الشخصية العراقية بين الدين والديمقراطية


قاسم حسين صالح
الحوار المتمدن - العدد: 5709 - 2017 / 11 / 25 - 11:46
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     



الشخصية العراقية بين الدين والديمقراطية!
أ.د.قاسم حسين صالح
مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية
تستهدف هذه الورقة الاجابة عن سبب استمرار خيبات العراقيين أربعة عشر عاما(2003-2017) في نظام يقر دستوره بأنه ديمقراطي،وتحلل هذه الاشكالية من منظور علم النفس السياسي،وتنطلق من فرضية ان تناقض الأضداد في ثلاثية (العراقي والدين والديمقراطية) لن تفضي الى رفاهية العراقيين بالرغم من انهم يعيشون في وطن يمتلك اهم مقوماتها:ثروة تحت الارض وفوقها وثالثة في العقول،ما لم ينحسر التضاد ويتقارب الأنسجام.
لنبدأ بتحديد اهم خصائص هذه الثلاثية المتمثلة بالديمقراطية بمواجهة الشخصية العراقية والدين.
الديمقراطية.
لا يعنينا هنا تكرار مفهوم الديمقراطية بوصفها نظام سياسي واجتماعي حيث الشعب هو مصدر السيادة والسلطة،ولا انواعها ، ومميزات النظام الديمقراطي المتمثلة بدستور يحدد القواعد الاساسية لنظام الحكم،وسيادة القانون ،بل تحديد خصائصها المتمثلة اهمها بصيانة الحريات العامة للمجتمع، (التعبير ،العقيدة ،الصحافة...)،وان يحترم القانون حقوق المواطنين ويسرى على الحاكم والمحكوم بالسواء،ويحد من اعتباطية سلطة الحاكم،وان توفر (الديمقراطية) اجواء لتنمية وعي المواطن بكرامته وحقه في الحياة، وتشيع القناعة بين المواطنين والنضج الفكري بالدفاع عن حقهم في حياة آمنة، والزام الحكّام باحترام حقوقهم ومراقبتهم،وان يكون لهم دور فاعل في الحياة الاجتماعية،والمطالبة بمحاسبة المقصرين والفاسدين،وان يكون الوطن حاضنا للأبداع والمبدعين.
والديمقراطية لا تعني مجرّد مشاركة المواطن في الانتخابات ،بل تشترط تأمين عملية نزيهة وشفافة، وان يمتلك المواطنون وعيا انتخابيا قائما على مبدأ المواطنة الذي يجمعهم وليس الهويات التي تفرّ قهم..يوصلهم بالنتيجة الى نظام ديمقراطي يؤمّن لهم تحقيق احتياجاتهم الحياتية الحاضرة ومستقبل ابنائهم..وتلك هي قيم الديمقراطية التي وجدت من اجلها،وبدونها يكون لها عنوان آخر.
الشخصية العراقية:
لا يعنينا هنا تأثير العنف في الشخصية العراقية على مدى(1400)عاما من تاريخ العراق في اربعة أنظمة مستبدة (الأموي،العباسي،العثماني،والبعث)،بل تتحدد رؤيتنا من ان الشخصية العراقية الان،هي نتاج( 37 ) سنة من العنف والحروب الكارثية،وانها تشكّل اكثر من(65%)من المجتمع العراقي،فيما المبدأ الاساس للديمقراطية هو التعايش السلمي..ما يعني انهما متضادان.ولكي نشخّص فشل الديمقراطية في العراق الجديد نأخذ حضراتكم الى سبب خطير خفي ينبهنا له علماء النفس والاجتماع بقولهم،ان الذي يحدد اهداف وسلوك الانسان هو القيم التي يمتلكها،ما يعنى..ان اختلاف الناس:( رجل الدين عن رجل السياسة،عن الفنان ،عن الارهابي.. ) يعود إلى أن المنظومة القيمية تكون مختلفة لديهم نوعيا وكميا وتراتبيا وتفاعليا . فالمثقف – في سبيل المثال – تكون منظومته القيمية حضارية النوع غزيرة الكم متراتبة منطقيا وهارمونيا ومتفاعلة بانفتاح مرن ، فيما تكون المنظومة القيمية لدى المتعصب " لقومية ، مذهب ، معتقد .." تقليدية ومحدودة ومرصوفة ومتلاصقة وصلدة. والاختلاف بين الناس في منظوماتهم القيمية أحد ثلاثة أسباب رئيسة تؤدي إلى الاحتراب بين أفراد المجتمع الواحد. والذي حصل في المجتمع العراقي ان الذين هم بعمر اربعين سنة فما دون ويشكلون اكثر من (65%) منه يمتلكون منظومات قيمية تختلف عن المنظومات القيمية لجيل الكبار، لأن الحروب تخلخل القيم وتفسدها خاصة إذا كانت طويلة ومتلاحقة وكارثية ،فضلا عن شعور هذا الجيل من العراقيين بالفقر وضياع العمر واليأس من المستقبل والخوف من المجهول ، شكّلت لديهم شبكة منظومات تتصدرها قيم الصراع من أجل البقاء والأنانية وتحليل ما يعد ّحراما..