عن التظاهر في لحظتنا الراهنة


محمد دوير
الحوار المتمدن - العدد: 5144 - 2016 / 4 / 26 - 20:10
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

التظاهر فعل سياسي جماعي يمارسه البشر كحق أصيل لهم ونصت عليه مواثيق حقوق الإنسان الدولية ، وهو مكون رئيسي من مكونات العمل السياسي ، وصورة من صور الاحتجاج العلني الذي قد يكون منظما أو غير منظم .وقد وضعت قوانين التظاهر في مصر إبان الاحتلال الانجليزي وتحديدا ابتدا من 1914 ، ومنذ ذلك الحين والقوانين الجديدة والمعدلة تتوارث وضع الضوابط والحدود له بحيث يكون تقييم التظاهرة في يد سلطات الأمن أو السلطة التنفيذية ، وكذا بحيث يقيد الاحتجاجات العمالية والشعبية التي قد تهب جراء غلاء الأسعار أو تجاوزات غير مقبولة من سلطة الحكم .
والتظاهر كان هو الوسيلة الأكثر ممارسة لدي المصريين في السنوات الخمس الماضية ، بدءا من 25 يناير وحتي مظاهرات الأرض الأخيرة في عهد حكم السيسي، وقد خرج المصريون في تظاهرات متباينة الحجم والقوة في كل مراحل الحراك الثوري الحالي ، سواء في الايام الأخيرة لمبارك أو عهد المجلس العسكري أو اثناء حكم الإخوان أو عدلي منصور أو السيسي ، ولسوف تستمر التظاهرة بشكل عام هي الخيار الأقرب للمصريين والوسيلة الأكثر تعبيرا عن غضبهم العام .
ورغم أن التظاهر عموما يجب أن يكون محصلة لنشاط وحشد واقعي يمتد بجحم المشكلة سبب التظاهر ، بمعني أن يكون التظاهر نتاج لعمل منظم وهدف محدد ؛ إلا أن غياب هذا الهدف لا يعني أن التظاهر في حد ذاته أمر غير مقبول ، فالتظاهرة في ذاتها نوع من ممارسة الحق في الغضب ، يجب استغلاله وتوظيفه سياسيا ، ولكن غياب التوظيف السياسي لا يعني التوقف عن التظاهر ، ذلك أن الحركة في الشارع هي الوعاء الوحيد الذي يمكن من خلاله إنضاج أي فعل سياسي، وربط القضايا النظرية بمواقف عملية، وتوصيل رسالة الي الجميع في السلطة والمعارضة أن الحراك الشعبي هو أهم وسائل جذب الانتباه، إضافة الي أن التظاهر يضع طرفي المعادلة في المواجهة ، بغض الطرف عن التكافؤ بينهما ، فالحق في ذاته قوة .
وقد تناثرت في الساعات والأيام القليلة الماضية طلقات نقد واستهانة بعدد الذين نزلوا الشارع احتجاجا علي التنازل عن جزر مصرية للسعودية، ورغم محدودة الذين احتجوا واعترضوا إلا أنهم استطاعوا أن يحدثوا تأثيرا بالغ القيمة وأن يبعثوا برسائل بالغة القوة الي الجميع ، الي السلطة : حيث الحراك مازال حيا لم يمت، وحيث الامكانية لم تزل موجودة ولم تختفي ، وحيث ذكريات الماضي القريب حينما احتشد الشعب ضد سلطة القهر لم يزل يعيش في الذاكرة.. ثم الي المعارضة : حيث إمساك العصي من المنتصف لا يؤدي الي نتائج ، وحيث اللعب علي الحبال ليس في صالح أحد ، وحيث الرهان علي السلطة يؤدي الي الهلاك ، وحيث تزيف وعي الناس ليس عملا شريفا ، وحيث البديل لابد أن يخلق علي الأرض وليس عبر تفاهمات مع النظام. ... ثم الي الشباب : حيث الواقع مر، والثورة عليه فريضة ، وحيث السياسات الحالية لا تعرف سوي الإفقار والبطش ، وحيث ترصد الشباب صار سمة السلطة وأنصارها...
لذلك صار التظاهر .. هو المعني والمبني والغاية والهدف ..ليس لتحقيق مكاسب سياسية فقط ، ولكن لكي يدرك الجميع أن الشارع لم يزل هو الخيار الأول ، وأن أي سلطة تفشل في حل مشلات الجماهير وفقراء الوطن لن تستمر طويلا ، وأن التفريط في حقوق الأوطان ليس أمرا سهلا. صار التظاهر قيمة سياسية وشعبية ، حتي لو تقلصت الأعداد ، فالحق في ذاته قوة كما قلنا ، وأصحاب الحق هم هؤلاء الذين لا يجدون قوت يومهم ، ولا يرون مستقبل أيامهم في ظل هذا النظام البائس الذي اعتقد أن بإمكانه اسكات الجميع ، وإذا بنفر من شباب هذا البلد الأمين ينتفض في مشهد صدم الكثيرين بعد أن ظنوا الثورة صارت من أفعال الماضي.
قيمة التظاهر الآن .. هو التعبير عن الوجود ، عن الرفض ، عن الاعتراض ، فحينما يغيب العمل المنظم ، وتظل الثورة مفتقدة الكثير من آلياتها العملية يصبح التظاهر هو القيمة الثورية المضافة ، فالاعتراض هو بداية السير في الطريق الصحيح ، طريق ثورة بدأت ولم تنتهي بعد ، وحتما سيأتي ذلك اليوم الذي ترفع فيه راية النصر..فقط لو أمنا بأنفسنا ، وتجاهلنا النيران الصديقة ، وبقينا في الشارع علي قدر ما تستطيع قوانا أن تصمد.
دمتم للثورة .. ودامت الثورة لكم ...