ماذا يختفي وراء عملية طوفان الأقصى في فلسطين؟


رابح لونيسي
الحوار المتمدن - العدد: 7765 - 2023 / 10 / 15 - 16:20
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

ان ما يعيشه الشعب الفلسطيني اليوم من مجازر ومأساة يندى لها جبين الإنسانية ليس جديدا عليه، فمنذ النكبة في 1948، وهو يعيش مأساة مماثلة يتم تناسيها بسرعة بعد ما يخمد ذلك التعاطف الظرفي الذي ينتهي ببيانات التنديد والصرخات في الشوارع كأنها أداة تنفيس لا غير تعرف مختلف الأنظمة كيف تسيرها، وتتحكم فيها، فتتكرر مأساة أخرى بعد فترة يمكن أن تكون سنوات أو شهور.
فحتى بعد صدور قرار تقسيم فلسطين على يد الجمعية العامة للأمم المتحدة في 2نوفمبر1947 تبعتها نفس السلوكات والممارسات التي تحولت إلى ثابت من ثوابت العقل السياسي العربي، ففي الوقت الذي كانت الحركة الصهيونية بقيادة وايزمان وبن غوريون تحضر نفسها لإقامة كيانها مباشرة بعد إنسحاب البريطانيين كانت شعوب العالم العربي تتظاهر في الشوارع فقط منددة بهذا القرار المجحف دون أي تفكير أو تخطيط إستراتيجي لمواجهته. فما منع الفلسطينيون من إقامة دولتهم على تلك الآراضي التي أبقاها لهم قرار التقسيم في 1947 ثم يفكرون في تحرير باق الأرض التي أخذها الكيان الصهيوني ظلما وعدوانا؟، فلا داعي للتذكير لما لقاه الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة من سب وشتم وتنديد عندما قال ذلك، وطالب الشعب الفلسطيني بذلك، فلم يكن وراء ما لقيه بورقيبة إلا تصفية حسابات أيديولوجية وسياسوية معه من أنظمة وتيارات أيديولوجية حولت القضية الفلسطينية إلى أداة لخدمة مصالحها لا غير. ولو نعود إلى ما قاله بورقيبة آنذاك، فإن الفلسطينيين يطالبون اليوم بأقل من ذلك بكثير جدا لأن هناك قاعدة تعلمناها من التاريخ، وهي أن الشعبوية والمغالاة والتطرف مدمر لأصحابه ولكل القضايا العادلة. فقد خسر الشعب الفلسطيني كثيرا على يد مختلف المتطرفين مهما كانت توجهاتهم الأيديولوجية.
فقد تبين لنا بعد عقود بأن الشعب الفلسطيني كان ضحية إستغلال قضيته من أنظمة وتيارات ايديولوجية بتواطؤ من غوغاء تحركها العواطف التي تستغلها هذه الأنظمة والتيارات كأداة لتوطيد نفوذها وإنتشارها لا غير، فلا داعي لنا للتذكير بان حتى الملك فاروق في مصر تم نصحه بمهاجمة الكيان الصهيوني الناشيء في 1948 ليس بهدف تحرير فلسطين، بل لتوطيد نفوذه وسلطته. فهذا كان سلوك كل الأنظمة التي تداولت على البلاد العربية، ولهذا فجميعهم لا يريدون إيجاد حل نهائي لهذه القضية لأنها سلاح وأداة تستخدم لإكتساب الشعوب وتخديرها وتعزيز سلطة هذه الأنظمة، فحول هؤلاء القضية الفلسطينية من قضية تحرر شعب يعاني من سلب آراضيه إلى قضية متعلقة بالسلطة في دول المنطقة، ولا يمكن لنا سرد الكثير من الأمثلة عن ذلك، ويبدو أن ما يقع مؤخرا في فلسطين غير بعيد عن ذلك بكثير، هذا إن لم نقل أنه يدخل في مخطط كبير تواطأت فيه عدة أطراف كما سنوضحه.
