دفاعا عن مبدأ المواطنة وليس عن ألبير كامو


رابح لونيسي
الحوار المتمدن - العدد: 7592 - 2023 / 4 / 25 - 18:53
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

أثار الكاتب ألبير كامو Albert Camus الكثير من اللغط والغموض حوله إلى حد اليوم منذ أن أجاب في لحظة غضب على مجموعة طلاب جزائريين عند إستلامه جائزة نوبل في الآداب حول موقفه من الثورة الجزائرية فقال "لو طلب مني أن أختار بين أمي والعدالة، سأختار أمي"، وبتعبير آخر هو إعتراف منه بعدالة قضية الجزائريين، لكنه يرى في نفس الوقت أن إسترجاع إستقلالهم يكون بالنسبة إليه نوع من الإنتحار الذاتي بسبب الخوف الذي كان ينتابه مما سيتعرض له هو وأوروبيي الجزائر من تهميش وإقصاء. فهذا الموقف هو الذي جلب له غضب الكثير من أصدقائه الجزائريين مثل قطيعة الروائي الجزائري مولود فرعون معه بعد مطالبته له بالتراجع عن هذا الموقف، وأيضا رسائل لمثقفين جزائريين آخرين له يطالبونه بالعودة عن هذا الموقف مثل رسالة أحمد طالب الإبراهيمي وغيرهم له. كما أثار هذا الموقف قطيعة مع صديقة جان دانيال Jean Daniel الذي كان يكتب معه في أسبوعية إكسبريس Express الصادرة بباريس. فهي الأسبوعية التي أنشأها صحافيون وكتاب كبار كفرانسوا مورياك François Mauriac في 1954، وكانوا في البداية قريبين من الإشتراكي بيير منديس فرانس Pierre Mendès France. فجان دانيال هو أحد أوروبيي الجزائر اليساريين المؤيدين للثورة الجزائرية، فهو من مواليد البليدة جاءت أسرته إلى الجزائر في القرن19، كما كان من أبرز أعضاء ما يسمى "مغرب سيركوس Maghreb circus" التي تضم مجموعة كبيرة من صحافيين كانوا على إتصال بقيادات الثورة الجزائرية التي يدعمونها، كما عملوا على لعب دور وسيط فيما بعد بين هذه القيادات والسلطات الفرنسية في باريس، خاصة مع شارل دوغول بعد1958. نجد ضمن هذه المجموعة إعلاميين كبار مثل ألبير بول لانتين Albert Paul Lentin وجون لاكوتور Jean Lacouture وغيرهم الكثير لا يمكن لنا ذكرهم كلهم لأن ما يهمنا في هذه المقالة البسيطة هو التساؤلات المطروحة حول موقف كامو من الثورة الجزائرية: فهل كان كامو إستعماريا أم قال مقولته في لحظة غضب أم كان وراء ذلك كله قلقا وأسبابا أعمق؟.
هناك إختلاف حول تفسير موقف كامو، فمنهم من يعتبره جزائري بأتم معنى الكلمة، حيث عاش في الأحياء الشعبية الجزائرية كبلكور (بلوزداد اليوم)، وهو من بسطاء أوروبيي الجزائر. عانى هو وأمه من البؤس والإستغلال ومرارة العيش في طفولته، كما دافع بقوة عن حقوق الجزائريين الذين كانت تسميهم فرنسا الإستعمارية ب"المسلمين" أو الأنديجان أي الآهالي، ونزعت منهم جزائريتهم وكل الحقوق الإجتماعية والسياسية والثقافية. فقد رفض كامو ذلك كله، وثار ضده، فكان يطالب بالمساواة في الحقوق والواجبات لكل ساكنة الجزائر سواء كانوا مسلمين، وهم السكان الأصليين أو كانوا ذو أصول أوروبية تنقل الكثير منهم إلى الجزائر منذ بدايات الإحتلال الفرنسي للجزائر في 1830، ويسمونهم ب"الأقدام السوداء". كان كامو يطالب بذلك تطبيق مبدأ المواطنة بشكله الكامل لكل ساكنة الجزائر مهما كان أصلهم أو معتقداتهم أو لسانهم وغيرها حتى ولو لم يستخدم هذا المصطلح بشكل واضح. فقد كان يدعوا إلى القضاء على النظام الإستعماري المبني على التمييز العنصري بين المسلمين والأوروبيين أين كانت تقف فرنسا وحكوماتها بباريس إلى جانب الأوربيين على حساب المسلمين. فطالب الكثير من القادة الوطنيين الجزائريين بإتخاذ موقف عادل بينهما. فلم يكن يختلف مطلب كامو في الحقيقة تماما عن مطالب مختلف فصائل الحركة الوطنية الجزائرية سواء كانت التيار الإستقلالي الممثل في نجم شمال أفريقيا ثم حزب الشعب ثم الحركة من أجل الإنتصار للحريات الديمقراطية بقيادة مصالي الحاج أو فرحات عباس أو جمعية العلماء المسلمين الجزائريين أو الحزب الشيوعي الجزائري. فلم يكن يطالب أي أحد من هذه التيارات أو الفصائل بطرد الأوروبيين بما فيهم قادة الثورة الجزائرية، ولم تأت هذه الفكرة عند أي احد منهم، فمطلبهم يتلخص في القضاء على نظام إستعماري يميز بين أقلية أوروبية أستولت على كل شيء، وأقصت أغلبية ذات ديانة مسلمة، ومنعتهم من كل حقوقهم السياسية والثقافية والإقتصادية والإجتماعية. فلم يختلف كامو في مطالبه عن فرحات عباس ولا مصالي الحاج ولا بن باديس ولا الأمير خالد حفيد الأمير عبدالقادر الذي انبثقت عنه هذه التيارات كلها، حيث كان يطالب بالمساواة في الحقوق والواجبات دون أي تمييز أو تهميش أو إقصاء لأي طرف كان في الجزائر.
لكن لم تكن مطالب فصائل الحركة الوطنية في الجزائر تتوقف عند ذلك فقط، بل كانت تطالب بإستقلال الجزائر وإقامة دولة جزائرية مستقلة عن فرنسا يعيش فيها الجميع كمواطنين جزائريين في كنف المساواة في الحقوق والواجبات بينهم جميعا سواء كانوا مسلمين أو ذو أصول أوروبية، أي إقامة دولة جزائرية شبيهة بجنوب أفريقيا اليوم بعد ما تخلصت من نظام التمييز العنصري بعد نضال طويل بقيادة نيلسون مانديلا. نعتقد أنه يجب أن يكون مبدأ لحل القضية الفلسطينية بإقامة دولة- مواطنة يعيش فيها كل ساكنة فلسطين كلها مهما كانت أصولهم أو ديانتهم بعد القضاء على نظام تمييز عنصري يمارس على غير اليهود كما كان يمارسه أوروبيو الجزائر ضد المسلمين، وكذلك مارسه بيض جنوب أفريقيا ضد السود وذوي الأصول الهندية وغيرهم، فقد شرحنا موقفنا هذا من القضية الفلسطينية في عدة مقالات سابقة.
يعرف عن كامو دفاعه عن الجزائريين الذين كانوا يدعونهم بالمسلمين آنذاك من خلال كل كتاباته في صحيفة "الجزائر الجمهورية Alger Républicaine" اليسارية، ومنها سلسلة مقالاته حول البؤس في منطقة القبائل التي زارها، فكتب سلسة مقالات في هذه الصحيفة (أعداد من 01جوان إلى 15 جوان1939) أين يصور، ويفضح فيها النظام الإستعماري وكل أكاذيبه، ومنها ترويجه بأنه يقوم بعملية تمدينية في الجزائر، وهو في الحقيقة دفعهم إلى البؤس والجوع والعبودية. فهذه المقالات الصحفية لا تختلف عن ما صوره صديقه مولود فرعون بعد سنوات في روايته "إبن الفقير" أين أوصل إلى كل العالم من خلال روايته هذه بؤس الجزائريين وبشاعة النظام الإستعماري.
