النقيضان: لينين وستالين


طلال الربيعي
الحوار المتمدن - العدد: 5809 - 2018 / 3 / 8 - 09:47
المحور: ملف الذكرى المئوية لانطلاق ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا     

يزعم العديد من الأكاديميين والسياسيين والصحفيين أن أساليب وسياسات لينين أدت مباشرة إلى الفظائع والجرائم التي ارتكبت في عهد ستالين. ولكن هذه طريقة كسولة لقراءة للتاريخ لانها تفشل في فحص العملية التاريخية المعقدة التي أدت إلى الستالينية. وهذه القراءة تتناسب مع فكرة أن التاريخ قبل كل شيء هو تاريخ الأفراد العظماء، وأن كل ما نحتاج إلى فهمه هو سيكولوجية قادتها-وذلك طبعا على الرغم من أهميتها.

بالطبع يمكن أن يُثبت أي شيء بالتركيز فقط على حقائق خارج السياق. استندت استراتيجية لينين برمتها على المبدأ القائل أن الثورة السوفيتية ستنتشر إلى بقية أوروبا، ثم العالم. لكن الثورة فشلت في الانتشار. وادرك لينين ان الثورة لا يمكن تصديرها.

هذه العزلة كانت السبب الأساسي لما حدث من اخطاء في الاتحاد السوفييتي. كتبت روزا لوكسمبوركَ في رسالة الى الشيوعية الالمانية Luise Kautsky (زوجة Karl Kautsky) في عام 1924 ان "الروس ... لن يفلحوا في ان يحافظوا على أنفسهم ... لأن الديموقراطية الاشتراكية في الدول الغربية المتطورة مكونة من جبناء بائسين الذي يراقبون بهدوء الروس ويتركونهم لينزفوا حتى الموت".

واللوم الحقيقي يقع على عاتق قادة الغربيين, مثل وينستون تشرشل, الذين شنوا هجمات مسلحة على الدولة ما بعد الثورة، اضافة الى قادة العمال (لوردات العمل) الذين اما دافعوا عن الثورة السوفيتية بفتور او حتى امتنعوا عن ذلك بالإطلاق.

بالطبع, من المستحيل تحديد ما الذي كان لينين سيفعله لو عاش بعد عام 1924. لكن يمكننا أن نكون متأكدين تمامًا مما كان سوف لن يفعله.

بدأ حل ستالين بعد وفاة لينين: الاشتراكية في بلد واحد. وبدلا من تشجيع الحركات الثورية عندما نشبت في أي مكان في العالم, قام ستالين بتثبيطها.

في أيام لينين كانت الاممية الشيوعية منتدى حيوي لمناقشة الاستراتيجيات المختلفة. وفي عهد ستالين اصبحت جهازا بيروقراطيا يدار من أعلى إلى أسفل, حيث كان الكل يسير في نفس الخط. في الصين في عام 1927 طلب ستالين من الشيوعيين التخلي عن استقلاليتهم الى شانكَ كاي شيك الذي سخّر الشيوعيين لصالحه ثم اجهز عليهم. في ألمانيا قال الشيوعيون إن الديموقراطيين الاشتراكيين هم نفس الفاشيين- وبالتالي لم يكن هناك معارضة موحدة لهتلر. في الحرب الأهلية الإسبانية رفع الشيوعيون أسلحتهم ضد العمال الذين أرادوا تحويل الحرب إلى ثورة.

قرر ستالين أن روسيا ستضطر إلى التصنيع لوحدها. وجادل بأن روسيا يجب عليها اللحاق بما حققه العالم الصناعي المتطور, حيث قال: "نحن متأخرون 50 أو 100 سنة عن البلدان المتقدمة. يجب أن نتخطى هذا الفارق في عشر سنوات. إما أن نفعل ذلك أو أن نُسحق"!
I Deutscher, Stalin, London, 1961, p328

كانت عملية التصنيع في بريطانيا في القرن التاسع عشر وحشية بما فيه الكفاية. ولكن العملية كانت أسرع بكثير في الاتحاد السوفيتي ولذا كانت المعاناة أكبر بكثير.

في عهد ستالين فٌقدت الكثير من مكاسب الثورة. اختفت النقابات المهنية المستقلة وانتهى الحق في الإضراب, وانخفضت الأجور. وأصبح الإجهاض والمثلية مرة أخرى جرائما يعاقب عليهما القانون بعد الغاء تجريمهما في عهد لينين. وتم استبدال الابتكار الفني بالمذهب المحافظ والباهت للواقعية الاشتراكية.

كانت سياسة ستالين الوحشية في المجمعّات الزراعية القسرية مناقضة بشكل مباشر لموقف لينين. لقد سعى لينين للحفاظ على التحالف مع الفلاحين.

ظهرت الآن طبقة جديدة من البيروقراطيين في عهد ستالين الذين لهم مصالحهم الخاصة. الحزب الشيوعي, الذي تألف من الاعضاء المتفانين (حتى عام 1929 كان أعضاء الحزب يحصلون فقط على أجور العمال المهرة، ايا كانت مناصبهم), اصبح هيئة نخبوية كانت تتطلع إلى ستالين للدفاع عن مصالحها.

