هل تتجه الجزائر نحو نظام كولونيالي جديد بعد55سنة من تحريرها؟


رابح لونيسي
الحوار المتمدن - العدد: 5571 - 2017 / 7 / 4 - 23:09
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

هل تتجه الجزائر نحو نظام كولونيالي جديد بعد 55سنة من تحريرها؟

البروفسور رابح لونيسي
- جامعة وهران-


تحتفل الجزائر يوم05جويلية بالذكرى55 لإسترجاع الإستقلال الوطني في جو لامبالاة عام، فأنعدم الحديث عن الثمن الذي دفعه الجزائريون من أجل إقامة دولتهم الوطنية وطرد الإستعمار الفرنسي البغيض، وأكثر من هذا تعيش الجزائر اليوم إنهيارا ملحوظا ومخيفا وصعودا مريبا وخطيرا لأصحاب المال الفاسد، وما نخشاه هو مطابقة طرح بن خلدون عن مسار وتطور الدولة في بلادنا المغاربية على الجزائر، حيث يقول بن خلدون في تتبعه مسار الدول المغاربية، بأنها في مرحلتها الأخيرة سيأتي جيل ينسى التضحيات وتاريخ إقامة تلك الدولة، فيقل الإهتمام بالإحتفاظ عليها، فتبرز مظاهر إنهيارها، ولهذا دائما ندعو إلى التذكير بتضحيات شعبنا لأبنائنا وأطفالنا كي تكون منبها لكل الأجيال ومذكرا بالثمن الغالي الذي دفعناه من أجل التحرر وإقامة دولتنا الوطنية.
كما لاحظنا سكوت تام عن مطلب تجريم الإستعمار ومطالبة فرنسا بالتعويض لما نهبته من بلادنا طيلة 132 سنة بداية بنهبها خزينة القصبة في1830، والتي تقدر بآلاف ملايير الدولارات بحسابات اليوم، لكن ما نستغربه هو السكوت التدريجي لدى الجزائريين سلطة وشعبا عن إصدار فرنسا قانون تمجيد الإستعمار في 23فيفري2005، والذي يعتبر الإستعمار الفرنسي عملا إيجابيا في بلداننا، ومنها الجزائر، وهو ما يعكس الآية، فبدل ما نطالب فرنسا الإستعمارية بالإعتراف بجرائمها والتعويض المادي والمعنوي لما أقترفته أيديها، فإنها ستطالبنا هي بتعويضها لما تراه أنه قد أنجزته في الجزائر حسب خطابها العنصري الإستعماري الذي كان يروج أكاذيبها القائلة بأن الجزائر كانت فارغة وصحراء قاحلة قبل مجيئها في 1830، وأنها من صنع فرنسي، ولهذا عمدت منظمة الجيش السري الإرهابية إلى إحراق بلادنا عشية إسترجاع إستقلالنا في1962 بدعوى إعادتها لما كانت عليه قبل إحتلال أرضنا وقتل ملايين الجزائريين وسلب ونهب خيرات أرضنا وتحطيم هويتنا وقيمنا وتفكيك مجتمعنا وتدمير عمراننا وكل إنجازاتنا الحضارية.
يجهل الكثير من المؤرخين وما بالك بعامة الناس بأنه توجد إلى حد اليوم 14 دولة أفريقية تدفع لفرنسا جزء من ميزانيتها كضريبة لما يسمى ب"ضريبة الإستعمار والرق"، وقد وضعت هذه الضريبة عندما طالبت هذه الدول بالإستقلال عن فرنسا، وكانت أول ضحية لذلك هي غينيا، فعندما طالب الزعيم الوطني الغيني أحمد سيكوتوري بإستقلال بلاده، وضغط بذلك بوسائل عدة لجأت فرنسا الإستعمارية في1958 إلى تدمير الكثير من المنشآت في غينيا بدعوى أنها هي التي أنجزتها، مما دفع سيكوتوري إلى التنازل نوعا ما عن بعض مطالبه، فمنذئذ أصبح ذلك شرطا فرضته فرنسا على مستعمراتها، فمن أرادت الإستقلال من مستعمراتها فعليها إما تدميرها أو تدفع ما تسميه "ضريبة الإستعمار والرق" كمقابل أو تعويض لما أنفقته ما تراه فرنسا الإستعمارية منجزاتها ومنشآتها في هذه البلدان، فمنذ تلك الفترة كلما حاول رئيس أفريقي لهذه الدول 14 التخلص من دفع هذه الضريبة المهينة تعرض لإنقلاب عليه من ضباط صغار نصبتهم فرنسا الإستعمارية، ويعد ذلك أحد الأسباب لحوالي 26 إنقلابا عرفتها هذه الدول في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي.
لعل الجزائريون لا يسمعون بذلك لأن المفاوضون في إيفيان رفضو هذه الضريبة المهينة جملة وتفصيلا، كما واجه الثوار محاولات منظمة الجيش السري تنفيذ ما تدعيه تدمير وإحراق ما أنجزته فرنسا في الجزائر.