يعتقد البعض أنه لا يمكن لنا فهم مقولة كامو التي جلبت له كل هذا الغضب اليوم إلا في ظروف العنف الذي عرفته الجزائر بعد إندلاع ثورتها التحريرية، والتي كانت تمس في نظره كل ساكنة الجزائر سواء كانوا مسلمين أو ذو أصول اوروبية. هذا ما دفعه إلى كتابة ندائه في جريدة لوموند عام 1956 يدعو فيه إلى هدنة تحمي المدنيين مهما كانت معتقداتهم أو أصولهم، مما أدى إلى لقاء قاعة سينما ماجستيك (الأطلس اليوم) بباب الواد بالعاصمة الجزائرية يوم 22جانفي1956. فقد شارك في هذا اللقاء أو التجمع الشعبي الكثير من الشخصيات الجزائرية كفرحات عباس والشيخ الطيبي العقبي على سبيل المثال لا الحصر، وقد كان هذا التجمع تحت حماية جبهة التحرير الوطني الجزائرية وبتنسيقها مع كامو ذاته كما يذكر ذلك بالتفصيل المناضل الجزائري وأحد قياديي الثورة التحريرية وجبهة التحرير الوطني محمد لبجاوي في مذكراته المعنونة ب"حقائق حول الثورة الجزائرية" ((Vérités sur La Révolution Algerienne الذي نشره عام 1968 بباريس. فقد كانت الثورة الجزائرية وقياداتها مع هذ اللقاء والتجمع الذي جاء بمبادرة من كامو، والذي أفشله غلاة المعمرين الأوروبيين، وكادوا أن يغتالو كامو ذاته. فمنذئد أتخذ كامو موقفا بعدم الكتابة والتطرق للقضية الجزائرية حتى اليوم الذي قال فيه تلك المقولة الشهيرة " لو أخترت بين العدالة أو أمي، سأختار أمي" بإستثناء تقديمه مذكرة في 1958 يطرح فيه ما يراه حلا للقضية الجزائرية أين كان حريصا على حماية الحقوق السياسية والثقافية والسياسة والإقتصادية لأوروبيي الجزائر بعد إسترجاع الجزائر إستقلالها. كما كان كامو يطالب بضرورة التعايش بين مسلمي وأوروبيي الجزائر في رسالة له إلى المناضل الإشتراكي الجزائري محمد عزير كسوس التي نشرها في جريدة "communautée Algerienne" (عدد 01أكتوبر1955) أين ينطلق في رسالته من الرغبة في العيش المشترك، وأن المصلحة العامة للطرفين يفرض عليهما قبول بعضهما بعضا. نشير أن هذه الفكرة قد قالها الفرنسي إرنست رينان في محاضرته "ماهي الأمة؟" في 1882 أين يضع الرغبة في العيش المشترك عنصرا أساسيا من العناصر المكونة للأمم، وهو نفس الطرح الذي نجد بقوة في كتابات فرحات عباس مثلا.
ان بحثي في هذه المسألة جعلتني أقع على مقالة كتبها الصحافي جان دانيال في المجلة الشهرية "دراسات متوسطية Etudes méditerranéennes " )عدد شهر أفريل من عام 1960 ) يقول فيها جان دانيال بأنه عندما نقل بيان المثقفين الفرنسيين 121 إلى كامو لتوقيعه قال له بأنه يرفض التوقيع رغم تأييده لما ورد فيه، لأنه في الوقت الذي يدعم فيه هؤلاء المثقفين ما يعتبره حقوق الجزائريين المسلمين، فإنه يتجاهل تماما ما يعتبرهم جزائريون ذو أصول أوروبية. فمن خلال هذا المقال فهمت مسالة هامة أدركها كامو، وهو خشيته من الإنتقال من نظام إستعماري همش الجزائريين المسلمين، ويمارس ضدهم تمييزا عنصريا إلى نظام معاكس أين تنتقل الحالة من ممارسة تمييز عنصري معاكس ضد أوروبيي الجزائر، هذا في الوقت الذي لم يخلد إلى ذهن أي أحد بأن الأوروبيين سيرحلون عن الجزائر بعد إسترجاع إستقلالها بما فيهم قادة الثورة التحريرية. يعود رحيل الأوروبيين بسبب الخوف من إنتقام المسلمين الجزائريين منهم بسبب ما أرتكبه النظام الإستعماري ضدهم وتحت غطاء حماية الأوروبيين من مجازر يندى لها جبين الإنسانية، خاصة بعد المجازر التي ارتكبتها منظمة الجيش السري التي انشأها غلاة المعمرين الأوروبيين الذين رفضوا أي حق للمسلمين الجزائريين، فهناك أيضا عدة عوامل أخرى وراء ذلك ليس هنا مجال تناولها، فهو موضوع يحتاج إلى مقالة أخرى.
