منتدى دافوس... والتحدّيات التي تعصف بالعولمة والرأسمالية المتوحشة


منير الحمارنة
الحوار المتمدن - العدد: 2187 - 2008 / 2 / 10 - 11:12
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر     

خلافا لما كان عليه الوضع في السنين الماضية، فان منتدى دافوس الاقتصادي، افتتح اعماله هذا العام في ظل طائفة من التوقعات المتشائمة والتي لا تقتصر على الوضع القلق للاقتصاد العالمي، بل يشمل تحديات اخرى خطيرة وستؤثر حتما على مجرى التطور العالمي اللاحق.
عقدت دورة دافوس لهذا العام تحت عنوان "قوة التعاون المبتكر" وشارك فيها 2500 شخصية، بينهم رؤساء دول وشخصيات سياسية واعلامية ومديرون لكبار الشركات في العالم وخبراء واقتصاديون. وخيمت التوقعات المتشائمة على المنتدى منذ بداية اعماله، وذلك جراء الخوف من وقوع ركود في الاقتصاد العالمي الناجم عن تردّي الاقتصاد الامريكي وتراجع قوة الولايات المتحدة الامريكية والتحول في مراكز القوة من الغرب الى الشرق. وقال توني بلير في المؤتمر الصحافي الافتتاحي للمنتدى "لا شك ان النقاش سيتركز على الشعور الواسع بعدم الاستقرار والمخاوف من الفترة المقبلة، وعلى تحول مراكز القوى السياسية والاقتصادية تجاه الصين والهند وغيرها من الدول". اما هنري كيسنجر وزير الخارجية الامريكي السابق، فركّز على اهمية "تحول مراكز القوى والتغييرات التدريجية في الانظمة العالمية من المحيط الاطلسي الى المحيط الهادي"، أي من الغرب الى الشرق. وقال الخبير الاقتصادي نوريال روبيني، "ستشهد الولايات المتحدة انكماشا خطيرا، والدول الناشئة تباطؤا اقتصاديا". وانتقد خطوة خفض معدلات الفائدة الامريكية. اما ستيفن روتش رئيس الفرع الآسيوي من بنك مورغان ستانلي الامريكي فقد قال "سندخل مرحلة أليمة جدا، فحين يواجه المستهلك الامريكي مشكلات، ينعكس ذلك على الاقتصاد العالمي برمته". وانتقد بشدة التخفيض الكبير لمعدلات الفائدة الذي اعلنه الاحتياطي الفدرالي الامريكي (البنك المركزي)، معتبرا ان الدافع خلف هذا الاجراء يقتصر على ارضاء الاسواق المالية بدون ان يعالج المشكلة الجوهرية، وهي تمويل استهلاك الأسر الامريكية بواسطة القروض.
اما المستثمر العالمي جورج سوروس فقد قال، "لم يعد العالم راغبا في تكديس الدولارات، والازمة الحالية هي نهاية عهد قائم على الدولار كعملة عالمية". وقال في مقال نشرته صحيفة "فايننشال تايمز" ان الاسواق العالمية تعيش اسوأ ازماتها خلال 60 عاما، وأكد ان الاضطراب العالمي الحالي في الاسواق يشير الى حدوث تحول كبير للقوة والنفوذ من الولايات المتحدة الى الاقتصادات العملاقة الناشئة مثل الصين والهند. وبشكل عام فقد شدد المجتمعون في دافوس في مختلف اللقاءات والحوارات على اهمية التحديات التي تواجه العالم في جوانب مختلفة اضافة الى الجانب الاقتصادي.
ورغم تنوع وتعدد القضايا والاهتمامات التي عالجتها حوارات ولقاءات منتدى دافوس الا ان التحديات الكبرى التي تواجه العالم كانت لها الاولوية الاولى على ما عداها. وتشكل هذه التحديات في ذات الوقت تحديات حقيقية للنظام الرأسمالي وللعولمة الرأسمالية المتوحشة، ليس لأنها تضع حدا لنظرية نهاية التاريخ، بل لأنها تثبت ان التطور الشامل للبشرية يتناقض كلية مع رغبات ومخططات اساطين الرأسمالية العالمية وقواها الفاعلة وعولمتها المتوحشة. فتفاقم المشاكل ذات الطابع العالمي هي في الاساس من ثمرات سياسة العولمة الرأسمالية. ولذلك يؤكد العديد من الباحثين ان مشاكل العالم المعقدة الحالية هي امتحان عسير للعولمة الرأسمالية.
