فلسطين: 68 عاماً من الدم والدموع .. ماذا بعد ؟!


عبدالله أبو شرخ
الحوار المتمدن - العدد: 5238 - 2016 / 7 / 29 - 11:53
المحور: القضية الفلسطينية     

هذا المقال ليس اصطفافاً مع مشروع أوسلو أو مشروع المقاومة المسلحة، لكنها محاولة ناقدة لفهم حقيقة أوضاعنا بعد 23 عاماً على اتفاق أوسلو، وكذا بعد 68 عاماً من المقاومة المسلحة !
إن غزة والضفة الغربية من الناحية القانونية والواقعية هي مناطق حكم ذاتي مهما حاول المستفيدون تجميل وتزوير الواقع، وهي أوضاع لا تختلف من حيث الجوهر عما عرضته إسرائيل علينا في مشروع روابط القرى في مطلع الثمانينات، فكيف تم تزوير حكم إداري ذاتي إلى مسمى دولة ؟! وهل المقاومة قادرة على تحرير فلسطين بالقوة المسلحة ؟؟! والأهم من كل ذلك، ما هو الوضع القانوني لغزة ؟؟ هل هي محررة فعلاً كما اعتقدنا عشية الانسحاب أحادي الجانب في 2005 ؟؟! أما أنها محتلة بشكل أكثر استحكاماً وسيطرة وتغولاً ؟؟! هل هي منطقة حكم ذاتي كما تصنفها شركة غوغل أم أنها إمارة إسلامية ( تحكم بما أنزل الله ) ؟!

أي متاهة تلك التي نعيشها في غزة في ظل حصار خانق ؟! أي مستقبل هذا الذي ينتظر شباب غزة في ظل استفحال الفقر وتفشي البطالة ؟! كيف نتفهم أن يخرج مريض بالسرطان من غزة إلى نابلس بمفرده دون مرافق بدعوى " أمن إسرائيل " ؟! وفي ظل وحش الفقر الذي ينهش لحم الناس ودمائهم، كيف تجبرنا حكومة حماس على دفع ضرائب ومكوس خيالية ؟؟! هل يعقل أن يغطي فقراء غزة 40 % من استهلاك مؤسسات حماس لكهرباء هي أصلا باهظة التكلفة ؟؟!
ثم إغلاق المعابر على الناس لعقابهم على اختيارهم المغلوط في اقتراع 2006 ؟! أعرف شاباً من غزة حصل العام الماضي على معدل 94 % وكانت أمنيته أن يدرس الطب. حصل على قبول في جامعة الإسكندرية ولم يتمكن من المغادرة وضاعت عليه السنة. فاضطر أن يعيد التقدم لامتحان الثانوية العامة وحصل على 96.2 % على أمل أن يحصل على قبول طب الأزهر بغزة، وأيضاً لم يوفق لأن المعدل المطلوب هذا العام هو 97 % ، في حين أن معظم جامعات العالم تقبل بمعدل لا يزيد عن 80 % لكلية الطب. الشباب في غزة طموحهم ينهار أمامنا ومستقبلهم مجهول، ولا ننسى 14 ألف مريض بالسرطان بمعدل 125 حالة شهرياً في ظل افتقاد غزة لجهاز المسح الذري أو حتى العلاج الكيمياوي !

أما العمال الذين عاشوا في ورشات العمل الإسرائيلية من 1970 ولغاية اتفاق أوسلو 1994، فقد تقطعت بهم السبل وتحولوا كلهم إلى متسولين على أبواب الأونروا والمؤسسات الدولية ! غزة بها الآن أكثر من 300 ألف عاطل عن العمل، بلا وظائف ولا مصانع ولا مزارع، فهل هكذا يكون تحرير فلسطين حقاً ؟؟! الأونروا نفسها أعلنت مؤخراً أن 80 % من سكان غزة يعيشون على المساعدات !

السؤال الساخن الذي ينهض هو، لماذا لا تستقيل حماس بعد تجربة عشر سنوات من الموت والدمار والفقر والحصار ؟؟! لماذا لا نذهب مجدداً لانتخابات تشريعية ورئاسية بدلاً من إضاعة الوقت في انتخابات محلية لن تسهم في فك الحصار ؟! ثم ماذا تستطيع البلديات أن تقدم في ظل سيطرة حماس الأمنية والاقتصادية المطلقة على غزة ؟؟!

