القمة أداة لتسوية الخلافات وليس تعميقها


منير الحمارنة
الحوار المتمدن - العدد: 2215 - 2008 / 3 / 9 - 09:14
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

يحتدم الجدل وتكثر التقديرات المتعلقة باحتمالات انعقاد القمة العربية نهاية هذا الشهر، وتتفاوت الآراء بهذا الشأن، ولا شك ان مبعث الجدل المحتدم حول الموضوع وتفاوت الآراء هو العلاقات المتأزمة بين اطراف عربية لها دورها المؤثر والاساسي في العلاقات العربية الرسمية وفي صياغة الموقف العربي تاريخيا ازاء العديد من القضايا القومية. والجميع يدرك ان السبب الاهم لتأزم العلاقات العربية والذي اوصلها الى ادنى المستويات يرتبط بالظروف الصعبة المحيطة بالعالم العربي وبالتحديات الكثيرة التي تهدد أمنه واستقراره.
فالعالم العربي لا سيما المشرق العربي يجتاز اوضاعا معقدة منذ عدة سنوات بسبب الاعتداءات الامبريالية الصهيونية، وبسبب الخلافات الداخلية في اكثر من موقع. مما يضاعف المخاطر الآنية والمستقبلية على جميع الدول العربية، ولذلك فان الاهتمام بمؤتمر القمة له اسبابه المرتبطة بهذه الظروف المعقدة، فالجدل حول مصير القمة واحتمالات انعقادها لا يحدث للمرة الاولى، ولكنه هذه المرة الاكثر خطورة ليس فقط بالنسبة للموضوعات التي توضع على جدول الاعمال ولكن كذلك بالنسبة لمصير القمة التي تحولت الى مؤسسة هامة وفاعلة بالنسبة للعلاقات العربية المتبادلة وللموقف العربي من العديد من القضايا الاقليمية والدولية.
فالقوى الامبريالية وعلى رأسها الولايات المتحدة الامريكية تبذل جهودا محمومة ومتلاحقة لتقسيم الدول العربية بين معتدل ومتشدد، وتحاول اجراء مختلف الاستقطابات بما يخدم سياستها واهدافها في المنطقة وفي العالم، علما ان العالم العربي بحاجة ماسة للقمة العربية لتكون اداة لحل الخلافات ومعالجة الصعوبات والتحديات ولمنع تفاقمها، وليس لزيادة الانقسامات وبعثرة الجهود.
فالظروف الصعبة التي تواجه العرب تتطلب انعقاد القمة للتصدي للمخاطر ومعالجة الاختلالات الماثلة والمحتملة، ولا يجوز تعليق انعقادها لأي سبب يتعلق بالخلافات والصعوبات حول هذه القضية او تلك، بل من الاهمية بمكان ان تكون هذه اسباب دافعا لانعقادها بدلا من تعليقها.
هناك مشاكل وصعوبات تعاني منها بلداننا، ولهذه الصعوبات جذورها وأسبابها المحلية على الغالب سواء في العراق او فلسطين او لبنان او دارفور في السودان وغيرها، ولكن التدخل الخارجي بثقله ووسائله المتعددة وآلياته وامكانياته واهدافه لا يفاقم الامور ويدفعها الى ابعاد شديدة الخطورة فحسب، بل يجعل الدور الوطني والقومي في حلها ومعالجتها ضعيفا او حتى هامشيا الامر الذي يفاقم الانقسامات ويعمق التناقضات الداخلية. وتتسم المرحلة الحالية بالنسبة لمنطقتنا باتساع وتشعب التدخل الخارجي بمختلف الوسائل العسكرية والسياسية والاقتصادية، هذا التدخل الذي يستهدف ضمان السيطرة الاجنبية على كل مقدرات وامكانات المنطقة الاقتصادية والسياسية.
وتقف امام العرب حاليا قضايا شديدة الخطورة من بينها الوضع اللبناني المحتقن، فلبنان يعيش منذ فترة بدون رئيس جمهورية ويعاني من شدة الانقسام والاستقطاب الطائفي، وتتزايد اسباب الاحتقان الداخلي التي كادت اكثر من مرة تعيد البلاد الى الاحتراب الطائفي الدموي المدمر، خاصة بعد ان نسفت جسور الثقة بين الاطراف المختلفة حيث تعمق الثقة المفقودة حالة التشدد في المواقف، وتمنع التوصل الى حلول توافقية، الامر الذي يضعف وحتى ينسف فرص نجاح المبادرة العربية.
