نحو موقف عربي موحد من الارهاب...


منير الحمارنة
الحوار المتمدن - العدد: 4744 - 2015 / 3 / 10 - 14:09
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

منير حمارنة, السكرتير العام للحزب الشيوعي الأردني

نحن نعتقد أنه لا حاجة للتأكيد من جديد بأن غالبية ،ان لم يكن جميع الدول العربية، تعاني من مخاطر ووحشية الارهاب الذي تمارسه القوى الدينية والتكفيرية المتشددة. إذ لا تقتصر مخاطر وتحديات هذا الارهاب على الدول العرية او الاسلامية، بل اصبح يمتد الى جميع القارات !!! الأمر الذي يثير قلقاً واسعاً على الصعيد الدولي. واصبحت في ضوء ذلك، المؤسسات والهيئات الدولية مضطرة الى التداول بجدية حول الاجراءات المطلوبة لمواجهة هذا العدو المتوحش والمعادي للأنسانية جمعاء، وخاصة في مجلس الامن والامم المتحدة وهيئاتها المختلفة.

والملفت للنظر، ان القوى والمراكز الامبريالية وعلى رأسها الولايات المتحدة الامريكية التي رعت وما زالت ترعى نمو وتوسيع دور قوى الارهاب في العالم، تبذل جهوداً وتضع سياسات لتبقى في قيادة القوى العالمية للتصدي لمخاطر هذه الظاهرة!!! ويبدو جلياً ان الدور المزدوج والمتناقض للولايات المتحدة وبعض حلفائها، يشكل تهديداً خطيراً لمستقبل بلداننا ولاستقلالها وسيادتها. إذ أن سلوك واشنطن وبعض حلفائها لا يعير أي اهمية لمصالح الشعوب ومصائرها، بل يركز جل اهتمامه على مصالح هذه الاطراف فقط ولو على حساب دماء ودموع الملايين في ارجاء المعمورة.

ان دعم الولايات المتحدة وبعض القوى الرجعية العربية لقوى ومنظمات الارهاب وتعزيز دورها في سوريا، والمساهمة في اشاعة العنف والخراب قاد كذلك الى توجيه ضربة كبرى الى جامعة الدول العربية وتعطيل مفعول ميثاقها وتوسيع الشقاق بين الدول العربية. وسارت بعض الدول العربية وراء المخطط الامريكي في محاولة ضرب سوريا وانهاء دورها وتفتيتها الى عدة دويلات جنباً الى جنب مع الغاء مضمون التضامن العربي وأسس وقواعد العمل العربي المشترك. وقدمت واشنطن وحلفاؤها لا سيما تركيا وقطر مختلف انواع الدعم للأرهابيين وأمدتهم بالرجال والمال والدعم المعنوي. وشكلت حملة الدعم والتحشيد للقوى الظلامية على الصعيد العالمي تهديداً جدياً للعديد من دول العالم لا سيما الدول الاوروبية، التي أخذت تستشعر في اعقاب العديد من الحوادث المخاطر التي تتهددها، مما دفعها الى الانضمام الى التحالف الدولي الذي أنشأته واشنطن بقيادتها للتصدي لداعش وتزامن انشاء هذا التحالف مع مجموعة من الشروط والاجراءات شديدة الخطورة. والتي من اهمها ان التحالف سيلجأ ال القصف الجوي لمواقع داعش فقط، بهدف اضعافه وليس القضاء عليه. هذا مع قصف مواقعه في سوريا دون الاتفاق مع الحكومة السورية. والأمر الاخر ان الضربة ستتوجه الى داعش بينما سيجري دعم وتدريب القوى الاخرى المعتدلة !!! المناهضة للنظام السوري، أي أن واشنطن تقسم الارهابيين بين معتدلين ومتطرفين، وتريد الابقاء على العدوان على سوريا من خلال الارهابيين المعتدليين!!! وبالتالي الابقاء على المعركة مستعرة في المنطقة بين التيارات الدينية المتشددة الارهابية وبين القوى الوطنية والديمقراطية، لأن هذه التيارات والتنظيمات امتدادات في جميع البلدان العربية من المغرب العربي حتى دول الخليج.

ولا يخفى على احد بان المخطط الامريكي في تقوية الارهاب وتعزيز نفوذه في هذا الموقع او ذاك، يرتبط بالدفاع عن المصالح الامريكية ومصالح الاحتكارات العالمية وخاصة في منطقة غنية بمواردها الطبيعية الاستراتيجية كالنفط والغاز. ولذلك فإن واشنطن من خلال التحالف الدولي الجديد تريد ان تُبقي سلطتها ونفوذها قويين في منطقتنا الغنية بهذه الموارد الطبيعية الاستراتيجية. ولا يتوقف جهود واشنطن للدفاع عن مصالحها في الاستناد الى قوى التشدد الديني والى عدوانية اسرائيل الصهيونية، بل انها أسهمت في تأجيج الخلافات الطائفية وخاصة الصراع بين الشيعة والسنة اضافة الى تفجير الصراع بين مختلف الدول العربية لاسباب متعددة.

