قرار محكمة العدل الدولية يصفع التحالف الامبريالي – الصهيوني


منير الحمارنة
الحوار المتمدن - العدد: 898 - 2004 / 7 / 18 - 08:25
المحور: القضية الفلسطينية     

الدكتور منير حمارنة - الامين العام للحزب الشيوعي الاردني

أحدث قرار محكمة العدل الدولية حول جدار الفصل العنصري الذي تبنيه عصابة شارون المجرمة دويا هائلا، ترددت اصداؤه في جميع انحاء المعمورة. فالقرار من حيث المبدأ يعتبر انتصارا للعدالة الدولية التي عملت واشنطن بالتحالف مع قوى العدوان والصهيونية على طمسها واستبدالها بعدالة المستبدين والمعتدين والاقوياء. ولذلك يشكّل هذا القرار نقطة انعطاف هامة في تاريخ القضية الفلسطينية وفي تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي. لانه يخرج القضية الفلسطينية من دائرة الحصار الامريكي ويفتح لها آفاقا جديدة عملت واشنطن وتل ابيب على منع الوصول اليها. فلم ينص القرار على عدم شرعية الجدار فحسب، ولكنه اكد من اعلى منبر قانوني وقضائي دولي على ان الاراضي الفلسطينية اراض محتلة وليس اراضي متنازعا عليها كما يؤكد الامريكيون والاسرائيليون، في محاولة للنفاذ من هذه النقطة الى ابتسار الحقوق الوطنية الفلسطينية الشرعية والسماح لانفسهم بقضمها وتقليصها.