وتعترف جميع الاطراف في لبنان تقريبا بان للولايات المتحدة الامريكية دورا اساسيا في افشال المبادرة العربية عن طريق تدخلها في اللحظة الاخيرة بعد ان وصلت وساطة عمرو موسى الى شبه اتفاق نهائي في احدى جولاته المكوكية. وبذلك يصادر هذا التدخل الاجنبي الوقح، امكانية الحل العربي وبالتالي امكانية الحل الوطني اللبناني المتفق عليه، والجميع يدرك الدور الخطير الذي مارسته وما زالت تمارسه الولايات المتحدة في لبنان، والنتائج الخطيرة التي ترتبت على هذا الدور، وفي مقدمتها تعميق الخلافات اللبنانية وايصال الامور الى المرحلة الخطيرة والحرجة الحالية.
لقد وضعت واشنطن ثقلها في احداث المنطقة دفاعا عن استراتيجيتها الكونية وتثبيت قطبيتها الاحادية ووضع اليد على ثروات المنطقة لا سيما النفطية منها، وتعتبر حماية اسرائيل وحماية عدوانيتها ضد الدول العربية واحدا من مكونات السياسة الامريكية في المنطقة، باعتبارها اداة رئيسية وفعالة في تنفيذ مخططات واشنطن. فقد استخدمت واشنطن حق النقض في مجلس الامن عشرات المرات لحماية اسرائيل وتبرير عدوانها واحتلالها للاراضي العربية. وساهمت مواقف الولايات المتحدة هذه في تعميق ازمة الشرق الاوسط وحالت دون انسحاب اسرائيل من الاراضي العربية المحتلة، ودون اعطاء الشعب الفلسطيني حقوقه الوطنية المشروعة والمعترف بها بموجب قرارات الشرعية الدولية، وما تقوم به واشنطن حاليا في لبنان والدور الذي تمارسه يستهدف ترويض لبنان وجره الى مائدة التطبيع مع اسرائيل من جهة وتحويله الى قاعدة لممارسة العدوان والتآمر على بقية الدول العربية من جهة ثانية لإحكام اخضاع المنطقة برمتها للتحالف الامريكي – الصهيوني.
ويبدو انه بعد ان فشلت جميع محاولات ترويض لبنان، وتكثفت الضغوط من اجل حل الازمة اللبنانية على قاعدة المبادرة العربية خاصة بعد ان تم التغلب على بعض العقبات الاساسية بهذا الصدد، فان واشنطن ولكي تبقي على دورها الفعال وأهدافها حية!! ارسلت مدمرة حربية الى السواحل اللبنانية لاظهار التأييد!! للاستقرار الاقليمي، أي انها تلجأ للتهديد العسكري والتدخل المسلح من اجل تحقيق اهدافها بعد ان فشلت وسائلها الاخرى او ضعف مفعولها، وفي الوقت الذي تقترب فيه المدمرة الامريكية الحربية "يو. اس. اس. كول" من المياه الاقليمية اللبنانية، فان اسرائيل تقوم بتدريبات عسكرية واسعة وبالذخيرة الحية على حدودها الشمالية، وتستخدم في هذه التدريبات الاسلحة الثقيلة وفوج الدبابات "العاصفة"، ويعلن كبار العسكريين الاسرائيليين انهم بتدريباتهم هذه يستفيدون من دروس حربهم الاخيرة ضد لبنان.