وبالتالي فإن انضواء الدول العربية تحت القيادة الامريكية في التحالف المعادي لداعش يعني اعطاء واشنطن فرصة استخدام امكاناتنا السياسية لابقاء نفوذها او استعادته في مختلف البلدان والاستيلاء على خيرات المنطقة من خلال اعادة احتلالها مع بقاء قوى الارهاب لتهديد المنطقة.

اننا نعتقد ان البقاء في التحالف الدولي ضد داعش الذي أقامته واشنطن، فيه اساءة لمصالح الاردن وتهديد لبقية البلدان العربية. وهذا لا يعني التوقف عن مقاومة داعش وبقية قوى الارهاب، ولكن اللجوء الى وسائل جدية ومثمرة في مقاومة الارهاب وفي الدفاع عن حرية بلداننا واستقلالها وحمايتها من الوقوع في فخ التبعية التابع لتحالف الامبريالية والصهيونية العالمية.

ان الادراك العميق لمخاطر الارهاب على الاردن وبقية الدول العربية، وارتفاع الصوت في الآونة الاخيرة لتكريس الجهود والامكانات لتحرير الاراضي العربية التي استولى عليها تنظيم داعش، يطرح على بساط البحث وبقوة قضية التنسيق والتعاون العربي المشترك للقيام بهذه المهمة، وتحديدا لطرد عصابة داعش من سوريا والعراق ولجم القوى الارهابية الاخرى، ووضع حد لمخاطر الارهابيين ولدورهم في اخضاع المنطقة للنفوذ الامريكي والصهيوني.

ان الجرائم الرهيبة التي يرتكبها تنظيم داعش في حرق المواطنيين وقطع رؤوسهم واغتصاب النساء وتدمير اماكن العبادة لجميع الديانات، واخيراً تدمير شواهد الحضارات الانسانية في منطقتنا. ان هذه الجرائم تكشف عمق المأساة التي تتهددها، اذا لم تتخذ الاجراءات الفعالة والكفؤة لمواجهة الارهابيين. وعلينا ان نلاحظ ان نشاط داعش الدموي الاجرامي لا يقتصر على سوريا والعراق وتهديد الاردن بل وصل الى ليبيا ومصر، مع تكثيف انشطة القاعدة في اليمن وفي العديد من دول الخليج. ويلفت النظر استمرار العلاقات المتينة والمستمرة بين داعش وتركيا وبعض دول الخليج الرجعية، الامر الذي يشير الى عمق الصعوبات بهذا الصدد. ان نمو نشاط داعش الكبير والسريع والامتداد الجغرافي الواسع مع الامكانات المادية والبشرية الكبيرة والمتجددة ينبئ بوقوف قوى فعالة ومؤثرة وراء. ولا شك ان الفرص التي اتيحت لهذا التنظيم في امتلاك الاموال والاسلحة في بداية عدوانه على العراق يؤكد ما تذهب اليه مختلف التحليلات بان قوى فعالة تحتضن داعش!!!.

ونحن نراقب انه في الآونة الاخيرة أخذت ترتفع الاصوات المطالبة باتخذا اجراءات عسكرية برية لمقاومة داعش وعدم الاكتفاء بالرد العسكري الجوي فقط.

ولذلك فإننا نعتقد أنه لا بد من موقف عربي موحد للتصدي لقوى الارهاب، داعش واخوتها، ولكن من خلال مختلف الاجراءات، وعدم الاكتفاء بالاجراءات العسكرية والامنية فقط على اهميتها وضرورتها.

فالتصدي للارهاب يتطلب اتخاذ موقف فكري من الافكار الظلامية التي تنشر باسم الدين، وبذل جهود علمية وعملية لتغيير الخطاب الديني، ووضع حد للاتجار بالغيبيات والخرافات باسم الدين، والانتصار للعلم والفكر النقدي ولدور الدولة المدنية في الجانب القانوني والاجرائي وتنظيم المجتمع. ويجب ان تكون هناك مراجعة واسعة في جيمع البلدان العربية للبرامج الدراسية وتأكيد الانتصار للقوانين المدينة والدفاع عن حقوق المراة ومساواتها والتمسك بالتشريع المدني، والاستفادة من تجربة مئات الدول والشعوب التي أقرت مبدأ فصل الدين عن الدولة. ويجب التوصل المشترك للدول العربية الى تحقيق مبدأ "الدين لله والوطن للجميع" وعدم اللجوء الى الدين، في التفريق بين المواطنين، واعلاء شأن المواطنة باعتبارها القاعدة التي يجب ان تستند عليها مجتمعاتنا.

ونحن نعتقد ان المعركة الفكرية مع التكفيريين والارهابيين المتشددين ذات الاهمية حقيقية وبدونها لن تصل جميع الاجراءات الاخرى، على اهميتها، الى تحقيق الاهداف المرجوة. فالخطر الرئيس الان يكمن في الدعوة الكاذبة التي تلجأ اليها قيادات داعش في انها تعمل على اقامة دولة الخلافة الاسلامية، وهو الأمر الذي يجب توضيح عدم امكانية تحقيقه لعدم توفر أية شروط وظروف مؤاتية لذلك، وثم توضيح ان اللجوء الى هذا الشعار يحمل في طياته مخاطر جدية على الاسلام. ومن خلال المتابعة لمختلف التعليقات على سلوك داعش واخواتها، نؤكد على أهمية الاراء التي تقول ان هذا السلوك يشكل خطراً على الاسلام بالدرجة الاولى، ويقدمه الى العالم بشكل مشوه.

