عشر سنوات على معاهدة وادي عربة


منير الحمارنة
الحوار المتمدن - العدد: 1010 - 2004 / 11 / 7 - 07:15
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق     

*في الآونة الاخيرة اخذت تتردد بين الحين والآخر التهديدات الاسرائيلية للاردن بشكل مكشوف او مبطن، أي ان الاتفاقية او المعاهدة قد انهت حالة الحرب من الناحية القانونية ولكنها لم تضع حدا للعدوانية الاسرائيلية ضد الاردن او غيره من البلدان العربية المجاورة. وفي الحقيقة ان المأخذ الاكبر، والضرر الاشد الذي نجم عن هذه المعاهدة رغم كونها حلا انفراديا، انها قد وقعت قبل ان تتم تسوية القضية الفلسطينية التي تعتبر جوهر الصراع في المنطقة*
في 26/10/2004 يكون قد مر عشر سنوات على توقيع معاهدة وادي عربة بين الاردن واسرائيل. لقد جرى توقيع المعاهدة في ظل ضغوط واسعة سياسية واعلامية واقتصادية. وكان يجري التركيز على ابراز النتائج الكبرى التي ستترتب على ابرام المعاهدة والتي لا تتوقف عند حد الغاء حالة الحرب بين البلدين، بل تتعدى ذلك الى ان المنطقة ستشهد حالة من الازدهار والنهوض الاقتصادي، وان الدول الكبرى والمؤسسات المالية الدولية ستساهم في مساندة ودعم عمليات وخطط الازدهار المرجوة. وستدخل المنطقة تدريجيا في حالة من السلام بعد انهاء الحرب مع جميع الاطراف والسير في طريق ايجاد تسوية دائمة للقضية الفلسطينية بالاستناد الى قرارات الشرعية الدولية.
وهكذا خضع الاردن لضغوط واسعة من اجل الاسراع في توقيع المعاهدة، خاصة بعد ان ابرم الجانب الفلسطيني اتفاقية اوسلو، هذا في حين جرى التأكيد على ان هذه الخطوة لا تنهي حالة الحرب فحسب، بل تطوي المخاطر التي تنجم عن التهديد بالوطن البديل!!
لقد ساهمت كل هذه العوامل في الاسراع في توقيع المعاهدة، حتى ان الطواقم المختلفة عملت ساعات طويلة للانتهاء من كل متطلبات توقيعها، علما ان المعاهدة لم تقتصر على انهاء حالة الحرب بل كانت وثيقة شاملة للعلاقة بين البلدين في مختلف النواحي السياسية والاقتصادية والامنية. حيث نصت على قيام علاقات في الجوانب الاقتصادية والامنية اقرب ما تكون الى الصيغ التكاملية منها الى العلاقات الطبيعية او الجيدة بين دول الجوار.
وبذلت الولايات المتحدة الامريكية جهودا كبيرة من اجل ابرام المعاهدة وتعاونت بشكل فعال ولاقت للنظر مع رابين رئيس وزراء اسرائيل في ذلك الوقت، الذي ساهم مساهمة فعالة في التغلب على الصعوبات التي واجهت المفاوضات بين الجانبين الاردني والاسرائيلي وكان لتحالف واشنطن – تل بيب الاستراتيجي مصلحة حقيقية في ابرام المعاهدة. لانها تساهم في فكفكة الموقف العربي الموحد ازاء الصراع العربي – الاسرائيلي وخاصة ازاء القضية الفلسطينية فالولايات المتحدة واسرائيل كانتا وما زالتا تريان في الحلول الانفرادية وسيلة للتغلب التدريجي على العقبات والصعوبات التي تسمح بادماج اسرائيل بدول المنطقة من جهة وفرض تسوية للقضية الفلسطينية تستجيب لشروط ومتطلبات الامن الاسرائيلي من جهة ثانية.
لقد ساهم توقيع معاهدة وادي عربة بعد توقيع اتفاقية اوسلو في ايجاد مناخ مؤات لحكام اسرائيل، اولا لتخفيف الضغوط الدولية التي يعانون منها بسبب الوضع المتأزم في منطقة الشرق الاوسط، وثانيا توسيع هامش تحركاتهم على الصعيد العالمي وخاصة لجهة استعادة العلاقات الدبلوماسية مع بعض الدول التي قطعتها بسبب القضية الفلسطينية والصراع العربي – الاسرائيلي او مع بعض الدول التي لم يسبق ان اقامت علاقات سياسية مع اسرائيل كالصين على وجه التحديد.