وهكذا فقد جاء القرار صفعة حقيقية وقوية للتحالف الامبريالي الصهيوني ليس بالنسبة للجدار فحسب ولكن الى مجمل مكونات القضية الفلسطينية.
ان استيعاب اهمية القرار واهمية أبعاده يقتضي التوقف عند اهم نصوصه. فمثلا ينص بان اقامة الجدار الذي تبنيه اسرائيل الدولة المحتلة فوق الاراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها مدينة القدس الشرقية ومحيطها، تشكل انتهاكا للقانون الدولي، ولذلك فهي ملتزمة بالتوقف عن انتهاك القانون الدولي وبوقف العمل في الجدار وبدفع تعويضات عن جميع الاضرار الناجمة عن اقامته. وينص القرار على ان على الجمعية العامة للامم المتحدة ومجلس الامن ان يفكرا في الاجراء المطلوب عمله لوضع حد للوضع غير القانوني الناجم عن اقامة الجدار. ويستطرد القرار مؤكدا على ان الجدار في مساره يسلب عددا من حقوق الفلسطينيين المقيمين في الاراضي التي تحتلها اسرائيل وان الانتهاكات الناجمة عن مسار الجدار لا يمكن تبريرها بأغراض عسكرية طارئة او امن قومي او نظام عام.
هذه ابرز واهم فقرات القرار الصادر عن محكمة العدل الدولية والذي لا يشكل انتصارا للشعب العربي الفلسطيني فحسب، بل انتصارا للقانون الدولي وللعدالة الانسانية التي امعن الاسرائيليون والامريكيون في الدوس عليها والتلاعب والاستخفاف بها. وهكذا فان القرار لم يتعامل مع قضية الجدار فقط بل تعامل كذلك مع مظاهر ومفرزات الاحتلال الاخرى ومن بينها النشاط الاستيطاني، ولكنه في ذات الوقت نسف مقولة الصهاينة عن ان القدس الموحدة هي عاصمة اسرائيل الى الابد، واكد على ان القدس الشرقية ومحيطها هي من جملة الاراضي المحتلة.
لقد كشفت قضية الجدار حجم الجريمة التي يرتكبها الصهاينة ضد الشعب الفلسطيني وضد العدالة وضد الانسانية، وفتحت آفاقا رحبة امام النضال الفلسطيني والعربي عملت السياسة الامريكية – الاسرائيلية ومختلف ممارساتها على الحيلولة دون ولوجها. فالجميع يعرف ان واشنطن كانت وما زالت حريصة كل الحرص على تطويق كل ما له علاقة بالصراع العربي الاسرائيلي وبالقضية الفلسطينية وابقائه في دائرة تحكّمها المطلق وعدم السماح بتجاوز الحدود التي ترسمها، حتى ولو استدعت الظروف استخدام السلاح. وفعلا كانت جميع الاعتداءات الاسرائيلية في حروبها المختلفة المدعومة امريكيا تستهدف ابقاء هذا الصراع ومكوناته في يد واشنطن. وليست قليلة الحالات التي استخدمت فيها واشنطن هذا الصراع لابتزاز اكثر من بلد عربي ولاخافة غيره والعمل على ابتزاز الجميع.
وهكذا فان القرار يُخرج القضية الفلسطينية من دائرة الحصار الامريكي الصهيوني ويوجه لطمة كبرى لمشاريع وخطط التسويات التي تتعارض مع قرارات الشرعية الدولية. ومن المعروف ان الصراع العربي الاسرائيلي وتحديدا القضية الفلسطينية هي القضية التي بقيت على اجندة الامم المتحدة اطول مدة في تاريخ هذه المنظمة وهي القضية التي استخدمت بسببها واشنطن حق النقض عشرات المرات عن اسرائيل، وضد الشرعية الدولية، وهي القضية التي تجلى فيها بوضوح شديد الانحياز الامريكي للعدوانية الاسرائيلية مما دفع واشنطن للوقوف متفردة عشرات المرات دفاعاً في الامم المتحدة ومجلس الامن وغيرها من المحافل الدولية. ولان واشنطن كانت حريصة على عدم اخراج القضية الفلسطينية من دائرة الحصار التي رسمتها، فانها ومعها بعض الدول رفضت اللجوء الى محكمة العدل الدولية بحجة ان اللجوء هذا يضر بامكان استئناف مفاوضات السلام وربما يعطل العمل لتطبيق خارطة الطريق!!! وغيرها من المشاريع والمخططات!!! والقرار بصيغته التي صدر بها يتطلب بالضرورة تفعيل اتفاقيات جنيف الخاصة بالسكان تحت الاحتلال، واتفاقية بعدم السماح باجراء تغييرات في الاراضي المحتلة، أي ان القرار يوجه ضربة لسياسة الاستيطان التي لا تخجل ادارة بوش عن الدفاع عنها.
لقد لقي القرار ترحيبا واسعا في جميع انحاء المعمورة، يقينا ان صدوره بغالبية 14 صوتا ومعارضة القاضي الامريكي فقط قد اعطى القرار بُعدا سياسيا كبيرا يستهدف فضح الانحياز الامريكي غير العادل. فقد اعتبرت المفوضية الاوروبية ان محكمة العدل الدولية ايدت وجهة نظر الاتحاد الاوروبي بان الجدار العازل الذي تقيمه اسرائيل في الضفة الغربية غير شرعي، وحثت الاسرائيليين على ازالته من الاراضي الفلسطينية المحتلة. وقال المتحدث باسم الاتحاد، ان الاتحاد الاوروبي يشعر منذ فترة طويلة بالقلق من ان مسار الجدار لا يسير على خط هدنة عام 1949 بين اسرائيل والضفة الغربية وانه قد يعيق التسوية السلمية في الشرق الاوسط.
لقد اعرب حكام اسرائيل عن انهم لن يلتزموا بهذا القرار، وانهم يرفضونه لانه يتعارض مع أمنهم واكد شارون انه سيستمر في بناء الجدار. وطالب حكام اسرائيل من واشنطن ان تعمل على منع تحريك قضية الجدار داخل الامم المتحدة او مجلس الامن. واعلن كولن باول وزير الخارجية الامريكية ان واشنطن تعارض أي تحرك دولي من خلال الجمعية العامة او مجلس الامن لتنفيذ القرار، واكد ان الولايات المتحدة رفضت اساسا طرح الموضوع على المحكمة الدولية ودافع ضمنا عن الجدار بقوله انه نجح في الحد من الهجمات الفلسطينية على اسرائيل!!! ولكن باول اعترف صراحة بان الجدار يتعدى في بعض قطاعاته على اراض فلسطينية وانه يشكل ظلما للفلسطينيين.
وبالمقابل رحبت الدول العربية والاسلامية وعشرات الدول في آسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية والعديد من الدول الاوروبية بقرار محكمة العدل الدولية، كما اشادت بالقرار قوى سياسية واجتماعية في جميع ارجاء العالم. وان التصريحات الامريكية او الاستهانة الاسرائيلية بالقرار لا يضعف التأثير البالغ الاهمية له، ولا يقلل من النتائج التي تترتب عليه. ويجب التأكيد ان الموقف الامريكي – الاسرائيلي اكثر ضعفا في مواجهة العالم، لان القرار يشكل معيارا لاعادة مفهوم العدالة التي جرى التجاوز عليها من قبل واشنطن.
واذا كان القرار قد شكل نقطة انعطاف هامة في القضية الفلسطينية وفي الصراع العربي الاسرائيلي، واذا كان صدوره بهذا الشكل يساهم في اوسع حركة تعبئة على الصعيد العالمي للدفاع على اسس قانونية عادلة عن الحقوق الوطنية المشروعة للشعب العربي الفلسطيني، الحق في العودة وتقرير المصير وبناء الدولة المستقلة وعاصمتها القدس. واذا كان القرار يشكل سندا قانونيا دوليا ضد الاستيطان وتغيير طبيعة الاراضي المحتلة بموجب اتفاقات جنيف، فان المطلوب من الدول العربية والسلطة الفلسطينية التعامل مع هذا القرار بجرأة وبحكمة وبذل الجهود لحسن استخدامه داخل الامم المتحدة وخارجها وعدم تضييع الفرصة الهائلة التي فتحت آفاقا لمنجزات تستند الى القانون الدولي وليست الى نزوات مجرم الحرب شارون او املاءات واشنطن وابتزازها للاطراف العربية.
ان فرصة هاما اصبحت متاحة، وان آفاقا اخذت ترتسم لتغييرأابعاد المعركة، رغم التقدير المسبق ان واشنطن لن تتنازل عن دعم اسرائيل، ولكنها ستكون في موقف أضعف بعد كل هذا الذي حدث.
اننا نتوجه الى جميع الدول العربية والى السلطة الفلسطينية ان تضع خططا مدروسة وموحدة لاستثمار هذا الانتصار دون خوف او تردد امام الصلف الامريكي والعدوانية الاسرائيلية مع ضرورة العمل على بناء جبهة عالمية تسند الحق الفلسطيني العادل.