في البحث عن نهاية: سأشرب من النهر !


عبدالله أبو شرخ
الحوار المتمدن - العدد: 5210 - 2016 / 7 / 1 - 12:26
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

حينَ يصيرُ الحرفُ في مدينةٍ

حشيشةً يمنعُها القانونْ

ويصبحُ التفكيرُ كالبغاءِ ، واللّواطِ ، والأفيونْ

جريمةً يطالُها القانونْ

حينَ يصيرُ الناسُ في مدينةٍ

ضفادعاً مفقوءةَ العيونْ

فلا يثورونَ ولا يشكونْ

ولا يغنّونَ ولا يبكونْ

ولا يموتونَ ولا يحيونْ

نزار قباني / على هامش هزيمة حزيران
----------------------

هذه المقالة ستكون آخر محاولاتي التنويرية البائسة، لأسباب سأذكر بعضاً منها في المقال.

نعم أنا محبط ويائس وحزين، فقد اكتشفت مؤخراً، وبعد فوات الأوان، أن العقل العربي عقل لا يراكم المعرفة، ما يعني أننا قد نكتب ونشرح القضية ( أ ) ثم ننتقل إلى القضية ( ب ) ثم نبحث عن السؤال ( جـ ) .. إلى أن يتكون لدينا فكر حر متكامل يستهدف كرامة الإنسان وحريته وحقوقه المكفولة في جميع الدول التقدمة. الأمور في العالم العربي لا تسير على هذا النحو أبداً، إذ يجب البدء يومياً من جديد، فما قاله ابن سينا والرازي والبيروني وابن حيان والتوحيدي والمعري قبل ألف عام لا يمكن قوله الآن في الألفية الثالثة، أي أننا تراجعنا إلى الخلف أكثر من ألف عام !

الشعب الفلسطيني فقد قواه التنويرية، وفقد كل إدراك لمفهوم ميزان القوى، فأصبح يطالب بفلسطين التاريخية وبقتل اليهود بالسكاكين، فيما يقتل الشعب نفسه بالبنادق الآلية في صراع العشائر، والتي لا نرى منها شيئاً في مواجهة الجيش !

أن تفكر بشكل مختلف، أن تفكر في موت البشر انتحاراً بالصواريخ الموجهة، فأنت شاذ وغريب ومنبوذ، أو كما قال المبدع نزار ( التفكير عند العرب يشبه البغاء واللواط والأفيون ). بمعنى أنه يوجد إجماع شعبي فلسطيني على إزالة إسرائيل من الوجود لتحرير كامل فلسطين، لكن يبقى السؤال المعلق: كيف ؟؟! كيف سنواجه طائرات F-35 والغواصات الست والصواريخ الموجهة بالليزر ؟؟! كيف نقلم أنياب السفن الحربية التي تمارس البلطجة والقرصنة في مياه غزة ؟؟!

وعودٌ إلى بدء، فقد كتب توفيق الحكيم مسرحيته الشهيرة " نهر الجنون "، حيث قام سكان البلدة بالشرب من النهر المسحور، فتغيرت سلوكياتهم وطرائق تفكيرهم، ولم يبق في البلدة سوى الوزير والملك. الملك أصبح في تحدي قاس، إذ كيف يمكن علاج شعب بأسره، بل إن الملكة قد جمعت كبير الكهنة ورأس الأطباء للبحث عن وسيلة لعلاج الملك على اعتبار أن تصرفاته غريبة وشاذة، لم يجد الملك والوزير في النهاية بداً من أن يشربا من النهر المسحور، لكي تتسق تصرفاتهم مع بقية الناس.

--------------------------------------

أنا الآخر سأشرب من نهر الجنون، لن أكتب المقالات التنويرية، ولن أنتقد العقل العربي والفلسطيني، لن أنتقد الجهل، فالتنوير قضية خاسرة، والدليل إعدام ابن المقفع ثم فرج فودة ( لاحظوا البون الشاسع زمانياً ) !

قد أتحول لأكتب في الأدب، لفئة وشريحة محددة من الناس، لكن لن أتحدث مع العوام في مقالات مباشرة، رغم وجود جمهور كبير من الشباب المتعطش للمعرفة، فالكتب موجودة وعليهم أن يشرعوا بمشروع بناء الذات من خلال القراءة والاطلاع، أما أنا فسأنهي مقالاتي بالأبيات التالية:

نساؤنا للإنجاب والتكاثر والازدحام

لا كلام بعد الكلام

شمسنا خجولة وضبابنا كثيف

لا رؤية للضعف .. لا وضوح للهزال

لا قيمة للحياة .. لا قيمة للحريات

عبيد وإماء وانفصام !

نقدس الهزيمة، ونعشق الموت،

ونرفع أيدينا بشارة النصر

ورحم الله من قال:

العرب منذ ألف عام

يزنون بالكلام !

01 / 07 / 2016