العدوانية الامريكية مصدر التهديد الأخطر للبشرية جمعاء


منير الحمارنة
الحوار المتمدن - العدد: 991 - 2004 / 10 / 19 - 11:22
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

تواجه البشرية جمعاء العدوانية المتصاعدة من قبل الامبريالية الامريكية والتي تأخذ أشكالاً مختلفة في مختلف القارات والبلدان سياسية واقتصادية وعسكرية، ولكنها تهدف في جميع الحالات الى تحقيق اهداف محددة، هي تلك التي تشكل الاستراتيجية الكونية للامبريالية الامريكية، والتي جرى الكشف عنها بوضوح اكثر بعد احداث الحادي عشر من ايلول، والتي يمكن تلخيصها في الأمور التالية:

1) تثبيت وتعزيز دور القطبية الاحادية بمختلف الوسائل.
2) تعزيز مصالح الولايات المتحدة الامريكية والشركات الدولية العملاقة متعددة الجنسيات.
3) اجراء تغيير عميق في النظام الدولي السائد وإعادة النظر بكل الأسس والقواعد التي تحكم العلاقات الدولية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية بما في ذلك تغيير دور الأمم المتحدة.
وترتب على السير في تنفيذ هذه الأهداف تعميق تناقضات سابقة وتفجير تناقضات جديدة على الصعيد العالمي، مما وضع العالم تدريجيًا على أبواب صراع كوني جديد يحمل سمات حرب شاملة تشنها الامبريالية الامريكية. وهكذا انتقل العالم بعد نهاية الحرب الباردة الى حرب جديدة شديدة الضراوة والتنوع. انفجرت عسكريًا في البلقان، واقتصاديًا في جنوب شرق آسيا، وفي غيرها من المناطق في نهاية تسعينيات القرن الماضي، وها هي تنفجر عسكريًا في افغانستان ثم في العراق في مطلع القرن الجديد.

وأفرزت هذه التطورات تعميق بعض الصراعات وايجاد صراعات جديدة مع احتدام التناقضات في مختلف المجالات في ظل السير الحثيث من قبل الدوائر الامبريالية والمؤسسات الدولية باتجاه تعميق عولمة الاقتصاد.
فاشتد التناقض وتعمق بين العمل ورأس المال على الصعيد العالمي. وفي مختلف البلدان، وازدادت تناقضات الولايات المتحدة الامريكية مع الدول الرأسمالية الكبرى وخاصة في مجموعة السبع، رغم اتفاقها جميعا على الكثير من القضايا. وزاد تبلور التناقض بين القوى الامبريالية وعلى رأسها الولايات المتحدة مع جميع شعوب الارض بما فيها شعب الولايات المتحدة الامريكية. وفي ذات الوقت فان فرض العولمة الاقتصادية الرأسمالية وشروط مؤسساتها قاد ويقود الى تغيير وظيفة الدولة باتجاه الغاء او تقليص دورها في الحياة الاقتصادية والاجتماعية مما فجر وعمق تناقضات طبقية اجتماعية في جميع بلدان العالم من جراء التدهور الحاد في توزيع الثروات حيث يزداد الاثرياء ثراء والفقراء فقرا.
وبدلا من الدور الاقتصادي والاجتماعي الذي يفترض ان تقوم به الدولة، فان وظيفتها الرئيسية تصبح وضع التشريعات والتعليمات التي تخدم اقتصاد السوق وحراسة المصالح الجديدة للطبقات والقوى الرأسمالية المحلية والخارجية على السواء. وقمع التحركات المختلفة المناهضة لذلك باساليب واشكال متعددة. وتصبح المديونية الخارجية احدى اهم الوسائل في فرض التغييرات الكبيرة اقتصاديا وسياسيا في الدول النامية.