وكثيرا ما يُتهم لينين بانشاء دولة الحزب الواحد. ولكن كان للبلاشفة خيارا قليلا في هذه المسألة. بعد نجاح الثورة, اقترح المناشفة والثوريون الاشتراكيون قيام حكومة ائتلافية موحدة إذا تم استبعاد لينين وتروتسكي, وهو شرط من الواضح أنه لم يحظَ بالقبول. ولجأ الثوريون الاشتراكيون إلى العنف ضد النظام الجديد. في أغسطس 1918 قامت الثورية الاشتراكية فاني كابلان بمحاولة اغتيال لينين
Lenin in 1918: Fanni Kaplá------------------------n attempt to assassin Lenin
https://www.youtube.com/watch?v=dIfl1TuSl5A
فلم يكن للينين حراسا او مرافقين وفي اقصى الاحوال كان له مرافقا واحدا فقط لحمايته.
During his time as leader of the Soviet state, Vladimir Lenin didn’t seem too concerned about his personal security — usually only one bodyguard accompanied him
https://www.rbth.com/history/326706-how-lenins-body-was-attacked

كان لينين في كثير من الأحيان قاسيا في مناقشته مع خصومه. لكنه جادل حول الأفكار والسياسات-لم يتهم خصومه بجرائم لم يرتكبوها أبداً. في عام 1921 منع الحزب المنابر داخل الحزب، لكن لينين أصر على أنه "لا يمكننا حرمان الحزب وأعضاء اللجنة المركزية من حقهم في الطعن في حالة الاختلاف حول القضايا الأساسية (المجلد 32، صفحة 261 الاعمال الكاملة, لينين). في عمليات التطهير والمحاكمات الصورية اُتهم ضحايا ستالين بجرائم لا وجود لها او جرائم سخيفة مثل التعاون مع النازيين!

كان هنالك قمع في فترة الحرب الأهلية، لكنه لا يمكن مقارنته بوحشية نظام ستالين. فيكتور سيرج، الذي كان هناك وشهد ما كان يتحدث عنه، قال "ليس هناك من شئ مشترك لاجراءات ستالين مع متطلبات السلامة العامة للمجتمع في فترة الحرب"!
V Serge, Russia Twenty Years After, New Jersey, 1996, p.93

من أجل توطيد سلطته, كان على ستالين قتل أقرب اعوان لينين: رادك, زينوفيف, كامينيف, وبوخاربن.

في عام 1944 جلس ستالين مع وينستون تشرشل, الذي ساهم في تنظيم غزو الاتحاد السوفيتي في عام 1918. وقاما فيما بينهما بتقسيم اوربا إلى "مناطق النفوذ" وحددا مصير اهلها دون استشارتهم.

بحلول عام 1922 كان لينين مريضا جدا. لقد ارهقه العمل الشاق واستنفدت قواه محاولة اغتياله. وعلم انه لن يعيش طويلا لتوجيه الثورة خلال المرحلة الأكثر صعوبة. لقد انزعج كثيرا من كيفية تطور الثورة. عندما تقلصت الطبقة العاملة, كانت البيروقراطية تتنامى داخل الحزب وكانت تتبني أساليبا تتجاهل مبادئ الطبقة العاملة الديمقراطية.

كرس لينين ما تبقى لديه من قوة للعمل ضد البيروقراطية. في إحدى مقالاته "أقل عددًا، ولكن أفضل", اعترف لينين أنه بعد خمس سنوات من الثورة كانت سلطة الدولة بائسة وباعثة على الأسى. كما انه لم يعتقد بوجود علاج سريع او عصا سحرية: الحل الوحيد بنظره كان هو النضال الصبور والمستمر من أجل ديمقراطية العمال الحقيقية، مع إدخال المزيد من العمال في نظام الدولة (مجلد 33، صفحة 487 الاعمال الكاملة, لينين).

كتب لينين "لهذا الغرض, أفضل العناصر التي لدينا في نظامنا الاجتماعي- مثل, اولا, العمال الواعين, وثانيا, الناس المتنوربن الذين نستطيع ان نتعهد بانهم لن بخلطوا بين الاقوال والافعال ولن ينطقوا بكلمة واحدة تخالف ضمائرهم- لا ينبغي عليهم ان يتراجعوا وعليهم ان يعترفوا بالصعوبات دون ان يقصروا لحظة واحدة في النضال من أجل تحقيق الهدف الذي وضعوه نصب اعينهم" (مجلد 33، صفحة 489 الاعمال الكاملة, لينين).

كان صدق لينين وروحه الناقدة على النقيض من غطرسة وتعالي الدولة تحت حكم ستالين وخلفائه.

من منتصف عام 1922 فصاعدا عانى لينين من جلطات دماغية. بحلول أوائل عام 1923 كان غير قادر على التدخل في مناقشات الحزب الذي بناه. عندما توفي في عام 1924 تم تحنيط جسمه, وتحويله إلى نوع من قديس, وهو أمر كان من شأنه أن يزعجه كثيرا. أرملته, كروبسكايا, التي شاركته النضال, احتجت بمرارة على هذا النوع من التكريم بقولها:
"لا تقيموا التماثيل له...فهو لم يعلق ادنى أهمية على ذلك في حياته...إذا كنتم ترغبون في تكريم اسم فلاديمير ايليش...ابنوا حضانات ورياض الأطفال والبيوت والمدارس والمكتبات والمراكز الطبية والمستشفيات، ومنازل للمعوقين، وغيرها, والأهم بكثير وضع افكاره من قبلنا كلنا موضع التنفيذ!" (البرافدا, 24 يناير 1924).