ثم نعود الى الجانب العسكري والامني، ففي الوقت الذي تتزايد فيه الدعوات لضرورة التحرك العسكري على الارض، فإننا نؤيد الدول العربية التي ترفض وجود أي قوات أجنبية على أراضيها للقيام بهذه المهمة، حيث ان هناك مخاطر جدية من عودة الاحتلال الاجنبي بإسم وجود القوات البرية للتصدي للارهابيين. ويؤكد العديد من العسكريين والخبراء في هذا المجال انه لا بد من اجراءات عسكرية برية لمواجهة الارهابيين، وان الضربات الجوية وحدها ليس فقط لا تكفي، بل قد تكون بدون أي مردود في بعض الظروف. ولذلك فإن تكوين قوة عسكرية برية عربية موحدة يعتبر مدخلاً هاماً وعملياً. ويمكن الاستناد في هذا الموضوع الى معاهدة الدفاع العربي المشترك، والتقاليد الطويلة في العمل العربي المشترك. ومثل هذه الخطوة الضرورية تفترض اتخاذ اجراءات ومواقف فعالة، ويأتي في مقدمتها بذل الجهود لتحقيق تسوية سياسية لبعض الازمات وفي مقدمتها في سوريا ثم ليبيا واخيراً في اليمن. فالتسوية السياسية خاصة في سوريا تعني فسح المجال للسوريين على مختلف مواقفهم وارائهم للاشتراك في تسوية تنهي في المقام الاول أي وجود أجنبي في داخل البلاد، ثم يضع حداً للتدخلات الخارجية ولا سيما تدخل الولايات المتحدة وتركيا وبعض البلدان العربية. كما يمكن الاستناد على نتائج المباحثات بين مختلف الاطراف التي جرت في جنيف، واخيرا في موسكو لتحقيق مثل هذه التسوية. وفي ذات الوقت يجب بذل الجهود من اجل تحقيق تسوية في ليبيا تضع حداً للاقتتال بين مختلف الاطراف، وبما يضع حداً للتدخل الاجنبي سواء لجهة تسليح القوى الدينة المتشددة او فسح المجال لهذه القوى لدخول الاراضي الليبية. ويجب ايلاء الوضع في اليمن اهمية خاصة لتجنيب البلاد مخاطر قتال اهلي من جهة، وعد فسح المجال لتحويل اليمن الى ملجأ للقوى الارهابية من جهة ثانية. ان القيام بخطوات فعالة مهدت طريق لتكوين فصيل عسكري بري عربي للمساهمة في المعركة الشاملة ضد الارهابيين يعتبر مطلباً ضرورياً وملحاً.

ونحن من جانبنا نرحب الدعوات التي تصدر من بعض الاطراف العربية للقيام بخطوة عسكرية برية، شريطة ان تكون خلال تعاون وتنسيق بين الدول العربية المعنية وفي مقدمتها سوريا والعراق ومصر والاردن، ووضع استراتيجية محددة، ومتفق عليها بين الدول المعنية والمشاركة، ودعمها بقرار واضح من جامعة الدول العربية، يطالب الدول غير المساهمة بالقوة العسكرية ان تساهم بالمساعدات المالية والمادية التي تحتاجها هذه الخطوة. علماً ان هذه الخطوة يجب ان تساهم في منع تقسيم البلدان العربية ووأد مشاريع القوى الارهابية والدوائر الامبرالية والصهيونية التي تسعى لتحقيق اوسع تقسيم لمختلف دول المنطقة ولابقاء وتقوية نفوذ اسرائيل العسكري والسياسي وتأمين سيادة التحالف الامبريالي الصهيوني على مقدرات المنطقة.

ان مثل هذه الخطوة والتي من شأنها انجاز أمر هام ومؤثرلكل الشعوب العربية فانها ستكون في ذات الوقت دعماً هاماً ومؤثراً لنضال الشعب الفلسطيني لتكنيس الاحتلال واقامة دولته الوطنية وعاصمتها القدس.

اننا نعتقد انه بامكان الاردن ان يقوم بدور فعال ومؤثر في تحقيق هذا الهدف، خاصة وان العلاقات الاردنية مع بعض البلدان العربية تشير الى احتمالات ايجابية بهذا الخصوص. ونحن نؤكد ان مثل هذا المسعى من الجانب الاردني سيلاقي دعماً شعبياً ووطنياً واسعاً، خاصة اذا ما تكلل هذا السلوك لتعزيز قضية الوحدة الوطنية والسير في طريق الاصلاح السياسي وتوسيع الحريات العامة ووضع قانون انتخاب ديمقراطي يؤدي الى حسن تمثيل مختلف فئات وطبقات الشعب الاردني، ليتحول البرلمان الى مؤسسة تكرس التوجه الوطني والقومي للبلاد.