وتتحول هذه الديون الى اداة لفرض المزيد من التبعية السياسية والاقتصادية على الدول النامية واحدى اهم الادوات لفرض الخصخصة. وبالتالي السماح للرأسمال الاجنبي ان يسيطر على مقدرات شعوب هذه البلدان في آسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية. فقد ارتفعت ديون الدول النامية طويلة المدى من 600 مليار دولار في مطلع الثمانينيات الى حوالي 2,2 تريليون دولار عام 2003، وتفيد تقارير البنك والصندوق الدوليين انه ما بين 1972 و 1992 اقترضت الدول النامية ما يقرب من 1,935 تريليون دولار ولكن بلغ مجموع ما سددته من اقساط وفوائد عن الدين الخارجي في تلك الفترة 2,237 تريليون دولار. وهكذا يتضح ان المديونية وسيلة استنزاف لخيرات وثروات الشعوب واداة لفرض التبعية وضرب وتقليص السيادة الوطنية في ذات الوقت.

وادت اشاعة الليبرالية الجديدة والعولمة الاقتصادية الرأسمالية الى تعميق ظواهر الفقر بين الشعوب وزيادة معدلات البطالة رغم تطور الثروات، مع تعميق سوء توزيع الثروات ورغم التطور العلمي والتكنولوجي الهائل والتطور الكبير في قوى الانتاج، فان الامبريالية العالمية لا تفشل فقط في حل اكثر القضايا اهمية وحيوية للعالم كالحد من الفقر وحماية البيئة وحل مشاكل التعليم بالنسبة للشباب في الدول النامية والتصدي لقضايا الصحة والاهم حل قضية التنمية للدول النامية والفقيرة، بل انها تعمق هذه المشاكل مما يهدد البشرية بكوارث هائلة بيئية واجتماعية واقتصادية.
ويشكل الشرق الاوسط، وتحديدا بلدان المشرق العربي مسرحا هاما للامبريالية الامريكية لتنفيذ استراتيجيتها الكونية. ولذلك استغلت واشنطن احداث 11 ايلول لشن عدوانها على العالمين العربي والاسلامي بحجة الحرب على الارهاب. وكان احتلال افغانستان ثم اعقبه احتلال العراق. ولكن هذين الحدثين، عمقا حالة الارهاب في العالم واصبحا سببا للهجوم على الشعوب وتقليص الحريات حتى في داخل الولايات المتحدة.

وجاء احتلال العراق، من اجل تنفيذ جوانب هامة في الاستراتيجية الامريكية الكونية، وفي مقدمتها الاستيلاء على نفط المنطقة والتحكم في سياسة الطاقة عالميا. استخدام الوضع الجديد كوسيلة لتغيير الخارطة السياسية في المنطقة، والتمهيد للتغيير الشامل في النظام العالمي السائد.
ويرتكب المحتلون جرائم كبيرة في العراق، امام المصاعب الكثيرة التي تنشأ امامهم وفي مقدمتها اجماع الشعب العراقي بمختلف قواه السياسية والاجتماعية والدينية على ضرورة انهاء الاحتلال والجلاء عن البلاد واستعادة السيادة الوطنية، وان كانت تختلف هذه القوى حول اساليب مواجهة المحتلين.
والعالم كله يشجب الغارات الوحشية على المدن وهدم البيوت وارغام السكان على الهجرة، كما تندد جميع القوى بالانتهاكات غير الانسانية بحق المعتقلين والمسجونين في سجون العراق.

وتستند الامبريالية الامريكية في عدوانها في المنطقة على التحالف الاستراتيجي الامريكي – الاسرائيلي، ولذلك تدافع واشنطن وتحمي وحشية اسرائيل في الهجوم على الشعب الفلسطيني وانتفاضته الباسلة، وتبذل كل الجهود لمنع التوصل الى حل شامل وعادل للقضية الفلسطينية بموجب القوانين الدولية وبما يمكّن الشعب الفلسطيني من تأمين حقوقه الوطنية المشروعة، الحق في اقامة الدولة الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس العربية وحق اللاجئين في العودة الى ديارهم وممتلكاتهم.

