خيوط سياسية بمسألة إقتصادية!


منير الحمارنة
الحوار المتمدن - العدد: 1078 - 2005 / 1 / 14 - 10:38
المحور: الادارة و الاقتصاد     

*إتفاقيات المناطق الصناعية المؤهلة بضلوع مصر والولايات المتحدة واسرائيل والاردن - صفقة جديدة لتعميق التطبيع، رغم المزاعم أن مضمونها "اقتصادي وليس سياسيًا" *
تم التوقيع في شهر كانون الاول الماضي على اتفاقيتين جديدتين بين كل من مصر والولايات المتحدة واسرائيل وبين الاردن واسرائيل. تهدف الاتفاقية مع الجانب المصري الى اقامة مناطق صناعية مؤهلة بين مصر واسرائيل. وتتعهد الولايات المتحدة بالسماح لمنتجات هذه المناطق دخول السوق الامريكية دون ضرائب جمركية، شريطة ان يستخدم في انتاجها مستلزمات انتاج اسرائيلية لا تقل عن حوالي 12% من قيمة التكلفة. وتتمثل الفائدة التي يركز عليها مؤيدو هذه الاتفاقية فيما يتوقع ان تؤدي اليه من زيادة في القدرة التنافسية للسلع المصرية المنتجة في هذه المناطق في السوق الامريكية!! في حين يستهدف الاتفاق التجاري الاردني – الاسرائيلي زيادة التبادل التجاري بين الجانبين وبما يمهد لدخول منتجات البلدين الى السوق الاوروبية بدون شروط.
وينص الاتفاق الجديد على خفض الرسوم الجمركية بين البلدين بحيث تخفض الجمارك على الصادرات الاسرائيلية الى الاردن بنسبة الثلث، وعلى الصادرات الاردنية الى اسرائيل بنسبة النصف، على ان تخفض الرسوم تدريجيا بين البلدين ليصار الى الغائها نهائيا عام 2010. وسبق ان طلبت الاردن واسرائيل قبل سنتين دخول منتجات المناطق الصناعية المؤهلة، دون شروط الى اسواق الاتحاد الاوروبي، لانه توجد لدى الاتحاد الاوروبي مبادرة تسمح بالتكامل القطري في قواعد المنشأ ما بين دول حوض المتوسط ودول الاتحاد الاوروبي، وشرطها الاساسي ان تكون هناك اتفاقات تجارة حرة ما بين الاطراف الثلاثة. ويرتبط الاردن واسرائيل باتفاقية مناطق صناعية مؤهلة تصدّر منتجاتها الى الولايات المتحدة شريطة ان يكون 35% من مستلزمات الانتاج اردنية – اسرائيلية على ان لا تقل حصة اسرائيل عن 8%.
يؤكد الجانبان المصري والاردني ان هذه الاتفاقات ذات طابع اقتصادي وليست لها اية ابعاد اخرى وخاصة اية ابعاد سياسية!!
وتثير هذه الاتفاقات مجموعة من التساؤلات وتطرح عددا من اشارات الاستفهام. اذ برغم طابعها الاقتصادي وبرغم الدعاية الرسمية لتبريرها ولتأكيد بعدها الاقتصادي، الا ان الحقيقة هي ان هذه الاتفاقات ذات طابع سياسي بالدرجة الاولى.
فالمعاملة التفضيلية التي تقدمها الولايات المتحدة او الاتحاد الاوروبي لمنتجات المناطق الصناعية المؤهلة، لا تتحقق الا من خلال الشراكة مع اسرائيل اذ ان هذه الشراكة هي الشرط الاوحد للمعاملة التفضيلية. وهكذا فان الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي يستخدمان اسلوب الاغراءات الاقتصادية للدفع باتجاه تطبيع العلاقات العربية – الاسرائيلية، رغم الموقف الاسرائيلي المتشدد في مجال التسوية السياسية، وخاصة في تنفيذ قرارات الشرعية الدولية. فالاغراءات التي تستخدمها واشنطن او الاتحاد الاوروبي ترتبط بمحاولات التغلب على الصعوبات الفعلية في تحقيق تسوية للصراع في المنطقة من جهة وفي إحداث تبدلات فعلية في المنطقة تمنع نشوء اختلالات في ميزان القوى تلحق الضرر بالمخططات الامبريالية – الصهيونية من جهة اخرى. ويقع في صلب هذا التوجه السعي نحو اقامة السوق الشرق اوسطية او شرق اوسط جديد. فقد قال الرئيس بوش الاب لدى افتتاح مؤتمر مدريد للسلام "فالسلام هو تعاون اقليمي ومعاهدات وعلاقات اقتصادية" اما شمعون بيرس فكان اكثر وضوحا عندما قال "لا تسوية من دون قيام نظام شرق اوسطي". ويلاحظ ان الامريكيين والاسرائيليين كانوا يهدفون الى قطع الطريق امام احتمالات نهوض حركة التحرر العربي وامام السير في طريق بناء وتنظيم المصالح والروابط القومية العربية. وقال بهذه المناسبة ابراهام تامير رئيس جامعة بئر السبع "السلام يجب ان يكون وثيق الصلة باطار اقتصادي اقليمي لا قومي".
