الحرب على غزّة والمنعرج الجديد


امال قرامي
الحوار المتمدن - العدد: 7862 - 2024 / 1 / 20 - 10:55
المحور: القضية الفلسطينية     


كان من المتوقّع أن تتسع رقعة الحرب على غزّة لتشمل لبنان إذ افترض القوم أنّ حزب الله/إيران لا يمكن أن يكون مجرد مشاهد/شاهد على الأحداث، وهو الذي انتقد الولايات المتحدة الأمريكية وكانت له صولات مع نظام الاحتلال . ولكن حدث ما لم يكن في حسبان الكثيرين إذ برز فاعل جديد في المنطقة سعى إلى الانتصار للشعب الفلسطيني. فإذا به يتحوّل إلى هدف تواطأ الحلفاء من أجل تأديبه وتلقين كلّ من تسوّل له نفسه الإضرار بمصالح الدول العظمى . فهل تسطيع بقية الدول العربية " التابعة" أن تتكلم وتتجرأ على ردّ الفعل؟

لقد أرادت القوى المهيمنة اللعب على أوتار بثّ مشاعر الخوف من الآخر المسلم/الإرهاب، وهي استراتيجية اعتمدها بوش" منذ 9/11 ففرضت تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية شأنهم في ذلك شأن حماس" ولكن لم تنجح في تحقيق هدفها، إذ أراد الشعب اليمني أن يتجاوز كلّ الخلافات السياسية/ الأيديولوجية، ويمنح الحوثيين الشرعية الشعبية، مثبتا لهذه القوى المهيمنة أنّه شعب موحّد يلتفّ حول القيادة العسكرية ويعتبر الحوثيين حركة مقاومة شرّفت اليمن. وهكذا استبدلت نظرة الاحتقار بنظرة التقدير والإعجاب وصارت المقاومة اليمنية مثلها مثل حماس، مبشّرة بانبثاق عصر حركات المقاومة التي نمت على الهامش ثمّ أضحت اليوم، صاحبة سلطة فاقت سلطة رؤساء الدول، وصاحبة خطاب يتحّدى الخطابات العربية الرسمية الممجوة التي فقدت معناها ، ويخلخل ركائز خطابات التمركز الغربي.
لقد استطاعت حماس أن تسقط سردية إسرائيل دولة ديمقراطية بامتياز فأظهرت للعالم زيف هذا الادعاء، بل إنّ سلطة الاحتلال عجزت عن إقناع الرأي العام العالمي ببراءتها. وعلى غرار حماس أربك الحوثيون سردية القوى العظمى والولايات المتحدة الأمريكية حارسة بوابة التجارة العالمية والمسيطرة على الممرات والمسالك فإذا بحركة مرور البواخر تتوقف أو تضطر لاختيار مسالك أخرى وبذلك صار "المهمش والمنسي والمحتقر والضعيف يتموقع باعتباره المفاوض. فإمّا إعلان وقف حرب الإبادة على غزّة أو هي ضربات موجعة تصيب الاقتصاد بشلل واضح.
ولمّا كان من معاني العُروج: الصعود والارتفاع فإنّه يجوز لنا التساؤل عن النتائج المترتبة عن صعود الحركات التي كان ينظر إليها على أنّها إسلامية متشددة كالجهاد الإسلامي وكتائب القسام وحماس وحزب الله وغيرها فإذا بها اليوم تحتل منزلة الصدارة في المتخيل الجمعي الشعبي وهي تتموقع باعتبارها "الفاعل الرئيس" والحركات الواقفة بوجه البطش والإبادة والقهروالتفقير والتجويع والتعذيب و.. والفاضحة لأنظمة الطعن من الخلف والتواطؤ والخذلان.
لقد ترتب عن هذا الصعود تحوّل على مستوى بناء صورة هذه الجماعات ، ونسق تمثيلها فحتى الذين كانوا يعادون هذه الجماعات أيديولوجيا أو سياسيا أو دينيا صار أكثرهم يعلن عن اصطفافه ورائها إذ لا خيار سوى القبول والاعتراف بأنّ هذه الحركات ملك آليات المواجهة وتناضل من أجل تغيير واقع العلاقات الدولية القائم على عنهجية النظم الامبريالية التي تستغل شعوب المنطقة وتنهب خيراتها وتفرض عليها الصمت والذلّ.
أمّا التحوّل الأكثر أهمية فهو ارتفاع عدد الشبان/ات المنبهرين بأداء الأبطال الجدد وعلى رأسهم أبو عبيدة وغيره من الشخصيات اليمنية التي بات تدوال فيديوهاتها يرتفع بنسق ملفت للانتباه. ولئن كان البعض منبهرا بالفاعلية والتمكن والأداء فإنّ البعض الآخر صار أكثر إدراكا ووعيا بالرهانات الاقتصادية والسياسية والفكرية، وأكثر فهما للمشروع الامبريالي التوسعي ولذا فإنّه لا يتوانى عن طرح أسئلة جديدة وحقيقية: من نحن؟ وما هو موقعنا كعرب أو مسلمين أو كبلدان العالم الثالث" أو كبلدان الجنوب ؟ وكيف يمكن الخروج من المأزق وتراكمات خيارات أنظمة لم تستطع فرض سيادتها؟
ولا شكّ أنّ المنعرج القانوني الذي حققته جنوب أفريقيا ترك أثرا بليغا في النفوس وأقام الدليل على أنّ بلدان الجنوب تزحزحت عن مواقعها، وأنّ المعرفة المحلية صارت أكثر قدرة على فهم حاجات الشعوب وأكثر التحاما بالحركات الاجتماعية وأكثر تعبيرا عن المنظومة الحقوقية التي لا يكفي أن تسنّ وتنفّذ بل يجب توفير الضمانات الكافية على أنّها تحمي جميع المقهورين والمعذبين في الأرض.