والآن، وبعد مرور عشر سنوات على توقيع الاتفاقية او المعاهدة، فلم يتوقف الامر عند توسيع هامش حركة اسرائيل على الصعيد الدولي بل ان قضايا جوهرية اخرى كشفت بوضوح خلال هذه الفترة. فلم تتقدم قضية التسوية السياسية في المنطقة كما كان متوقعا، بل على العكس زادت الصعوبات والعقبات امام ايجاد تسوية عادلة للقضية الفلسطينية تستند الى قرارات الشرعية الدولية، فقد زاد عدد المستوطنات خلال هذه الفترة وجرى تسمين مستوطنات اخرى. واصبح حكام اسرائيل يبذلون جهودا ملحوظة للتحلل من قرارات الشرعية الدولية من جهة ومن اية اتفاقات جرت مع الجانب الفلسطيني من جهة اخرى. وهكذا لم تتوقف سياسة اسرائيل التوسعية في الارض. كما جرى التراجع عن تنفيذ غالبية التعهدات التي قطعت بموجب اتفاق اوسلو والاتفاقات اللاحقة. وبذل حكام اسرائيل جهودا مكثفة لتوظيف افكار المؤتمرات الاقتصادية للشرق الاوسط وشمال افريقيا التي اقترحتها المؤسسات الدولية ومنتدى دافوس الاقتصادي والولايات المتحدة الامريكية من اجل اقامة اوسع واعمق العلاقات الاقتصادية مع مختلف الدول العربية، واختراق الجدار العربي الاقتصادي الذي كان يحول دون وصول اسرائيل الى الاسواق العربية ونجحت في ذلك سواء عن طريق العلاقات المعلنة او عن طريق العلاقات غير المعلنة، ووجهت ضربة حقيقية للاجراءات العربية بمقاومة المقاطعة الاقتصادية العربية لاسرائيل، مما ادى الى شل فاعلية مكتب مقاطعة اسرائيل. واستخدمت الدعم الامريكي لتوسيع علاقاتها الاقتصادية مع بعض الدول العربية ولتعميق العلاقات الاقتصادية مع الاردن خاصة من خلال المناطق الصناعية المؤهلة.
وكان وما زال واضحا ان العلاقات الاقتصادية التي ارادت اسرائيل اقامتها مع البلدان العربية وخاصة من خلال القطاع الخاص كان هدفها المساهمة في تخفيض الصعوبات "الجغرافية" امام التسوية في المنطقة، أي استخدام القطاع الخاص للضغط من اجل اجراء تراجعات جغرافية لمصلحة اسرائيل، كما جاء على لسان اكثر من مسؤول اسرائيلي بهذا الخصوص.
وبجانب التراجع في عملية التسوية السياسية، فان العلاقات العربية قد شهدت تراجعا حادا على خلفية الاتفاقات الانفرادية مع اسرائيل، وهو ما كانت تهدف الى تحقيقه السياسات الامريكية – الاسرائيلية من خلال الحلول المنفردة وساهمت هذه الحالة في توسيع فرص اسرائيل في الاستفراد بالجانب الفلسطيني، جنبا الى جنب مع تقليص الاهتمام بالوعود للاطراف العربية المعنية.
فلم تحترم اسرائيل المواثيق والاتفاقات مع الجانب الاردني واقدمت على محاولة اغتيال خالد مشعل في الاردن خلافا للمواثيق الموقعة بين الجانبين.
وفي الآونة الاخيرة عادت نغمة التهديد في الوطن البديل تظهر في الصحافة الاسرائيلية وعلى لسان بعض المسؤولين. كما ان بناء جدار العزل العنصري اصبح يهدد بخطوات في سياسة الترانسفير باتجاه الاردن.
وكما الحقت المعاهدة اضرارا بالغة في العلاقات العربية – العربية واضعفت الموقف العربي في قضية الصراع العربي – الاسرائيلي، فانها تسببت في اعاقة التطور الدمقراطي في البلاد. فقد كان توقيع المعاهدة سببا في انتكاس التحولات الدمقراطية التدريجية التي ابتدأت في الاردن بعودة الحياة النيابية في نهاية ثمانينيات القرن الماضي. فالاتفاقية وقعت في ظل معارضة وطنية واسعة لها، وذلك لكونها حلا انفراديا يساهم في تقوية مواقف اسرائيل، بجانب اخراج الاطراف العربية الواحد تلو الآخر من الصراع وبما يسمح بالاستفراد بالجانب الفلسطيني.
وعندما احتدم الصراع بين القوى الوطنية الاردنية مع الجانب الرسمي حول الموقف من المعاهدة ومن مفرزاتها لم تتوقف التحولات الدمقراطية فحسب، بل بدأ التراجع عن بعضها تدريجيا، كما حصل بالنسبة لقوانين المطبوعات والنشر ثم لاحقا لقانون الانتخابات ولغيرها من القوانين الاخرى.
ولان نقاط الخلاف بين القوى والاحزاب الوطنية والدمقراطية والحكومة لا تتوقف عند مبدأ توقيع المعاهدة باعتبارها حلا منفردا، بل تمتد لتشمل بعض محتوياتها كالاتفاق الامني والموقف من قضية اللاجئين ومن الارض كالباقورة وغيرها. فقد تشعبت الخلافات مما قاد الى تراجع كبير وملحوظ في موضوع الحريات العامة والتطور الدمقراطي.
وفي الآونة الاخيرة اخذت تتردد بين الحين والآخر التهديدات الاسرائيلية للاردن بشكل مكشوف او مبطن، أي ان الاتفاقية او المعاهدة قد انهت حالة الحرب من الناحية القانونية ولكنها لم تضع حدا للعدوانية الاسرائيلية ضد الاردن او غيره من البلدان العربية المجاورة.
وفي الحقيقة ان المأخذ الاكبر، والضرر الاشد الذي نجم عن هذه المعاهدة رغم كونها حلا انفراديا، انها قد وقعت قبل ان تتم تسوية القضية الفلسطينية التي تعتبر جوهر الصراع في المنطقة.

*الامين العام للحزب الشيوعي الاردني