ففي الحقيقة طرح كامو مسألة حقوق المواطنة للجميع دون أي تمييز كان، فعندما يتحدث عن أمه، فهو يقصد بأن وقوفه مع الثورة التحريرية يمكن أن تكون عملية إنتحار لأنه حسب جان دانيال كان يدرك أن الإتجاه المحافظ داخل الثورة التحريرية الذي يطالب بجزائر عربية مسلمة يمكن أن يأخذ السلطة في 1962 على حساب جناح آخر حداثي يؤمن بمبدأ المواطنة وبجزائر جزائرية تشبه الولايات المتحدة الأمريكية.
فلو تتبعنا كل كتابات المثقفين الذي ساندوا الثورة التحريرية نلاحظ أنهم لم يدركوا هذا التوجه الموجود داخل الثورة إلى جانب توجهات أخرى بفعل إحتكاكهم بقيادات ومناضلين جزائريين حداثييين فقط يؤمنون بمبدأ المواطنة، خاصة الذين كانوا بقوة ضمن فيدرالية فرنسا لجبهة التحرير الوطني الذي طمأنوا هؤلاء بأن الجميع، سيجدون أنفسهم في الجزائر بعد إسترجاع إستقلالها. بل نجد فيلسوفا مثل فرنسيس جونسون مسؤول "شبكة جونسون" المعروفة التي تضم مثقفين يساريين كان يعتقد أن الثورة الجزائرية هي منطلق لثورة إشتراكية عالمية، فكان الكثير يرى ذلك، وهو ما يفسر قدومهم إلى الجزائر بعد إسترجاع إستقلالها للمساهمة فيما يعتبرونه قاعدة للثورة الإشتراكية العالمية، وهم الذين يسمونهم ب"الأقدام الحمراء". فقد كتبت عنهم كاترين سيمون Cathrine Simon كتابها "سنوات جزائر الأقدام الحمراء مابين 1962و1969Algerie-Les années pieds rouges-". فلنشر أن الثورة الجزائرية كانت لها عدة خطابات، فهناك خطاب موجهة للعرب والمسلمين وخطاب آخر موجه للأوروبيين، خاصة اليساريين منهم ليس فقط كي تكسب الجميع إلى جانبها، بل يعود ذلك إلى تعدد هذه الخطابات الذي هو تعبير عن تعدد التوجهات الأيديولوجية داخل الثورة. ويظهر ذلك بجلاء في مجلة المجاهد لسان حال جبهة التحرير الوطني أثناء الثورة التحريرية حيث تختلف الطبعة الفرنسية كثيرا عن الطبعة العربية.
فقد أعترف هؤلاء المثقفين الذين دعموا الثورة الجزائرية، ومنهم جان دانيال ذاته في مذكراته "الوقت المتبقي Le Temp qui reste" المنشورة في 1973 أنهم أخطأوا في قراءتهم للثورة الجزائرية وإكتشافهم لهذا الإتجاه المحافظ بعد 1962 بسبب إحتكاكاتهم بقيادات حداثية على عكس كامو الذي ادرك، وعرف هذا الإتجاه مبكرا، ولهذا رفض أن ينتحر-حسب تعبير دانيال-. ونحن نعلم جميعا كيف عانى الكثير من أوروبيي الجزائر الذين وقفوا إلى جانب الثورة، وعجزوا عن الحصول على الجنسية الجزائرية بعد 1962، فتمت عرقلتهم تدريجيا، وتم دفعهم شيئا فشيئا إلى الرحيل، وقد تحدث هؤلاء عن ذلك، ويمكن العودة حول ما عاناه هؤلاء إلى مذكرات هنري علاق "سنوات جزائرية". ففي الحقيقة، فقد سيطر الجناح المحافظ على بعض دواليب الدولة الوطنية الجزائرية تدريجيا منذ1962، خاصة سيطرته على مختلف الأدوات الأيديولوجية كالمدرسة والإعلام والمساجد وقطاعات الثقافة والعدالة التي سلمها لهم الرئيس هواري بومدين الإشتراكي والحداثي نسبيا كي يسكت هذا الجناح ، ويضعه تحت جناحه، كما سلم أيضا الإقتصاد لليساريين والإدارة للبيراليين لنفس الأسباب والدوافع، أي إسكاتهم وإكتساب دعمهم له.