ووصل الامر في واشنطن، في الدفاع عن جرائم اسرائيل ضد ابناء قطاع غزة ومخيم جباليا في الآونة الاخيرة ان استخدمت حق الفيتو لمنع صدور قرار من مجلس الامن يطالب بوقف البطش الاسرائيلي والوحشي ضد المواطنين، وتوالي واشنطن تهديداتها مستغلة ما يجري في دارفور، من اجل المزيد من التدخل في السودان وفي الشؤون الافريقية.
ان مشروع الشرق الاوسط الكبير، الذي طرحته واشنطن اخيرا وايدت مجموعة الثماني الكثير مما ورد فيه، يستهدف اشاعة الليبرالية الجديدة في المنطقة بحجة اشاعة الدمقراطية والدفاع عن حقوق الانسان، فالهدف الاساسي هو اخضاع المنطقة باسرها للمصالح الامريكية – الاسرائيلية، ولذلك فانه باسم مشروع الشرق الاوسط الكبير يتم تهديد الكثير من دول المنطقة وخاصة سوريا وايران، وتخويف لبنان كما يتم على الصعيد العالمي تهديد كوبا وفنزويلا وكوريا الشمالية وغيرها من دول العالم مرة باسم "محور الشر" ومرة باسم "الدول المارقة".

ان القضية المحورية التي تواجهنا حاليا في العالم العربي هي افشال المخطط الامريكي الذي يرمي الى اجراء تغييرات في الجغرافية السياسية في المنطقة والمساهمة الجدية في مساعدة الشعب العراقي الشقيق على استعادة استقلاله وسيادته وكنس قوات الاحتلال، وعدم السماح بتكوين حالة انتصار امريكية في العراق تسمح باكتساح المنطقة وتحديدا ايجاد مناخ يسمح بفرض الاستسلام على الشعب الفلسطيني، واما المهمة الاخرى فهي دعم نضال الشعب الفلسطيني وتأييد انتفاضته لوقف الهجمة الصهيونية البربرية ومن اجل التخلص من الاحتلال واقامة دولته الوطنية المستقلة.
وان حزبنا يعمل في الاردن على التصدي الحازم للمخططات الامريكية لزيادة تبعية بلادنا الاقتصادية والسياسية، وضد السياسة الاقتصادية التي تعمل السلطات على فرضها على شعبنا، تحت شعار اقتصاد السوق، ودفاعا عن متطلبات الجماهير المعيشية وحقها في الصحة والتعليم وضد الغلاء الفاحش.

ونتعاون مع احزاب المعارضة الوطنية اليسارية والقومية والدينية من اجل اطلاق الحريات العامة واشاعة الدمقراطية في البلاد، ويشترك في هذا التعاون خمسة عشر حزبا سياسيا بقيادة لجنة تنسيق تعمل بنشاط منذ ما يقرب من ثماني سنوات، ونناضل من اجل موقف اردني يساهم في بناء موقف عربي موحد وفعال ضد السياسة الامريكية – الاسرائيلية ودعما للنضال العادل للشعبين الشقيقين الفلسطيني والعراقي.

ان مهمة عرقلة وهزيمة المخططات الامريكية – الاسرائيلية في الشرق الاوسط تعتبر دعما ومساندة عظيمين للنضال الاممي على الصعيد العالمي لمواجهة العدوانية الامبريالية، لذلك فان دعم كفاح الشعب الفلسطيني من اجل اقامة دولته المستقلة وايقاف الجرائم التي يرتكبها الجنرالات الصهاينة لا يشكل سندا للشعب الفلسطيني فحسب، بل هو مساهمة جدية في ايقاف التمادي الامريكي – الاسرائيلي ضد شعوب العالم.
وان مساندة الشعب العراقي في استعادة حريته واستقلاله وسيادته الوطنية تعتبر عاملا هاما في افشال الاستراتيجية الامريكية الكونية التي تهدد جميع شعوب الارض والحركة الثورية العالمية.
نحن لا نبالغ اذا قلنا، ان نجاح المخططات الامريكية في الشرق الاوسط يهدد البشرية بأخطار جدية، ويشكل مرحلة جديدة في عسكرة العولمة الرأسمالية، ويفاقم مختلف التناقضات في العالم. ونحن في المنطقة نواجه الفاشيتين الحقيقيتين في العالم حاليا، الفاشية الامريكية والفاشية الاسرائيلية.

فلتتوحدْ جهود كل القوى الثورية من اجل هزيمة المخططات الامريكية – الاسرائيلية.
ملاحظة: القيت في ندوة الاحزاب الشيوعية والعمالية التي عقدت في اثينا في الفترة من 8-10 تشرين الاول الجاري.

*(الأمين العام للحزب الشيوعي الاردني)