هل صارت الكتابة بديلا للانتحار ؟


محمد دوير
الحوار المتمدن - العدد: 6607 - 2020 / 7 / 1 - 19:11
المحور: حقوق الانسان     

يعيش المثقف العربي اليوم في حالة اغتراب وجودي حقيقية، وفي لحظة عاصفة يبدو فيها انفصال روحه عن جسد هذا العالم. ففي ظل انسداد الآفاق السياسية والثقافية وانهيار كافة المشاريع النهضوية والتقدمية ؛أصيب الكاتب العربي بحالة هلع من تلك الضغوط التي تتراكم عليه من جهات عدة، ضغوط تصرخ في وجهه بأنه أصبح خارج معادلة التغيير والتأثير والفعل الإيجابي.مع تراجع الإصدارات ، والكتابات التأسيسية، والأفكار الكبرى، من أجل خلق عالم جديد، ووطن جديد ، ومستقبل يشعر فيه المثقف أنه من المساهمين في صناعته وتأسيسه. وبدا الواقع أكثر لا قابلية للاستجابة لنداءات المثقف، وتصوراته عن العالم. فلا صار قادرا علي إيقاف نزيف الهزيمة، ولا انكسار الانسان العربي المعاصر ، ولا اندفاع الجميع تجاه العبثية والفوضوية. بل صار المثقف العربي – بفعل عوامل كثيرة – مجرد ايقونة غابت عنها الدلالات، واطارا مفرغا من السلطة، وعقلا عاطلا عن الانفعال، وممثلا غير قادر علي اقناع جمهور الصالة بما يقول.
انتزع الواقع المهزوم من المثقف العربي قدرته علي الكلام، قدرته علي التفاعل، وانسحبت الجماهير العربية من ساحات النضال الاجتماعي والثقافي والطبقي الي معارك من نوع جديد لا تهدف سوي لمتعة استهلاك الوقت والزمن وتفريغ الأماكن من مضامينها.. تحول كل شيء حولنا الي صراخ بلا صدي، وبكائيات بلا مآسي ، وهرطقات تضاعف من حدود اللاوعي.
يكتب المثقف اليوم ، ليس لكي يسمع الناس، بل لكي لا يستسلم هو لليأس فيهرب من الحياة نفسها، وينتحر انتحارا يخرجه من معادلة الاغتراب الكئيب، والاكتئاب المستمر. يكتب لمجرد أن يفسح مكانا مناسبا يدخل منه الاوكسيجين الي رئتيه، الي وجدانه لكي يستطيع أن يقاوم كل هذا التردي.. يكتب حتي لو لم يجد شيئا مفيدا يقوله.
وفي اعتقادي أن المجتمعات العربية لم تمر بمرحلة ضاعت منها فيها الأحلام ، واختفت منها فيها الإرادة ؛ مثلما يحدث اليوم، فصيحات حرب الجميع ضد الجميع يبدو أنها تتم بلا منطق، واللطميات الحسينية تزاد كل يوم بين جميع التيارات السياسية والأيديولوجية، والثوابت انحلت من عقالها، والمفاهيم تذبذبت مضامينها، والمصطلحات صارت بلا دلالة، فتحول المثقف الي أشبه بكائن خرافي أو اسطورة قديمة نسمع عنه ولا نراه، نقرأ له وكأن الكتابات نقشت علي صفحة ماء. والغريب أن غالبية المثقفين يدركون ذلك، يدركون أنهم لا يكتبون إلا لأنفسهم ولذويهم من المهتمين، ورغم ذلك يصرون علي الكتابة بنهم وإصرار وتواصل غريب، وكأن كرة الثلج تنمو مع صدي الفراغ، وكأن مواصلة الكتابة تزداد كلما فقدت تواصلها مع الناس..
في مجتمع عربي ..انشغل فيه الناس بالسوشيال ميديا وبما تقدمه من تلاعب بالغرائز وتأكيد علي التفاهات، صار المثقف عبئا علي مجتمعه، وعلي نفسه، فلم يجد من بديل سوي الصمت أو الكتابة بغزارة بلا معني أو الانتحار والتخلص من حياة بلا هدف..
متي نتوقف عن الكتابة – ولو قليلا – لكي ندرك مواضع أقدامنا ؟ لا أعلم .. ومتي نفيق لنعلم أن الانحدار المجتمعي وصل بنا للمنتهي ؟ لا أعلم .. ومتي سيعي الجميع أنه بدون وجود حد أدني من قواعد للعبة لن نستطيع أن نتوصل الي نتائج إيجابية ؟ لا أعلم ..
حقيقة الأمر.. أنني أخشي علي المثقفين في هذا المجتمع العربي الذي ترهل حد الثمالة من فقدان من تبقي لهم من قيمة تاريخية، فيتحول بعضهم الي أموات علي قيد الحياة ، بينما ينكسر البعض الأخر فيبررون الواقع البائس ليبحث كل منهم عن قارب نجاة يضمن له ولعائلته العيش الآمن في مجتمع بدا الإصلاح فيه ضرب من العبث.
ما العمل..؟ لا أدري.