ثم ما هذه الدعايات الانتخابية الحربية ؟! هل البلديات وزارة حربية ؟؟! التنظيمات تستعرض تاريخ عملياتها العسكرية التي فشلت في تحرير فلسطين !
ثم ما هذه المزايدات الرخيصة الوهمية على مجرد الاعتراف بإسرائيل ؟! نحن في الواقع من يحتاج إلى اعتراف إسرائيل بنا كشعب له حق الحياة، أما هي فتبيعنا الكهرباء واللحوم وتقنية الاتصال والإنترنت ونستخدم عملتها في حياتنا اليومية ولا نسافر إلا بإذن من مخابراتها ؟؟! هي دولة موجودة بحكم الواقع .. احتلال، استيطان، تهجير، قتل، هل كل هذا يقوم به الوهم والفراغ أم دولة متقدمة منظمة تتحكم في كامل ما يخص حياتنا ؟؟!
ثم ماذا بعد التطبيع العلني للعرب مع إسرائيل ؟! ماذا بعد التطبيع القطري والتركي ؟! وهل موافقة إسرائيل على تحويل أموال رواتب حكومة غزة إلا ترسيخ لمشروع فصل غزة الذي خطط له حزب العمل بقيادة إسحق رابين ؟؟! نعم نحن نسير قدماً في مشروع سيحول غزة إلى منطقة معزولة جغرافياً وسياسياً واقتصادياً عن العالم إلا عن الاقتصاد الإسرائيلي نفسه .. هذه هي الحقيقة وهي الكارثة الوطنية التي يجب أن نتصدى لها !
والحقيقة أن غزة ما زالت منطقة محتلة، وبالتالي تقع على دولة الاحتلال كامل المسؤولية عن تقديم جميع الخدمات المدنية لسكانها، وطالما أن كلاً من مشروع التفاوض ومشروع المقاومة قد اصطدما بالحائط .. فلماذا لا نفكر بصورة جديدة غير تقليدية ؟؟! هل حياة الناس في غزة بلا قيمة ولا هدف إلا إهدار رواتب الموظفين للإنفاق على مؤسسات حماس الخاصة ؟؟! هل سنظل نعيش في سجن مدى الحياة ؟؟!

لا يمكن للعقل إلا أن يفكر بعمق في أسباب المأساة، فنحن لم نصلح لإدارة شئوننا الذاتية، ولم نسعى لتكوين إنتاج وطني مستقل، ولم نعمل على تحديث مناهج التعليم كما فعلت اليابان وسنغافورة والصين، إذن لماذا نقبل بأن تحكمنا إسرائيل بالوكالة من خلال سلطة ذاتية في غزة والضفة ؟؟! لماذا الاحتلال المجاني، وليته مجاني فقط، بل احتلال يدر على الدولة المحتلة مليارات الدولارات سنوياً .. فلماذا لا نطالب بحقوقنا منها بواقعية تراعي الفشل الذريع لمشروع الدولتين، والفشل الذريع للمقاومة المسلحة التي لم تجلب سوى الموت والدمار وعودة غزة إلى القرون الوسطى ؟! لماذا لا نطالب جميعاً بحل السلطة وفرض واقع الدولة الواحدة على إسرائيل، لننضم لتجربة أهلنا في 48 ؟؟!

الخلاصة:

1- يجب التأكيد على فشل حل الدولتين الذي لا يتعدى الآن فصل الفلسطينيين في معازل ومخانق وسجون متلاصقة.
2- الضفة تعيش حكماً ذاتياً ولا وجود لشيء اسمه دولة فلسطينية ومشروع التفاوض وصل إلى طريق مسدود منذ استشهاد الراحل عرفات !
3- مشروع المقاومة العنيفة والمسلحة وصل أيضا إلى طريق مسدود من خلال استخدام المدنيين دروعا بشرية !
4- يجب حل السلطة وحل المقاومة والشروع في مفاوضات جادة مع إسرائيل من أجل العودة إلى ما قبل الانتفاضة الأولى، أي فتح إسرائيل كامل المجال أمام عمال غزة، وعودة التصدير والاستيراد والتحويلات البنكية، وكذلك فتح المعابر بما في ذلك السماح لأهل غزة والضفة بالسفر من خلال مطار اللد، تماماً مثلما كان الوضع عليه قبل 1987 !