ابتهلوا أيها الأئمة … وسوف نقول آمين!


فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن - العدد: 5912 - 2018 / 6 / 23 - 13:58
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     


"التقليدُ"، هو أن يُقلّدَ إنسانٌ إنسانًا، تقليدًا أعمى دون تأمل ما يُقلّد: إن كان حسنًا أم سيئًا، صالحًا أم طالحًا، مناسبًا أم غير مناسب؛ حتى نتحول في الأخير إلى مجموعة من العرائس الماريونيت المتشابهة، التي لا تختلف عن بعضها البعض إلا في الرقم الذي تحمله. أما "الابتكارُ"، فهو أن يُفكّر كلُّ إنسان بعقله ليصنع شيئًا جديدًا وصالحًا، مناسبًا له وللحظة التي يعيشها، ومُصلِحًا للمجتمع، فتتطور البشريةُ وتزدهرالأممُ وتُشرق على الأرض شمسٌ جديدة مع كل نهار جديد.
التقليدُ قطارٌ مُبرمج بليدٌ لا يعرف إلا السيرَ على قضيبين. إن حاول أن "يُفكّر" حاد عن القضبان وصنع كارثة. أما الابتكار، فهو طيارةٌ ورقية حُرّة رشيقةٌ تبتكر في كل لحظة مساراتها في فضاءات لا تعرفُ القضبان. التقليد هو القولبة في صندوق حديدي، والابتكار هو التحليق الحرُّ خارج الصندوق. المُقلّد تلميذٌ، والمُبتكرُ مشروعُ عالم.
التقليدُ يهدم، والابتكارُ يبني. في الهندسة والطب والعمارة والتشكيل والأدب والسياسة والاقتصاد، وفي كل دروب الحياة، دائمًا التقليدُ هو العدو الأول، والابتكار هو طوق النجاة. ولكن هل يجوز الابتكارُ في الابتهال إلى الله؟ نعم. بكل تأكيد يجوز، بل هو مطلوب.
دعوني أحكي لكم عن إمام أحد المساجد في المغرب، كتب عن أستاذنا الكبير "صلاح منتصر"، في جريدة الأهرام. ذلك الإمام المبتكر فاجأ المُصلّين في صلاة الجمعة بأدعية "من خارج الصندوق التقليدي المقولب"، ومن خارج المنهج. وراح المصلّون المثقفون يرددون خلفه: “آمين"، بقلوبهم وعقولهم قبل ألسنهم. فبماذا دعا الشيخُ المغربيُّ ربَّه وربَّ العالمين تعالى؟ قال:
اللهم علّمنا احترامَ الوقت، والثقة بالإنسان، وتقديرَ المرأة، والرحمة بالناس، والشغفَ بالعلم، وحُبّ الكتاب.
اللهم ابعد عنّا روحَ التقليد، واغرسْ فينا روحَ الابتكار.
اللهم حرّرنا من الجمود والتحنُّط العقلي ودرّبنا على ترقية عقولنا، واجعلنا لا نخاف من العلم.
اللهم ازرع فينا روحَ السلام وابعد عنّا شررَ العنف.
اللهم اغرس فينا ملكة النقد الذاتي، وارفعنا إلى مستوى النفس اللوّامة.
اللهم حبّب إلينا الحوار واجعلنا نتقن فنّ الإصغاء إلى الآخر، وارزقنا الصبر على مخالفينا في الأفكار.
اللهم ارحمنا من نار التعصب وامنحنا روح التسامح.
اللهم علّمنا ألا نُلقي النفايات في الطريق، وأن نحافظ على بلادنا نظيفة أنيقة.
اللهم علّمنا الأناقة والتحضّر في كل عمل، واجعلنا نُحسن العمل ونتقنه، ولا نتلفّظ إلا بالألفاظ الكريمة وأن نُحسن التعامل مع جميع خلقك.
اللهم علّمنا ألا نسرع في إدانة الآخر وأن نكفّ عن تكفير الناس وزندقتهم، وحبّب إلينا الاختلافَ والتعددية.
اللهم امنحنا القدرة على ضبط النفس في لحظات الانفعال، واخمد فينا نار الغضب والشهوات.
اللهم علّمنا النظافة وروح الجمال ودقّة المواعيد وإتقان العمل والذوق الرفيع في قيادة السيارات.
اللهم امنحنا عشق زراعة الورود والاهتمام بالأشجار وكراهية الغبار والتلوث والفوضى والتسيب الوظيفي والإهمال في العمل.
***
انتهت أدعيةُ الشيخ المغربي، وفي عيد الفطر المبارك هذا، أدعو الَله قائلة:
اللهم علّم أئمتنا أن يفتحوا قلوبَهم وعقولهم على رحاب الوطن والإنسان، فيدعون الَله بما يُصلِح حال هذا الكوكب التعس، الحاشد بالحروب والخطايا والعنصرية والطائفية، بدلا من الدعاء بالويل على المخالفين لنا في العقيدة أو الطائفة أو المذهب أو الملّة.
اللهم نجّنا من تجّار الدين المرتزقة الذين أفسدوا علينا ديننا ودنيانا، وسرقوا منّا أعمارنا وأوطاننا ومستقبل أولادنا.
تُرى... متى سوف نسمع، في مساجدنا المصرية، مثل تلك الأدعية الحضارية المثقفة التي تنتصرُ للإنسان؛ حتى نردد خلف قائلها: آمين؟