لكن بعد أكثر من 55سنة يبدو أن الجزائر قد عادت إلى نقطة البداية، فعاد الكولون بطريقة أخرى بعد ما سيطر المال الفاسد على دواليب الدولة، وبدأت تبرز بجلاء مظاهر الولاء لفرنسا من خلال الإرتباط بها، فهؤلاء لايبالون بالجزائر، بل سيبالون بجيوبهم وما سيكسبونه من أموال، فمصالحهم الإقتصادية والمالية مرتبطة أكثر بفرنسا وغيرها من الدول الرأسمالية التي تنتج السلع وتسوقها عبرهم إلى الجزائر بعد تحطيمهم لإقتصادها الوطني المنتج، ولهذا يجب على الجزائريين أن يفهموا جيدا التسمية التي نطلقها على هؤلاء والذي يجب ترويجه بقوة في أذهان الشعب، وهي تسمية "الكمبرادور" التي كانت تطلق في الأصل في القرن التاسع عشر على خدام الأوروبي قبل ان ـاخ مفهومها ودلالتها الإقتصادية اليوم والمقصود بها مستوردو السلع الرأسمالية إلى أسواق دول العالم الثالث، فهو ما يعني في الأخير خدمة إقتصاد وصناعة الدول الرأسمالية الكبرى، أي بتعبير آخر خدام الأوروبي خاصة، والغربي الرأسمالي عامة، فتسمية الكمبرادور بهذا المفهوم هي التسمية الحقيقية التي يجب أن تنطبق عليهم وترويجها بقوة، فبالأمس الإستعماري عانى الجزائريون من "الكولون الأوروبي" و"الحركى" وغدا سيعانون من كولون جدد وحركى آخرون نسميهم ب"الكمبرادور"، فما نخشاه هو عودة فرض هذه الضريبة المهينة التي تحدثنا عنها، فتطبق على الجزائر، هذا إن لم تكن تطبق الآن بأشكال أخرى، وإلا كيف نفسر إعطاء فرنسا كل المشاريع الإقتصادية على حساب مصالح الجزائر اليوم ومساعدتها عند كل أزمة إقتصادية تلم بها؟، فكلما أفلست شركة فرنسية سارعت عناصر من السلطة في الجزائر إلى إنقاذها بإعطائها إستثمارات أو أسواق، فلاتختلف ممارسات هؤلاء الكمبرادور عن ممارسات الكولون في الماضي الإستعماري البغيض، فسيربط هؤلاء الجزائر أكثر بباريس كما ربطها الكولون الأوروبيون في الماضي.
فبعد55سنة من إسترجاع الجزائر إستقلالها سيطر المال الفاسد على دواليب الدولة، كما سيطر أيضا على أغلب الأحزاب السياسية في الجزائر، فهم يزحفون بطرق شتى، وكأنهم متفقون على خطة محددة للسيطرة على هذه الأحزاب كلها، ومنها الأحزاب المحسوبة على اليسار بكل توجهاتها التي بنيت في الأصل على مباديء العدالة الإجتماعية وخدمة الكادحين ومحاربة الإستغلال بكل أشكاله، ويستهدف غزو أصحاب الأموال لكل هذه الأحزاب إفراغ الساحة الجزائرية من أي قوة بإمكانها المقاومة والوقوف في وجه مصالحهم، فقد لاحظنا كيف وضع أصحاب هذه الأموال قوائم أغلب المترشحين للبرلمان الجزائري في الإنتخابات التشريعية في 04ماي2017، وكيف تزايد عددهم اليوم بشكل كبير في هذا البرلمان، وسننبه كل أصحاب الضمائر الحية والوطنيين أينما وجدوا بأن هؤلاء سيسيطرون على كل الأحزاب إذا تواصلت الأمور على هذه الشاكلة، ولم يجدو قوة تواجههم بداخل هذه الأحزاب، وسيتحكمون في كل البرامج السياسية لهذه الأحزاب، ويفرغونها من كل بعد إجتماعي، فلن يبق حينئذ أي برنامج إجتماعي في خدمة الكادحين، بل ستصبح كل هذه الأحزاب ملكية خاصة لأصحاب هذه الأموال ومجرد أداة لخدمة مصالحهم الخاصة، وذلك ليس فقط على حساب الكادحين والبسطاء والمحرومين، بل على حساب إستقلال الجزائر كلها، وسينتهي البعد الإجتماعي للثورة الجزائرية التي كان المحرومين والفلاحين والعمال ركيزتها وقاعدتها الإجتماعية، والذين أطلق عليهم فرانز فانون "المعذبون في الأرض"، فمن هي القوى والتنظيمات والأحزاب التي ستدافع بعد ذلك عن هؤلاء "المعذبين في الأرض" -حسب المفهوم الفانوني- أو "المستضعفين في الأرض" -حسب المفهوم القرآني-، فقد ضحى هؤلاء وكافحوا ضد الإستعمار كي يتحرروا سياسيا وثقافيا وإقتصاديا وإجتماعيا، وليس كي تقع الجزائر ومنهم أبناءهم مرة أخرى في يد كولون جدد يستغلونهم، ويعيدون ربط الجزائر بفرنسا الإستعمارية خدمة لمصالحهم، فالرأسمالي أو بأصح العبارة الكمبرادور في البلاد التابعة للرأسمالية العالمية لا وطن ولا دين له، فلا يهمه إلا جيبه، وما يجنيه من أرباح التي لاتتحقق له إلا بتزايد إرتباطه بالقوى الرأسمالية العالمية، ومنها فرنسا، فلنحذر من هؤلاء فهم العدو.

البروفسور رابح لونيسي
- جامعة وهران-