ألجوهر الحقيقي للاصلاحات المتوقعة في البلاد العربية


منير الحمارنة
الحوار المتمدن - العدد: 1227 - 2005 / 6 / 13 - 10:27
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

يمكن القول ان حديث الاصلاحات في البلاد العربية اصبح اكثر الموضوعات تداولا على مختلف المستويات.. هذا في حين تهتم قوى ودوائر خارجية بهذا الموضوع لاسباب ودوافع مختلفة. ويأتي في مقدمة القوى الخارجية التي تهتم وتتابع الموضوع، الولايات المتحدة الامريكية وحلفاؤها، وذلك لاسباب ودوافع خاصة لها علاقة بتعزيز مصالح هذه الاطراف وخططها في إحكام سيطرتها على العالم سياسيا وعسكريا وتثبيت قوى العولمة الرأسمالية المتوحشة.
ولكن ضغوط واشنطن وحلفائها، من اجل الاصلاح، والحاحها الذي يصل الى درجة التهديد لا يلغي الحقيقة الكبرى وهي ان الشعوب العربية تطالب بالاصلاح السياسي، وناضلت وما زالت تناضل من اجل الحريات العامة واشاعة الدمقراطية واحترام حقوق الانسان.. كما ان القوى السياسية الوطنية والدمقراطية في جميع البلدان العربية تدرك تماما ان القوى الامبريالية وفي مقدمتها واشنطن كانت وراء مصادرة الحريات في البلدان العربية، او ان سياساتها تسببت في ذلك، وانها ساهمت بقوة وفعالية في بناء وتدريب وتمويل اجهزة القمع في العديد من الدول العربية، وان التبدل في الموقف من الدمقراطية وحقوق الانسان من جانب واشنطن!! لا علاقة له بحاجة شعوبنا للحرية والدمقراطية بقدر ما يتعلق باحتياجات القوى الامبريالية ومراكز العولمة الرأسمالية.
والحقيقة ان تداعيات الحوار والبحث حول ضرورة الاصلاحات والتحديث قد كشفت الغطاء عن الاوضاع السائدة في البلاد العربية واخذ يساهم بشكل جدي وفعال في رسم الصورة التي يجب ان يأخذها موضوع التحديث والاصلاح.
ولا يمكننا بهذا المجال ان نلغي تأثير العوامل الخارجية الضاغطة، مع اهمية التأكيد على ان التقاطع مع بعض الشعارات والاهداف والمعطيات التي تضعها القوى الخارجية لا يعني الاتفاق معها هذا وان كنا لا نستبعد تكوّن مثل هذه الحالة، وان بعض ما جرى في لبنان، ومواقف بعض القوى يؤكد ذلك على المنطلقات والهداف، وبالتالي تكوين خندق مشترك معها.. علما ان واشنطن اخذت تشيع في المنطقة مبدأ "الفوضى البناءة"... واشنطن تبيح لنفسها حق الاتصال العلني بقوى سياسية في مختلف البلدان العربية والتباحث معها حول ادق الشؤون الوطنية والقومية والاقليمية، كما تقوم بذات الوقت في تشجيع قوى المعارضة في هذا البلد او ذاك وتشجع حركات التمرد والاحتجاج. وفي ذات الوقت فانها تضغط على جميع الدول العربية بلا استثناء لاجراء اصلاحات تراها هي ضرورية، فالامريكيون غير بعيدين عن غليان التجييش الطائفي في العراق الذي يهدد بحرب اهلية، وهم الى حد بعيد، وراء ما آلت اليه التطورات في لبنان وتعميق الانقسام الطائفي، وتغازل واشنطن العديد من القوى في مصر في ظل اتساع الانقسام الداخلي حول قانون انتخاب رئيس الجمهورية، كما ترفع الصوت مهددة سوريا.. الخ
وبعيدا عن التهديد والتدخل الامريكي، فان مختلف الظروف المحلية والخارجية، اصبحت بالضرورة تستدعي اجراء تغييرات هي في الوقت الحاضر اكثر من ضرورية لاسباب متعددة ومعروفة. واذا كانت بعض الانظمة تعتقد انها انما تمتثل للطلبات الامريكية والغربية، ففي الحقيقة فان الظروف المحلية وطبيعة الصراع في المنطقة والتحديات التي تواجه فرادى الدول العربية ومجمل حركة التحرر تتطلب الاصلاحات التي لا بد منها.