بني على تخلخل كبير في تركيبة المجتمع العراقي احدثه النظام السابق العراقي بأن أعاد توزيع الثروة وخلق تباينا حادا بين طبقتين: أقلية غنية مستحدثة وفقيرة كبيرة ابتلعت الطبقة الوسطى بكل مثقفيها وموظفيها بمن فيهم أساتذة الجامعة الذين تراجعت مكانتهم التي كانت تحتل المرتبة الرابعة في قمة الهرم الأقتصادي(مع الطبيب والتاجر والمهندس)الى المرتبة الرابعة والعشرين.
وحصل الان ،في زمن الديمقراطية،ما هو اسوأ في التباين الاقتصادي ،فقد ظهرت فئة قليلة مستحدثة أيضا تتجه نحو الثراء بشهية مفتوحة ممثلة بالحكومة وأعضاء البرلمان الذين وعدوا الفقراء بالرفاهية فزادوهم فقرا". وصار عدد الأرامل والأيتام والجياع والثكالى والمهاجرين أكثر بأضعاف مما كانوا عليه في حروب صدام وحصاره.وصار معظم من يفترض فيهم أنهم القدوة والنخبة " بعمامة أو بدونها " منافقين ،اعني يمتدحون الواقع المعاش مع أن كل ما فيه كارثة ، فأن النفاق بأصوله ومشتقاته صار قيمة مشاعة التداول بين الناس ، بل أمرا" عاديا" كما السرقة والاختلاس!..ما يعني إن الذين بيدهم أمور الناس يمتلكون منظومات قيمية هي بالضد من قيم الديمقراطية ،مما اضطر الفرد إلى أن يعرض نفسه سلعة في سوق السياسة الذي يجبره على التخلي عن قيمه الإنسانية والعمل بما يأمره به مصدره السياسي المتعصب دينيا ومذهبيا وعرقيا. ومع أن تخلخل المنظومات القيمية لدى الناس وتهرؤ النسيج الأخلاقي للمجتمع قضية أخطر حتى من دمار وطن فإننا ، الحكومة والبرلمان والمثقفون ، لا نوليها من الاهتمام قدر اهتمامنا بالقضايا السياسية.
الدين والديمقراطية:
ثلات مقولات تجسد مسؤولية الحاكم في الدين الأسلامي،الأولى للخليفة عمر بن الخطاب:( لو عثرت دابة في العراق لخفت ان يسألني الله عنها: لم لم تصلح لها الطريق ياعمر؟). والثانية للأمام علي:(يا ولاة امور الناس لا يكن حظكم في ولايتكم مالا تستفيدونه ،او غيظا تشفونه، ولكن اماتة باطل واحياء حق.والثالثة للأمام الحسين:)خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي) لأنه وجد (ان الحق لا يعمل به ).
هذا يعني ان مسؤولية الحاكم في الدين الاسلامي هي نفسها في الديمقراطية ،فكلاهما يهدفان الى خدمة الناس وتحقيق العدالة الاجتماعية.فأين منها قادة احزاب الأسلام السياسي الشيعي والسني الذين حكموا البلاد والعباد اربع عشرة سنة عملوا بالضد من قيم الدين الاسلامي والديمقراطية.والسبب نوجزه في أن تسييس الدين او تدّين السياسة يؤدي الى استغلال المشاعر الدينية لدى الجماهير الشعبية في سبيل تحقيق مصالح اصحاب السلطة الحاكمة ،واستخدام العنف باسم الدين..وهذا ما جرى في العراق الديمقراطي بضرب المتظاهرين السلميين بالرصاص المطاطي والغازات المسيلة للدموع وسقوط جرحى وشهداء،لمطالبتهم بالأصلاح ومحاسبة الفاسدين،برغم اعتراف الحكومة والمرجعية وقادة الأحزاب بان ما حصل من فساد لم يشهده تاريخ العراق..ما يعني ان الدين يكون بالضد من الديمقراطية..يبتلعها حين يكون في السلطة.
في ضوء ذلك تتأكد صحة فرضيتنا من ان تناقض الأضداد في ثلاثية (الشخصية العراقية والدين والديمقراطية) لن تفضي الى رفاهية العراقيين بالرغم من انهم يعيشون في وطن يمتلك ثلاث ثروات:تحت الارض وفوقها وثالثة في العقول،ما لم ينحسر التضاد ويتقارب الأنسجام..وتلك هي مهمة القوى المدنية والتقدمية والدينية المنفتحة.

25 / 11 / 2017