ليس بالإمكان أبدع مما كان


امال قرامي
الحوار المتمدن - العدد: 4294 - 2013 / 12 / 3 - 18:24
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي     

سنة مضت على «أحداث الرشّ بسليانة» التى أودت بعيون شباب خرجوا فى مظاهرة احتجاجية سلميّة مُندّدين بسياسة التهميش التى تنتهجها حكومة الجبالى آنذاك فكان الردّ باستخدام خراطيش انتهت صلاحيتها.. وهو عقاب جماعى سلّط على من سوّلت لهم أنفسهم التطاول على النظام الشرعى.

كان من المفترض فى ذكرى «أحداث الرشّ بسليانة»، أن نتبيّن ما آلت إليه جهود اللجنة المستقلّة للتحقيق فى هذه الأحداث من نتائج ملموسة تحدّد مسئولية كل طرف، وتحاسب المتسبّبين فى هذه الانتهاكات. كان من المنتظر تقديم اعتذار رسمى لهذا التصرّف الأرعن مع من دافعوا عن حقهم فى العيش الكريم.. ولكن انقلبت الذكرى الأولى إلى سلسلة من الانتفاضات هنا وهناك لعلّ أهمّها ما حدث بالجنوب التونسى: قابس وقفصة إذ عمد بعض المحتجّين إلى حرق مقرّ حزب النهضة.

لا غرو أنّ إدانة العنف الممارس ضدّ المقرّات وانتقاد الانزياح الحاصل فى مستوى الأهداف المرسومة لهذه الاحتجاجات موقف يحتّمه الحسّ المدنى والواجب الأخلاقى ويقتضيه الوعى المواطنىّ بيد أنّ ما حدث يطرح مجموعة من الأسئلة نجمعها فى الآتى:

• لِمَ فقدت حركة النهضة بريقها وإشعاعها واتسعت الفجوة بين أتباعها القدم والجدد، بين الجيل القديم وجحافل انتمت إليها بعد الثورة وفى الأغلب، لأسباب براجماتية تذكّرنا بانتماءات قسرية أو تكتيكية لحزب التجمّع؟ إنّ أزمة الثقة صارت جليّة لا يمكن إنكارها وما عاد «العوام» سذّجا؟

فهل «خدعوها بقولهم حسناء.. والغوانى يغرهن الثناء؟»

• لم تحوّل تعاطف الجماهير مع المتأسلمين من «ضحايا القمع» إلى كره تجسّد عن طريق شعارات، وأغانٍ ونكت ومسرحيات وصور فوتوشوب وتعليقات على فيس بوك.. ومحاولات لإبادة كلّ مظاهر حضور الحزب فى الفضاء العمومى؟

وحين نعلم أنّ الحبّ والكره متلازمان فهما الوجه والقفا قد نفسّر ما حدث وفق قول: «ومن الحبّ ما قتل».

• لم فقد عدد من قياديى حزب النهضة صوابهم ورشدهم وشقّوا عصا الطاعة معلنين رفضهم لسياسة التسامح مع المتظاهرين، وباتوا منتجين لخطابات تحث على ممارسة العنف. ولعلّ خطاب أحد أعضاء مجلس الشورى مخبر عمّا آل إليه الوضع فهو يقول: «هذه كلاب مسعورة لا ينفع معها سوى أن تلقم حجرا وأن تدمى أمام مقراتنا».

• لم يُؤثر القياديون فى الحكومة تبرير ما حدث ويحدث دائما وفق نظريّة المؤامرة ويرون أنّ النهضة مستهدفة من خصومها، وأنّ نوايا الأحزاب المشاركة فى الحوار ليست خالصة ولذلك يعمد بعضها إلى «الاستقواء بالشارع»؟ ولكن ألم نعاين استقواء الترويكا بالميليشيات التى تتحرّك كلّما اضطربت موازين القوى ولم تتحقّق الغلبة لصالح الحكومة؟ فإن صحّ الاستقواء، فالجميع فى نفس المركب والقول المتداول فى هذا السياق: «الرعية تقتدى بالسلطان».

• لم أسدل الستار على مسرحية المجلس التأسيسى فى هذه الفترة بالذات فلم يستطع «الممثلون» الاستمرار فى «اللعب» بعد أن تبيّن بما لا يدع مجالا للشكّ، سوء الأداء على الركح لاسيما وأنّ أغلبهم لم يدرس الفنّ المسرحى ولم يمن عليه الله بهبة الإبداع، وإنّما قذف به فى أتون السياسة؟

وبقطع النظر عمّا سيترتب عن هذه الأحداث من نتائج فإنّ ما تمّ العثور فى مقرّ حزب النهضة فى قفصة مثير للانتباه، ويحفز المحلّلين للتأمّل فى أساليب النشاط السياسى: وثائق تنير الرأى العام حول وسائل التأثير فى الجماهير فهذه استمارة للراغب فى الزواج تشمل المستوى التعليمى والحالة الصحية.. وتلك تقارير تخصّ المعارضة.. وما أتلفته النيران كان أعظم. فهل أنّ قدرنا أن نعيد الإنتاج وأن نجتر: نعيد إنتاج فتاوى القدامى، وتفاسيرهم، ومواقفهم وتصوراتهم.. ونعيد إنتاج ما أبدعته قريحة الحزب الحاكم القديم حزب التجمّع وكأنّ لسان حال الحاكمين الجدد: «ليس بالإمكان أبدع ممّا كان» ولكن أليسوا بهذا الصنيع أبناء بن علىّ الأوفياء وعلى خطاه يسيرون فمن هم حينئذ أيتام بن علىّ؟