ويقول المتحدث باسم البيت الابيض ان الرئيس الامريكي قلق على الاوضاع في لبنان!! ولذلك امر بإرسال المدمرة "كول" الى المنطقة للاطمئنان!! فالرئيس الامريكي القلق كما يدعي من التدخل السوري في لبنان، وبسبب هذا القلق!! يسمح لنفسه بحرية التدخل في الشأن اللبناني الى درجة تهديد المنطقة بالتدخل العسكري، المتزامن مع تشديد الاتهامات والتهديد لسوريا، وهو ما يؤكد عدم رغبة واشنطن بانعقاد القمة العربية، فالتصعيد العسكري الخطير، الامريكي من البحر، والاسرائيلي من البر بالنسبة للبنان يتعاظم مع اقتراب موعد القمة العربية الامر الذي يشير الى تصميم واشنطن ليس على نسف مؤتمر القمة فحسب، بل نسف وتخريب كل محاولات رأب الصدع في العلاقات العربية وتجاوز الخلافات. فانعقاد القمة يشكل تهديدا لمخططات واشنطن بالنسبة للبنان والمنطقة، خاصة بعد ان كشف نبيه بري في حديث مطول تفاصيل مواقف مختلف القوى اللبنانية من المبادرة العربية خلال زيارات عمرو موسى لبيروت. فمن الواضح تماما وخلافا لكل محاولات التزييف والتضليل، ان المعارضة اللبنانية تتمسك بالمبادرة العربية، وان الموالاة، 14 آذار، تراجعت عدة مرات عما كان يتم الاتفاق عليه تحت الضغوط الخارجية وتحديدا الامريكية.
ولأن واشنطن تدرك، من تجاربها السابقة، ان كل تأثيرها وثقل علاقاتها قد لا يمنع القمة من اتخاذ قرارات تتعارض مع رغباتها ومخططاتها لذلك فهي تعارض القمة. وهي تعلم انه رغم نفوذها الطاغي في البلاد العربية الا انها فشلت في استقطاب الدول العربية للوقوف ضد ايران بسبب تخصيب اليورانيوم، كما ان الدول العربية اقرت المبادرة العربية في بيروت، لتسوية الصراع في الشرق الاوسط، ووقفت واشنطن ضد هذه المبادرة لأن اسرائيل رفضتها وفي العديد من المناسبات كانت قرارات القمة تتعارض مع الرغبة والسياسة الامريكية، خاصة فيما يتعلق بالصراع العربي – الاسرائيلي وأزمة الشرق الاوسط.
وفي حين تكثف واشنطن ضغوطها على سوريا، وتلوح بالقوة العسكرية الامريكية والاسرائيلية في سبيل فرض رغباتها في لبنان، فإنها تصمت صمت اهل القبور ازاء الجرائم الوحشية التي ترتكبها اسرائيل في الاراضي الفلسطينية وتغمض العين عن المعاناة والظروف اللاانسانية في قطاع غزة والضفة الغربية.
فالجرائم البشعة التي ترتكبها اسرائيل في قطاع غزة وقتل العشرات يوميا وتهديم البيوت وفرض الحصار غير الانساني وتحويل غزة الى سجن كبير، وسط النقص الهائل في الحاجات الانسانية كالغذاء والدواء والوقود والكهرباء، نقول ان كل هذه الجرائم المعادية للانسانية تلقى الدعم والتأييد من الرئيس الامريكي القلق على الاستقرار في لبنان!! لقد حالت واشنطن دون اصدار قرار من قبل مجلس الامن يطالب اسرائيل بوقف اعمالها الوحشية في الاراضي الفلسطينية. ورغم ادعاءات الادارة الامريكية بأنها تعمل من اجل انهاء التسوية للصراع الفلسطيني – الاسرائيلي واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة قبل نهاية العام الحالي، فان واقع الحال يؤكد ان الامور تسير باتجاه معاكس تماما. فاسرائيل توالي بناء المستوطنات وتوسيع القائم منها ويستمر العمل في بناء جدار الفصل العنصري وتتوالى الاعتداءات على غزة وعلى الضفة الغربية حيث يسقط يوميا العديد من القتلى والجرحى، ويهدد قادة اسرائيل الفاشيون بأنهم سيشعلون المحرقة في غزة، وتضم السجون والمعتقلات الاسرائيلية ما يزيد عن عشرة آلاف اسير ومعتقل فلسطيني بينهم العديد من النساء والاطفال، ورغم المباحثات التي تجريها اسرائيل مع السلطة الفلسطينية، الا ان قوات الاحتلال تدهم مدن الضفة الغربية وتعتقل المواطنين وتغتال المناضلين كما يجري في نابلس وجنين والخليل وغيرها. وتنتشر الحواجز بين مدن الضفة مما يحول دون تواصل المواطنين مع بعضهم، وتدمر فرص العمل وتضيق على النشاط الاقتصادي، مما ادى الى التراجع الحاد في مستويات المعيشة واشاعة الفقر والبطالة بين المواطنين.
