سميرة أحمد ... خيوطٌ في حب مصر


فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن - العدد: 5682 - 2017 / 10 / 28 - 17:12
المحور: الادب والفن     

كيف تتحوّلُ "الخيوطُ" إلى "أحجار"؟ ليس إلا على يدِ ساحرة تمتلك عصًا سحريةً في نهايتها نجمةٌ لامعةٌ تخطف عيونَ الأطفال وتشغل أحلامَهم بعوالم مدهشة جميلة، لا محلّ لها من واقعنا البليد الجامد المحزون بالويلات والحروب. المطلوب إذن ساحرةٌ تلعب بالأشياء وُتبدّل في تركيبها الفيزيائي؛ ليتحوّلَ شيءٌ إلى شيء. ولكن عصورَ الساحرات قد ولّت ولم تعد موجودةً إلا في كتب الحكايا وحواديت الجنيّات. لكنه يحدثُ أن تتحوّل خيوطٌ ناعمةٌ مجدولةٌ في ثوبٍ أنيق، إلى أحجار صلبةٍ تبني وتُشيّد. يحدث هذا فقط في خزانة سيدةٍ حسناءَ نبيلةٍ؛ نبتت كزهرة مشرقة من أرض مصر الطيبة.
في يوم الجمعة 13 من هذا الشهر كان الاحتشادُ في نادي الجزيرة حول تلك النجمة الآسرة التي حصدت قلوب المصريين. فتحت لنا خزانات ملابسها التي ظهرت بها في أعمالها الدرامية، حتى نقتطف من زهورها ما نشاء، ونضع في صندوق "تحيا مصر" ما تجودُ به أيادينا، لتكون قطرةً في شلال هادر من حب هذا الوطن مصرَ صانعة الحضارة وكاتبة السطر الأول في كتاب التاريخ غزير الصحفات. في هذا المعرض الخيريّ المبهج، الذي أقامته الفنانة الوطنية، شاهدتُ بعيني كيف أن الأشياء الجامدة تحمل طاقة حية، تعيش وتتنفس وتنفعل وتحنّ وتحزن وتفرح مع أصحابها. اجتمعت نساءُ مصر حول خيوط الفنانة لتنتقي كلٌّ منّا ثوبًا من أعمالها، في حبّ مصر: د. مايا مرسي، د. غادة والي، د. هالة السعيد، وغيرنا الكثير رموز مصر السياسية والفنية، لنشهد معجزة تحول الخيوط الملونة إلى أحجار تبني وطن.
هذا الفستان من فيلم "أم العروسة"، سوف يتحول إلى حجرٍ في مشروع جديد لإسكان الشباب حتى يتزوّجوا. وهذا الثوب من فيلم "الشيماء"، سيكون نواةً لمدرسة جديدة تعلّم أطفالنا العلوم والفنون والأخلاق. وذلك الجلباب الرثّ الممزق من فيلم "الخرساء"، سيكون حجر الزاوية في مؤسسة تساعد الصامتين على الجهر بالقول والنغم.
تلك هي "سميرة أحمد"، ذات الملامح الحاسمة العذبة الآسرة. بوجهِها الذي يليقُ بامرأة تامةِ الأنوثة، تامةِ الذكاء، تامةِ الوعي، تامةِ البأس، في آن. من ابتسامتها العذبة، نتعلم أن قوةَ الشخصية، لدى المرأة، لا تتناقضُ مع الأنوثة، بل هي أحدُ أهمِّ أركانها، عطفًا على الثقافة والوعي وامتلاك زمام النفس.
مَن بوسعه أن ينساها فتاةً عربية جسور، زار بيتَها حشدٌ من سادة العرب لتُطربهم شاديةُ بني سعد، فهتفت الشيماءُ غاضبةً: "ويحَكم! أجاريةٌ تؤمَر؟ بل حرةٌ أغنّي ما أشاء وقتما أشاء!” وحينما أهانها عِكرمةُ بن عمرو بن هشام، أحدُ أشرافِ قريش، لم تصدع لجبروته، ولا رهِبَتْ بطشَه، بل رمته بـ"الجَهول بن أبي جهل". ثم أشهرت سيفَها ووخزت عنقَه أمام الناس قائلةً: “لا يتكلّمُ عن الأدبِ مَن عدِمَه!”
مَن ينساها فارسةً تمتطي صهوة الحصان بين الفرسان العُتاة شاهرةً سيفَها الممشوق في وجه الظالمين، وهي تشدو: حسبه الله معه"؟! ومن ينساها سيدة واعية قادمة من جنوب مصر إلى أبناء شقيقها بالقاهرة لتُقوّم سلوكهم وتقودهم إلى خانة الأخلاق دون سيف أو عصا، ليس إلا ريشةً من طائر الحب دائم الشدو؟!
كنتُ قد وعدتُ روّاد صالوني الشهري بمفاجأة في صالون أكتوبر. وحان أن أعلنها في مقالي هذا. ضيف الشرف لهذا الصالون ستكون الغرّيدة الجميلة "سميرة أحمد"، لتمنح شباب الحاضرين شيئًا من رحيقها ونُثار الألماس الذي جمعته طوال تجربتها الفنية العامرة. وأما مفاجأتي الشخصية لرواد صالوني بعد يومين، فهي أنني سأرتدي أحد فساتين "سميرة أحمد" من فيلم أم العروسة، ذاك الذي اقتنصتُه من معرضها الخيري في حب مصر، ليتحول في خزانتي إلى أيقونة في حب مصر. تحية احترام للفنانة التي ستُشرّف منصّة مكتبة مصر الجديدة الأحد القادم 29 أكتوبر، لتكون زهرة زهرات ضيوف الشرف.