بعض من الأسئلة التي أثارتها حرب الإبادة على غزّة


امال قرامي
الحوار المتمدن - العدد: 7840 - 2023 / 12 / 29 - 10:19
المحور: القضية الفلسطينية     


ينشغل أصحاب المصالح بالتخطيط لمشاريع الإعمار في غزّة وبناء العلاقات والتفاوض مع الحلفاء والشركاء حول هوية الفاعلين الجدد في المنطقة وتحديد تموقعهم بطريقة تخدم مشاريعهم الامبريالية.وفي المقابل ينكبّ عدد من المفكرين على رصد التحولات إن كان على مستوى معاني القوانين والتشريعات الدولية وخارطة العلاقات الدولية وأداء الهيئات والمنظمات الأممية والتمركز الغربي والخطابات السياسية والإعلامية القائمة على المراوغة والتزييف وممارسة الهيمنة والتسلّط أو ما يتعلّق بالمنظومة القيمية التي بدت فاقدة للتأثير والسلوك والبنى الذهنية والنفسية... وهذا الاهتمام يجعل"النخب" لا تفكر في تبعات حرب الإبادة سياسيا واقتصاديا فحسب بل تتجاوز ذلك إلى فحص انعكاساتها على مستوى التصورات ورؤية الذات وعلاقتها بالآخر وإنتاج المعرفة وغيرها من المواضيع.

يفرض علينا السياق العالمي الجديد أن نفكر في الأحداث من منظور مختلف عن السائد فنحن إزاء ركح ومشهدية وفاعلين وخطابات وأداء وألاعيب فنية وصناعة لسرديات وأبطال... وجمهور يتابع "دولة مارقة" تستعرض يوميا، قدرتها على تدمير المشترك الإنساني والعبث بكلّ المعايير الأخلاقية والقانونية. يحدث ذلك بمباركة الرجل الأبيض وتأييده للإبادة بدعوى الحرب على حماس/الإرهاب، وهي نفس الحجة التي سمحت لإدارة بوش من قبل، باقتراف الجرائم الوحشية بحق المسلمين...يحدث هذا الدمار أمام الجميع.
ويدفعنا هذا "التفنّن" في ممارسة التوحش والإبادة والتدمير والتطبيع مع التطهير العرقي إلى استحضار أسئلة طرحت من قبل حول التحضّر و"العقلانية" و"الحداثة و"التمدن و التنوير و الديمقراطية و حقوق الإنسان في بعدها الكوني وثقافة الحوار، والثقافة الإدماجية، والتثاقف وغيرها من المبادئ والمفاهيم والمصطلحات التي أشاعتها الأمم المتحدة والهيئات التابعة لها وفرضت على الدول إدماجها في السياسات العامة. ولكن ها نحن أمام مجموعة من المآزق لعلّ أوّلها ما تواجهه المنظومة التعليمية من مصاعب إذ كيف يمكن إقناع الجيل الحاضر والأجيال القادمة بجدوى هذه المبادئ والمفاهيم والمصطلحات التي فقدت معناها ونجاعتها بعد اختبار حرب الإبادة في غزّة ؟ أمّا المأزق الثاني فيتمثّل في استمرار برامج الشراكة الممولة من الدول المتورطة في هذه الإبادة.

وفي السياق نفسه يعاد النظر في علاقتنا بالتكنولوجيا و فضائل التواصل وثقافة الصورة وخصائص"الكائن السيبرني"و "مجتمع الفرجة"... وفي مدى تأثير هذه العناصر في تشكيل وعينا وبنية مشاعرنا وأشكال تعاطفنا مع الآخرين وبناء علاقاتنا وردود فعلنا وتقييمنا للأحداث، وحكمنا عليها، ووجاهة الحجج التي نقدّمها ومدى انسجامها، وطرائق تكيّفنا مع ما نشاهد ونسمع وامتثالنا للسردية السائدة والمهيمنة بقوّة من يروّج لها...يُضاف إلى ذلك مراجعة تعريفنا للفضاء الرقمي باعتباره فضاء تحرّر ومنح الصوت للجميع وكسر الحدود فإذا بالمسيطرين على مواقع التواصل يحدّدون محتوى التفاعل ويمارسون كلّ أشكال التسلّط والهيمنة فارضين على التابعين الطاعة والامتثال فمن لا يملك القدرة على إنتاج التكنولوجيا يستحق التأديب والعقوبات.
وثمّة اليوم،دعوة ملّحة لإعادة النظر في كلّ المعارف ومن أبرزها ما انتج حول الإرهاب والتفكّر في الاصطلاحات المتداولة(الراديكالية، نزع الراديكالية، التأهيل، إعادة الإدماج...) والمفاهيم التي صارت معولمة ب القوّة . فما فهمنا للإرهاب في سياق ما نُعاين ونشاهد منذ أكتوبر 2023؟ وما معنى إرهاب الدول؟ وهل يستوي تقييمنا ل داعش" مع تقييمنا لداعش الجديدة في نسختها الصهيونية؟ وهل تصمد القراءات النقدية العميقة أمام استراتيجيات التعتيم والحجب والاقصاء والشطب وترسانة آليات قمع الصوت الحرّ، و تعدّد الأصوات"؟
تُوّلد هذه الأسئلة أسئلة أخرى تتعلق بالنظم الاقتصادية النيوليبرالية التي غيرت فهمنا للإنسان فإذا بنا نلاحظ نتائج سياسات الاستغلال وأبرزها تحويل الفرد إلى أداة في يد السيّد بل الاستغناء عنه. فما هي أهداف الأنشطة الاقتصادية؟ وما هو مفهوم العمل اليوم؟ وما هي الغاية من الحياة؟ ولذا بدأ التفكير في تعريف جديد للعمل موصول إلى المجموعة وفي خدمة المصلحة العامة، وشاع الحديث عن المعرفة المفيدة للصالح العام وانطلق النقاش حول ضرورة خلق فضاء عام منتج لوعي مغاير...
إنّنا في مرحلة مخاض فكريّ عسير نجهل ما سيترتب عنها من نتائج.