ومن خلال نظرة سريعة على الاوضاع في البلاد العربية حاليا او خلال السنوات القليلة المنصرمة، فانه يتضح ان جميع البلدان العربية تفتقر الى الحريات الدمقراطية وتخضع لسلطة الاجهزة الامنية. وان بمعدلات ومستويات متفاوتة، وتبدو الاجهزة الامنية، وان بمعدلات وتبدو الحكومات مسلوبة الارادة والفاعلية فيما يخص الموقف من الحريات العامة امام اطلاق اليد للقوى الامنية التي لا تخضع في معظم الحالات الى اية رقابة او مساءلة، هذا في الوقت الذي تخضع فيه غالبية البلدان العربية، ان لم يكن جميعها، ولو بمستويات متفاوتة، الى قوانين وانظمة الطوارئ او الى القوانين العرفية والتي تكبّر دور الاجهزة الامنية وتحولها الى القوى المتنفذة والفعالة، والتي كلما كبر دورها يتقلص دور مختلف الاجهزة المدنية التنفيذية او القضائية، ناهيك عن الغاء او تهميش الكيانات البرلمانية ان وجدت. ومن المعروف ان احكام الطوارئ المفروضة على البلدان العربية منذ عدة عقود، بحجج وتبريرات مختلفة، بعضها يتعلق بمواجهة القوى الامبريالية والصهيونية!! وبعضها الآخر يتعلق بصيانة الأمن والاستقرار هذا اضافة الى مجموعة من التبريرات.. نقول ان هذه الاحكام المفروضة ليس فقط لم تقنع احدا في اهدافها المعلنة، ناهيك عن انكشاف زيف هذه الادعاءات، بحيث ان سلطة الاجهزة التي تحكم وتتحكم بإسم الطوارئ والقوانين العرفية. شكلت غطاء للكثير من حالات الفساد والافساد، وكانت الاداة غير المراقبة لخرق حقوق الانسان واستعمال منطق القوة والقمع، وان ما اذيع عن التجربة المغربية يكفي لتأكيد كل هذا.
وان اشاعة الدمقراطية في البلدان العربية والاقرار بضرورة اطلاق الحريات العامة، حرية التعبير والتنظيم والاعتقاد، يتطلب بالدرجة الاولى توسيع قاعدة الحياة المدنية البعيدة عن الضغوط الامنية والتخويف الذي مارسته وتمارسه الاجهزة الامنية على امتداد عدة عقود، مما ولّد ما يسمى في جميع البلدان العربية بلا استثناء بالاغلبية الصامتة، هذه الاغلبية التي كانت ثمرة لممارسات قاسية، وان استمرارها تكريس للمخاوف التي لم تتبدد بعد.
واذا كانت دعوات الولايات المتحدة لاشاعة الدمقراطية في البلدان العربية تستهدف الاتيان بمجموعات الليبراليين الجدد الى الحكم في البلاد العربية، بما يخدم اهدافها ويسهل تمرير خططها، فان الجماهير الشعبية والقوى الدمقراطية تطالب بالحريات العامة واشاعة الدمقراطية من اجل حماية الاستقلال الوطني سياسيا واقتصاديا، والسير على طريق بناء التكتل والتكامل الاقتصادي والقومي، باعتباره الطريق المضمون لمجابهة التحديات الامبريالية والصهيونية وافشال مخططات التبعية المطلوب فرضها على بلداننا سياسيا واقتصاديا.
فالاصلاح المطلوب عربيا، اصلاح شامل سياسي واقتصادي، يستهدف توسيع قاعدة المشاركة الشعبية والسماح بتمثيل توجهات المواطنين باحسن الصور عن طريق صناديق الاقتراع، وبما يستند الى احترام حقوق المواطنة والتعددية الفكرية والسياسية... بمثل هكذا اصلاحات يمكن بناء جبهة قوى واسعة تتصدى لمختلف مشاريع الهيمنة وتساهم في دعم الكفاح الوطني للشعب الفلسطيني من اجل تأمين حقوقه الوطنية المشروعة، ومساندة الشعب العراقي لاستعادة استقلاله وسيادته الكاملة وبناء العراق الموحد ارضا وشعبا، ومنع التهديدات الامريكية الموجهة الى سوريا، ووضع حد للتلاعب بمصائر الشعوب التي ما زالت تمارسها بعض الانظمة.

(الأمين العام للحزب الشيوعي الاردني)