يظهر لكل متابع لشؤون الشرق الأوسط بأن حركة حماس الفلسطينية بعمليتها طوفان الأقصى التي جاءت في الذكرى الخمسين لحرب أكتوبر1973 أنها ستعيد عملية شبيهة بذلك، وستعيد إحياء القضية الفلسطينية ودفع المجتمع الدولي للإهتمام بها مجددا، خاصة انها عرفت إهمالا منذ سنوات بعد ما دخلت أغلب الدول العربية في عملية تطبيع مع الكيان الصهيوني، وكان آخرها محاولات التطبيع السعودية التي تعد أخطر عملية تطبيع لأنها ستجر وراء ذلك الكثير من الشعوب المسلمة بسبب المكانة الدينية للسعودية. وهو ما يدفع إلى الإعتقاد بأن أحد أهداف عملية طوفان الأقصى هو إجهاض وإيقاف عملية التطبيع السعودي مع الكيان الصهيوني برعاية أمريكية؟.
فلو عدنا إلى حرب أكتوبر1973 التي فرح بها العالم العربي كثيرا معتقدا أنها إنتصار، فهي في الحقيقة كانت مخططة مع أمريكا التي اوحت للسادات بذلك كي يتم تحريك قضية الشرق الأوسط، مما سيسمح لكيسنجر من بالدخول إلى الساحة بسياسته خطوة-خطوة التي انتهت في الأخير بمعاهدة كامب ديفيد في عهد جيمي كارتر1978 بعد زيارة السادات إلى الكيان الصهيوني في 17نوفمبر1977. فأنبثق عنها أول تطبيع مع الكيان الصهيوني، لكن أخرج أكبر دولة عربية من الصراع العربي- الصهيوني، ليفسح المجال للكيان الصهيوني كي يلعب كما يريد في المنطقة أمام دول مواجهة ضعيفة، ليتبعها تطبيع شامل اليوم في إطار مشروع قديم - جديد هو الشرق الأوسط الجديد الذي وضع خطوطه شمعون بيريز في بداية التسعينيات بعد حرب الخليج الثانية في1991 التي أضعفت كثيرا العالم العربي بعد غزو صدام حسين للكويت الذي لقي دعما شعبيا من الغوغاء في هذه المنطقة التي تحركها العواطف كما قلت، لتجد نفسها في يد كماشة أعدائهم الذين وظفوا تلك العواطف لأهداف ومخططات ضد مصلحة هذه الشعوب.
استغل الكيان الصهيوني عملية طوفان الأقصى بنفس الأسلوب الذي أستغلت فيه أمريكا هجمات11سبتمبر2001 بكل إنعكاساته الكارثية على العالم الإسلامي آنذاك، فقد صورت العملية بأنها عملا عدوانيا على الكيان الصهيوني يعطيه الحق الشرعي في الدفاع عن النفس بكل الوسائل، وساعده في ذلك إعلام غربي متحيز للكيان الصهيوني، بل حتى مجلس الأمن لهيئة الأمم المتحدة أجتمع لمناقشة ما أعتبره "عدوانا" على هذا الكيان، وهذا يحدث لأول مرة منذ نشأة الكيان الصهيوني. كما ظهر كاتب الدولة للخارجية الأمريكي بلينكن بصفة يهودي بتقديم دعم غير مشروط للكيان الصهيوني، وهو نفس ما ظهر به هنري كيسنجر أثناء حرب أكتوبر 1973، مما جعلنا نعقد مقارنات معتقدين بأنه سيقوم بنفس دور كيسنجر منذ نصف قرن في الشرق الأوسط.
لكن الكيان الصهيوني وحلفائه لا يهمهم الفلسطينيين بقدر وضعهم مخطط رهيب لإسقاط مصر التي تعد الدولة المركزية في النظام الإقليمي العربي، فدخول مصر في فوضى وسقوطها معناه انهيار كل العالم العربي. نعتقد أن عملية تهجير سكان غزة معناه دفعهم للهروب تجاه مصر وحدودها، وبذلك سيتم محاصرة هذه الدولة المركزية من كل الجهات بعد الفوضى في ليبيا ثم حرب أهلية في السودان أضرت كثيرا بمصر بفعل الهجرات السودانية اليها، إضافة إلى سد النهضة الإثيوبي الذي سيضعف تدفق مياه النيل على مصر، وممكن نشوب حرب مع إثيوبيا حول المياه، ستكون فرصة لإنهاك الجيش المصري، ويقع لها نفس ما وقع للصومال في عهد سياد بري الذي دخل في حرب مع إثيوبيا، فكانت نهاية دولة الصومال، وبذلك سيتم محاصرة مصر من كل الجهات، فتسقط مثل الثمرة المتعفنة، وسيتبعه سقوط دول أخرى في فوضى بحكم الفوضى والخراب الذي تعرفه أقوى دولة في النظام الإقليمي العربي بكل تأثيراتها. فإن ضعفت مصر، سيضعف كل العالم العربي، فهي مثل باريس في القرن18، فكل ما عطست باريس تعطس معها كل أوروبا، وبالنسبة للعالم العربي، فكلما مرضت مصر مرض معها كل النظام الإقليمي العربي.