ويؤكد بيرس بهذا الصدد "الاقتصاد هو الوسيلة الوحيدة لاخماد نيران المواجهة العسكرية، وخلق ارضية مشتركة بيننا وبين دول المنطقة. ان شرق اوسط جديدًا تكون حدوده مفتوحة على اساس برامج تطوير اقليمي هو وحده الذي يستطيع نقل قضية الحدود والمناطق الى شيء اقل اهمية مما يبدو عليه اليوم" وبينما تؤكد بعض الاطراف الاسرائيلية على اهمية وضرورة الاقتصاد للتسوية فانها ترى ان الاتفاقات والمعاهدات السياسية والترتيبات الامنية لا تكفي لتحقيق السلام على المدى البعيد. بينما ارساء السلام على قاعدة عريضة من الترتيبات الاقتصادية بين اسرائيل والبلدان العربية يفضي الى نوع من السلام الحي والديناميكي.
ولذلك تأتي الاغراءات الامريكية والاوروبية بمعاملة تفضيلية وبفوائد اقتصادية للاطراف العربية ولكن من خلال التعامل والمشاركة مع اسرائيل فقط، وذلك لان الوقائع على الارض تؤكد انه بدون مثل هذا التدخل من الدوائر الامبريالية، لا يمكن قيام تطبيع اقتصادي مع اسرائيل من قبل بعض الدول العربية في ظل استمرار السياسة الاجرامية التي تنفذها قوات الاحتلال في الاراضي المحتلة وفي ظل اصرار حكام تل ابيب على ادارة الظهر للقرارات الدولية الخاصة بالصراع العربي – الاسرائيلي وتحديدا بالقضية الفلسطينية.
واذا كانت العلاقات الاقتصادية المفروضة من قبل الدول الامبريالية على بعض الدول العربية مع اسرائيل تستهدف ادماج اسرائيل في المنطقة، وتكوين شرائح اجتماعية في الجانب العربي لها مصلحة اقتصادية في مثل هذه العلاقات وتتحول الى اداة ضغط للقبول بالمقولات الاسرائيلية والامريكية في شكل التسوية، الا ان هذه العلاقات تهدف الى ما هو ابعد من ذلك من الناحيتين الاقتصادية والسياسية على السواء. فالاتفاقيات سواء منها تلك المعقودة مع مصر او مع الاردن ترمي الى نسف الموقف العربي القاضي بمقاطعة اسرائيل ومن يتعامل معها اقتصاديا لحين ايجاد تسوية عادلة لقضية الصراع العربي – الاسرائيلي وللقضية الفلسطينية. وان تطبيع العلاقات مع اسرائيل توطئة للقبول بالمقولات الاسرائيلية حول التسوية أي القبول بالتفسير الامني الاسرائيلي للتسوية الذي يبرر لاسرائيل عدم الانسحاب من الاراضي المحتلة العام 1967، وعدم الانصياع للقرارات الدولية بهذا الخصوص، والتنكر كلية لقضية اللاجئين الفلسطينيين وحقهم في العودة كما نصت على ذلك القرارات الدولية وتفتيت او تخريب الاجماع العربي الذي كان سائدا من خلال مكتب مقاطعة اسرائيل، لا يقف عند الجوانب الاقتصادية بل ان له تداعياته وتجلياته السياسية والتي في مقدمتها انسحاب حالة عدم الاتفاق والتحلل من الالتزامات العربية المشتركة على الجوانب السياسية كما على الجوانب الاقتصادية، وهو ما يبيح لاسرائيل ان تتسلل الى المنطقة العربية بشكل معلن او غير معلن لاقامة علاقات اقتصادية وتجارية. ويشكل هذا التسلل خطورة كبيرة على الجانب العربي اذ انه يعيق ان لم نقل انه ينسف كل التوجهات لاقامة تكتل اقتصادي او تكامل اقتصادي عربي، ويستبدله بتوجه اقليمي ينسجم مع النظرات الاسرائيلية والامريكية القاضية باقامة شرق اوسط جديد او سوق شرق اوسطية تكون نواتها علاقات اسرائيلية – اردنية – فلسطينية، ثم تبذل الجهود لضم مصر اليها، والسير في طريق جلب المزيد من الدول العربية لروابط السوق الجديدة. ويتضح ان هذه الخطوات تستهدف إضعاف الروابط العربية السياسية اولا, وكذلك إضعاف التوجه نحو تعزيز وتطوير العلاقات الاقتصادية العربية البينية.