وهكذا فان واشنطن، ورغم كل هذه الظروف غير الانسانية في الاراضي الفلسطينية توالي حمايتها لبربرية الحكام الصهاينة وجرائمهم غير المسبوقة، اذ لا يوجد في التاريخ الحديث بعد الحرب العالمية الثانية ما هو شبيه بجرائم النازيين الجدد في فلسطين.
ان صمت واشنطن ازاء جرائم اسرائيل وتأييدها لحكام تل ابيب البرابرة يؤكد ان التسوية التي تتحدث عنها واشنطن، هي تلك التي تطالب بها اسرائيل وفقا لتصوراتها الامنية والتي تقتضي تركيع الشعب الفلسطيني وقبوله بالنير الاسرائيلي والامريكي المشترك، وبالتالي تعزيز قوة اسرائيل ودورها في المنطقة، بحيث يتحول التحالف الاستراتيجي الامريكي – الاسرائيلي الى عنصر ردع لأي قوة تعارض واشنطن في المنطقة. ومن هنا يتكامل الموقف الامريكي القاضي باحكام السيطرة على المنطقة، مع الجرائم الاسرائيلية وتعزيز دور اسرائيل كقوة ردع امريكية في المنطقة.
وهكذا فان الاستقرار الذي تنشد القوة البحرية الامريكية تعزيزه والحفاظ عليه هو استقرار هيمنتها على المنطقة. فالانتشار العسكري الامريكي في البحر الابيض المتوسط وقبالة الشواطئ اللبنانية وفي الخليج العربي، مع وجود قوات الاحتلال في العراق، وتأكيد الادارة الامريكية على البقاء هناك بمختلف الحجج!! التي تبتدعها، نقول ان كل ذلك يؤكد نية واشنطن فرض هيمنتها على المنطقة حتى ولو بقوة السلاح التي اصبحت واضحة المعالم اخيرا.
وهكذا يبدو جليا ان التحرك الامريكي والاسرائيلي يشكل مخاطر جدية على حاضر ومستقبل البلاد العربية، خاصة وان هذا التحرك يشتد ويتلاحق مع احتدام ازمة الولايات المتحدة السياسية والاقتصادية في المنطقة وعلى الصعيد العالمي. وان مواجهة هذه المخاطر التي من شأنها زيادة التعقيدات في البلاد العربية وتعميق التناقضات داخلها وفيما بينها، تتطلب بالضرورة تحركا عربيا مناسبا للتصدي لكل ذلك. وان هذا الواقع، اضافة للمشاكل الاخرى يفترض بالضرورة عقد القمة وعدم تعطيلها، خاصة وان القرار الذي اتخذ بدوريتها كان بالتحديد لمواجهة مختلف المشاكل وتعميق العمل العربي المشترك.
ولذلك فان الظرف الراهن يقتضي عقد القمة وعدم تأجيلها، وتحويلها الى اداة لتسوية المشاكل والتغلب على الصعوبات من جهة والاسهام المشترك والفعال في حل القضايا المعقدة ومن بينها الوضع في لبنان. ونحن نعتقد انه مطلوب من القمة بعض الامور الملحة والمشتركة عربيا، ومنها:
1. اتخاذ موقف مشترك وفعال لانهاء حصار غزة المجرم، ووضع حد للمجازر والاعتداءات الوحشية على الشعب الفلسطيني ومساعدة الشعب الفلسطيني على استعادة وحدته الوطنية.
2. الاسهام في تسوية الوضع اللبناني بما يضع حدا لطغيان الانقسام الطائفي ووضع البلاد على طريق التقدم الدمقراطي.
3. مساندة الشعب العراقي في نضاله لانهاء الاحتلال الامريكي واستعادة الاستقلال والسيادة الوطنية.
4. العمل على اقصاء القوات الاجنبية من المياه والاراضي العربية.
5. وضع اسس لتعزيز العمل العربي المشترك لا سيما في المجال الاقتصادي.

(الأمين العام للحزب الشيوعي الاردني)