لم يهمش هذا الجناح المحافظ أوروبيين كافحوا إلى جانب الثورة الجزائرية فقط، بل عانى منهم أيضا عدد كبير جدا من مسلمين جزائريين أعطوا النفس والنفيس من أجل تحرير الجزائر، ليجدوا أنفسهم تحت مخالب إخوان لهم همشوهم وأقصوهم إلا لأنهم يرونهم مختلفين عنهم، مما أدى اليوم إلى تهديد حتى وحدة الجزائر ذاتها بفعل هذه الممارسات المنافية لكل حقوق المواطنة ومبدأها المكرس للمساوة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين وإحترام الآخر المختلف عنا.
فما يؤسف له في جزائر اليوم أنه بعد أكثر من 60 عاما من استرجاع الجزائر إستقلالها بتضحيات ملايين الشهداء عجزت على بناء وتمتين وحدة الأمة الجزائرية بكل أبعادها ومكوناتها الإسلامية والعربية والأمازيغية والأفريقية والمتوسطية وغيرها، بل وقع العكس تماما بسبب الإقصاء والتهميش الذي مورس على بعضها، وهو ما جعل ماكرون ينفي وجود هذه الأمة كما كان ينفيها الإستعمار الفرنسي من قبل. كما وقع تراجع رهيب في عملية بناء هذه الأمة وتمتين وحدتها في السنوات الأخيرة، مما ينذر بإنفجار كما وقع في دول مثل سوريا والعراق وليبيا والسودان وغيرها بحكم سيطرة أنظمة تحمل أيديولوجيات شمولية إقصائية ترفض أي إختلاف، ولا تؤمن بمبدأ المواطنة أين يحترم كل مواطن مهما كان معتقده أو لسانه أو لونه أو ما يعتقده أنه أصل له، ولا يسعى أي كان إلى فرض ما يعتقده على الآخرين، أي بتعبير آخر تبقى هذه القضايا مسائل خاصة بكل مواطن. فما يؤسف له أكثر هو عودة نظرية الفرنسي موريس طوريز بقوة اليوم، والتي قالها في 1939، والتي تقول بان "الجزائر أمة في طور التكوين، وهي تتشكل من 20عرقا"، أي بمعنى انها لم تصل بعد إلى أمة كي تطالب بإسترجاع إستقلالها. فكل هؤلاء "المثيقفين والسياسويين" الذين صدعوا رؤوسنا اليوم ب "أوهامهم العرقية"، (أركز بقوة على مصطلح "أوهام عرقية"، خاصة كلمة "أوهام") هم في الحقيقة يكررون نفس نظرية موريس طوريز، ويؤكدون عليها متناسين ظاهرة التزاوج والمصاهرة والإختلاط وغيرها عبر آلاف السنين، والتي لا تترك أي عرق نقي مهما كان، فظاهرة التزاوج والاختلاط والمصاهرة عبر التاريخ شكلت ما نسميه اليوم بالشعب الجزائري والأمة الجزائرية.
لكن لانستبعد أن هؤلاء المثيرين لهذه العصبيات والأوهام العرقية تحركهم بوعي أو دون وعي اطراف معادية للجزائر تريد منهم تفجيرها على أساس هذه الأوهام، فإن وقع ذلك سيتحول الجزائريون إلى أضحوكة بين الأمم، فيقولون عنهم بأنهم تقاتلوا، و دمروا وطنهم بناء على "أوهام عرقية". فمتى يتبنى الشعب الجزائري فكرة "الجزائر الجزائرية"التي معناها "أننا جزائريون وكفى" دون أي إضافات أخرى، وان هويتهم الثقافية، وليست العرقية كما يعتقد البعض تتشكل من مثلث ذهبي هي الإسلام والعربية والأمازيغية، وأي محاولة إقصاء لأي واحد منها معناه سقوط وانهيار هذه الأمة الجزائرية كما يسقط هذا المثلث.
إن غرس مبدأ المواطنة وإحترام الآخر والالتزام به مهم جدا، كما يجب مواجهة كل هذه العصبيات التي يروج لها "مثيقفون وسياسويون" يعانون من عقد نفسية، والبعض منهم تحركهم اطراف عدوة هدفها تفجير الجزائر من الداخل في إطار حروب الجيل الرابع والخامس، كما تحركها أيضا أطراف داخلية في إطار سياسة فرق تسد بين الجزائريين للإبقاء على مصالحها السياسية والإقتصادية لا غير.