اما الاتفاق الامريكي – المصري – الاسرائيلي، فان الجانب السياسي فيه هو الابرز والاهم فمن المعلوم ان هذه الاتفاقية جرى توقيعها قبل اسبوعين فقط من الغاء نظام الحصص الخاص بتجارة المنسوجات، والذي نصت عليه اتفاقية منظمة التجارة العالمية الموقعة عام 1994 في مراكش. وهي قضية معروفة جميع دول العالم ومعروف كذلك ان السوق الامريكية هي اهم سوق في العالم لتجارة المنسوجات وتستوعب نحو 40% من الاستهلاك العالمي وكانت صناعة المنسوجات المصرية تستفيد سابقا من نظام الحصص والقيود الكمية للدخول الى السوق الامريكية، ولكن بعد الغاء نظام الحصص في 1/1/2005 فان هذه الميزة ستنتهي وستواجه الصادرات المصرية الى السوق الامريكية منافسة شرسة وصعبة جدا من البلدان الآسيوية التي طورت انتاجها بشكل هائل كالصين والهند، في حين ان الاتفاق حول المناطق الصناعية المؤهلة يلزم مصر باستخدام مدخلات انتاج المنسوجات لا يزيد عن 5%. ولذلك فان مواجهة المنافسة الشرسة في السوق الامريكية في مجال المنسوجات تتطلب خطوات واجراءات فعالة لتحديث وتطوير صناعة النسيج المصرية لجعلها اكثر مقدرة على المنافسة من حيث الجودة والسعر هذا مع العلم ان اتفاق المناطق الصناعية المؤهلة يعطي ميزة جمركية للصناعات النسيجية في بعض المناطق فقط، ولا يعطي مثل هذه الميزة لبقية الصناعات والصادرات المصرية الى امريكا. في حين ان اتفاقية منطقة التجارة الحرة مع الولايات المتحدة تعطي اعفاء كاملا من الجمارك لجميع الصادرات المصرية الى الولايات المتحدة، وقد ابتدأت المحادثات حول هذه المنطقة بين مصر وامريكا قبل حوالي العامين ولكن يتم التوصل الى اتفاقية بهذا الصدد. ويقال ان للولايات المتحدة تحفظات قبل ان توافق على مثل هكذا اتفاقية. ويقول البعض ان هذه التحفظات ترتبط بضرورة تعميق وتوسيع التعاون الاقتصادي المصري – الاسرائيلي كمدخل لتوقيع هذه الاتفاقية. هذا مع العلم ان واشنطن وقعت اتفاقية التجارة الحرة مع العديد من الدول العربية كالمغرب والاردن والبحرين وسوف يتم التوقيع قريبا مع عُمان والامارات، في حين لم تنجح مصر في توقيع هكذا اتفاقية رغم عمق علاقاتها مع امريكا ورغم انها حليف استراتيجي لها! وهكذا يبدو ان توقيع اتفاق المناطق الصناعية المؤهلة باعتباره مدخلا هاما للتعاون والشراكة الاقتصادية مع اسرائيل سيكون التوطئة لتوقيع اتفاقية التجارة الحرة لاحقا.
وهكذا يبدو جليا ان الاتفاقات الاخيرة المصرية – الاسرائيلية – الامريكية والاردنية – الاسرائيلية فيها الكثير من السياسة والقليل من الاقتصاد. وان هذا القليل من الاقتصاد جاء ليشكل الغطاء الذي يسمح بتمرير الجانب السياسي الاكثر اهمية في الظروف الراهنة. فالولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي يبذلان جهودا لفرض التطبيع العربي – الاسرائيلي في جميع الجوانب السياسية والاقتصادية على حساب الحقوق الحيوية للعرب وخاصة للفلسطينيين وان فرض التطبيع بهذه الصورة لا يكرس الضعف العربي العام وينسف مختلف التطلعات التكاملية العربية في السياسة والاقتصاد فحسب، بل يحول دون تحقيق الحل العادل للصراع العربي – الاسرائيلي وللقضية الفلسطينية، ويسمح للتحالف الامريكي – الاسرائيلي الاستمرار في طريق الاستفراد بالاطراف العربية وخاصة في الطرف الفلسطيني من اجل فرض تسوية استسلامية عليه، هذا مع العلم انه في الوقت الذي تمارس فيه واشنطن مختلف الضغوط على العديد من الاطراف العربية لتطبيع العلاقات مع اسرائيل فان الاخيرة تصعّد من جرائمها غير المسبوقة في الاراضي الفلسطينية المحتلة وترتكب من الاعمال الوحشية سواء في تدمير ونسف البيوت وتحريف الاراضي الزراعية وتخريب البنية التحتية للاقتصاد والمجتمع والاستمرار في عمليات اغتيال المناضلين وتشريد السكان امام صمت عربي مريب وتأييد امريكي مذهل لعصابة ارتكاب الجرائم الشارونية.
ويجدر بنا التوقف عند تصريحات الوزير الاسرائيلي لدى توقيع الاتفاق مع مصر حيث قال بان للاتفاق ابعادا كثيرة وبعيدة جدا، وهو ما أكده الوزير المصري. وبالتالي فاننا امام خطوة سياسية مؤثرة من الجانب المصري والاردني تستند الى اجراءات اقتصادية، وترتبط بالمخطط والسياسات الامريكية – الاسرائيلية الخاصة بمعالجة كل موضوع الصراع العربي – الاسرائيلي والقضية الفلسطينية.

الامين العام للحزب الشيوعي الاردني