ان التساؤل والبحث عن نشأة حركة حماس الفلسطينية كبديلة لمنظمة التحرير الفلسطينية، والتي كانت سببا في تشتت الشعب الفلسطيني يمكن أن يجيب على الكثير من الأسئلة، فعلينا الإشارة أن نشأة حركة حماس لم تشتت فقط الشعب الفلسطيني، بل كل نضاله التحرري أيضا، وحولته من قضية إنسانية وحركة تحرر وطنية إلى مسألة دينية، وبأن الصراع مع الكيان الصهيوني هو صراع ديني يدخل في إطار صدام حضاري خطط له بإحكام، مما يفقد القضية الفلسطينية الدعم العالمي، خاصة من المسيحيين، وحتى يهود وبوذيين وغيرهم لأن الموقف من فلسطين سيتحدد على أسس دينية، وليست على أسس إنسانية وتحررية.
كما أضعف ميلاد حركة حماس المشروع الفلسطيني الذي تبنته منظمة التحرير الفلسطينية، وهو إقامة دولة فلسطينية لائكية على كل ارض فلسطين يعيش فيها الجميع في مساواة تامة مهما كانت معتقداتهم أو أصولهم، وهو ما يمكن تسميته اليوم ب"دولة مواطنة" مثل جنوب أفريقيا بعد القضاء على نظام التمييز العنصري. كما دفع ميلادها إلى خشية الكثير من مسيحيي فلسطين الذين لعبوا دورا هاما في النضال الفلسطيني مثل جورج حبش ونايف حواتمة والمطران كابوتشي الذي يعد أطول سجين، لكن تناساه العالم بعد صعود حركة حماس. فلنشر ان مشروع دولة لائكية فلسطينية الذي اقره ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية هو مشروع دعمته كل الأنظمة التقدمية في منطقتنا، ومنها جزائر بومدين الذي كان يطالب ذلك في حينه.
كما يجب علينا وضع في الحسبان أن حركة حماس هي تنظيم من الإخوان المسلمين لها علاقات وطيدة مع الحركة الأم التي ظهرت في مصر على يد حسن البنا في 1928، والتي كادت أن تأخذ السلطة نهائيا في مصر بدعم تركي أثناء ما سمي ب"الربيع العربي" في 2011 الذي تحول إلى خريف مدمر للمنطقة بعد ما سارت فيها الشعوب بعواطفها دون أن تدرك ان هناك مخططا رهيبا ضدها كان وراء ذلك الربيع مستغلة الأوضاع السياسية والإقتصادية والإجتماعية المتدنية في هذه البلاد.
وفي الأخير نقول هل ستتعرض مصر إلى ضغوط لضم جنوب غزة إليها بحكم أن غزة كلها أرض مصرية في الأصل مع إفراغ شمالها من سكانها وتهجيرهم إلى جنوبها وتحويل الشمال إلى منطقة عازلة لضمان أمن الكيان الصهيوني مع الإبقاء على حركة حماس في الجنوب التي ستجد نفسها في صدام مع النظام المصري الذي قمع حركة الإخوان المسلمين، فتتوجه بسلاحها إلى هذا النظام الذي سيدخل في دوامات أخرى، وممكن حتى وصول إسلاميين إلى السلطة في مصر، مما سيدخلها في فوضى، وممكن ان تصبح قاعدة لسقوط كل دول المنطقة في يد هؤلاء الإسلاميين بكل إنعكاساته الأمنية والسياسية والإجتماعية والثقافية والدينية، وعلى رأسها تفتت دول المنطقة وظهور كيانات ضعيفة وصغيرة على أسس دينية وطائفية التي يسعى الكيان الصهيوني لإنشائها كي يعطي شرعية دينية له في المنطقة، ويصبح هو الكيان الأقوى الذي سيتلاعب بكل هذه التناقضات والكيانات الدينية والطائفية الضعيفة لصالحه.