عمله بخصوص الزمن والارادة الحرة
Time and Free Will: An Essay on the Immediate Data of Consciousness
لمزيد من التفصيل يمكن مراجعة
Henri Bergson and the Perception of Time
https://philosophynow.org/issues/48/Henri_Bergson_and_the_Perception_of_Time

فاذا كانت السعادة فرعا من فروع اللذة, فينبغي ايضا ان نتسائل ايضا عن اخلاقية تحققها, وهذه ليست موضوعة ماكيافلية بالضرورة. فهل السعادة اخلاقية او حالة صحية دوما بغض النظر عن وسيلة تحققها؟ مثلا, ماذا عن السعادة, الوقتية, المتحققة عن طريق تناول المخدرات, او السعادة, الاطول نسبيا, المتحققة عن طريق الوهم المورفيني, الدين كوعي زائف او عصاب اوديبي واقترانه بموضوعة الخطيئة والشعور بالذنب وضرورة التكفير عنه بايذاء الجسد؟ فنحن نعلم من مصادر تاريخية ان الصوفي الحلاج كان يتلذذ بايذاء وتقطيع جسده من قبل السلطة وانه كتب اجمل شعر بحق تجربته بعد ان وهبها القداسة الالاهية. والحجاج هو افضل مثال على ان الحقيقة الشعرية اكثر اصالة مما يسمى الحقيقة التاريخية, اوالامبريقية, وكما اسهب في شرح ذلك العراب الفلسفي للحضارة الغربية, ارسطو, باعتبار ان الحقيقة الشعرية حقيقة عامة تتخطى حواجز الزمان والمكان.
The Greek philosopher Aristotle who is also considered a forerunner of Western Literary Criticism has in his Poetics defined a distinction between Historical Truth and Poetic Truth. Poetic Truth according to him is far superior to Historical Truth, since it has the possibility of reoccurring. Hence it possesses a universal value, a value that surpasses the boundaries of time and place. Historical Truth on the other hand deals with facts that had taken place in reality, according to the sequence they had taken place
Distinction between historical truth and poetic truth
http://archives.sundayobserver.lk/2013/05/26/mon11.asp

والموت قد لا يكون موتا بيولوجيا, بل موتا سيميائيا, الموت الاصغر, الموت المتحقق عندما تضمحل اصالة الفرد في لغة الخطاب الجمعي, فتصبح عندها اللغة واسطة اغتراب وليست واسطة تقارب او تفاهم. اللغة تتكلم ولكنها لا تقول شيئا!

وشيوعية (حزب) الشهداء ليست ماركسية لأنها تنفي الجسد وتغترب عن ماديتها. انها ابيقورية, ولكنها ليست ابيقورية معتدلة او معقولة او ان اللذة هي وحدها الخير الأسمى، والألم هو وحده الشر الأقصى, وانما ابيقورية متطرفة, فليس هنالك من فاصل بين الالم واللذة, حيث يلتحم الاثنان في عناق ابدي كالعشيقيين في ما يسميه المحلل النفسي لاكان
jouissance
What Does Lacan Say About… Jouissance?
http://www.lacanonline.com/index/2015/07/what-does-lacan-say-about-jouissance