وأكد بيان صادر عن ادارة المنتدى في نهاية اعماله "ان الاجيال المقبلة سترث تحديات كبيرة في ظل التغير المناخي والفقر والارهاب وعدم المساواة في الدخل وشح المصادر الطبيعية وتكلفة التقاعد".
وشدد المشاركون في المنتدى على ان تحدي الفقر الذي يجتاح دولا كثيرة في الجزء الجنوبي من العالم يعتبر التحدي الرئيسي الذي يواجه العالم خاصة، وان اكثر من مليار شخص يعيشون بأقل من دولار في اليوم و77 مليون طفل لا يحصلون على التعليم. ولذلك فان التحدي الاهم الذي يواجه العالم هو القضاء على الفقر وتأمين التعليم لملايين الاطفال، خصوصا وان اكثر من مليار شخص سيدخلون القرن الحادي والعشرين غير قادرين على القراءة.
ويعتبر التغير المناخي تحديا خطيرا يتهدد العالم بأسره خلال السنوات المقبلة لأنه يفاقم ازمات المياه والغذاء والطاقة، وينتج نوعا آخر من الصراعات غير النزاعات السياسية على الحدود التي اجتاحت مناطق كثيرة من العالم خلال المرحلة الماضية. فالبشرية تواجه العواقب الوخيمة المترتبة على تغير المناخ، وأزمة مياه قد تطال نصف سكان العالم بحدود عام 2025، وفقا لوتيرة الاستهلاك الحالية، علما ان 20% من سكان العالم حاليا يعانون من نقص المياه.
وتوقف المشاركون في المنتدى، في ندوات متعددة امام التحديات الاقتصادية التي تواجه العالم وما يترتب عليها من تداعيات. واتضح خلال مختلف الحوارات ذات العلاقة ان تعدد الاجتهادات والتفسيرات للاوضاع الاقتصادية العالمية الحالية، لا ينفي ان العالم مهدد باحتمال مواجهة كساد شامل وما يترتب عليه من اختلالات وتبدلات في موازين القوى الدولية السياسية والاقتصادية. وتتحمل مراكز صناعة القرار في العالم الرأسمالي المسؤولية الكاملة عن هذا التحول بسبب سياساتها غير الحكيمة والجشع غير المسبوق من قبل مراكز الرأسمالية والشركات الدولية العملاقة والجري وراء الارباح، البعيد عن أي اهتمام بالنتائج الاجتماعية والاقتصادية المترتبة على ذلك. وأشار العديد من المشاركين الى النتائج المقلقة والتي تساهم بقوة في الازمة الحالية التي تترتب على ازمة الرهن العقاري الامريكي والتي نشأت من حيث الجوهر جراء الجري المحموم وراء الارباح من خلال اوسع اشكال المضاربات وادارة الظهر لأهم قواعد العمل المصرفي!!
وأشار المشاركون الى المخاطر التجارية التي تواجه العالم، وخاصة الى الفشل في تفعيل قرارات منظمة التجارة العالمية التي اتخذت في جولة الدوحة عام 2003، وذلك بسبب تحوّل اسواق العالم الى مجال للتنافس بين الدول الكبرى، وغالبا على حساب الدولة النامية والفقيرة، الامر الذي يخلق مناخا غير آمن للتجارة العالمية، في حين يعتبر تحرير التجارة الهدف الاهم للعولمة الرأسمالية!!
وفي حين تضغط الدول الكبرى على الدول النامية والفقيرة لانتزاع امتيازات لمصالحها، من خلال دفعها للتراجع في الشؤون التجارية وخاصة فيما يتعلق بمجالات فسح المجال لمنتجاتها دخول الدول النامية، فانها تتشدد في الشروط التي تضعها على هذه الدول، كما تتفاوت المواقف من دعم قطاع الزراعة وأثره على العلاقة بين الدول النامية والدول الكبرى، وعلى العلاقة بين الدول الكبرى نفسها.
واذا كان النهم الرأسمالي يهدد البشرية ويفاقم مشاكلها ويعمّق التناقض الطبقي والاجتماعي داخل الدول وفيما بينها، ويدفع العالم نحو ازمات جديدة ويعمّق بعض اخطر الازمات الماثلة والقديمة، فان تحركا واسعا يشهده العالم لدرء هذه المخاطر، ويأخذ اشكالا متعددة، وفي مقدمتها الحركة الاممية الواسعة المناهضة للعولمة الرأسمالية، ومختلف التحركات الطبقية والاجتماعية التي تتعاظم في جميع انحاء المعمورة، دفاعا عن مصالح الكادحين والشغيلة والطبقات والشرائح الاجتماعية الفقيرة والمهمّشة.

* الأمين العام للحزب الشيوعي الاردني