جنوب أفريقيا ودرس في إيطيقا المرافعة


امال قرامي
الحوار المتمدن - العدد: 7856 - 2024 / 1 / 14 - 11:02
المحور: القضية الفلسطينية     

ما أكثر الدروس التي تعلّمناها من حرب إبادة الغزاويين/ات !منها ما يتعلّق بسقوط النظام المعرفي القائم على التمركز الغربي أو الأوروبي ، ومنها ما له صلة بمنظومة القيم والمعايير الكونية التي أدركنا أنّ بعدها الكوني هو في الواقع، محدود جدا، ومنها ما له علاقة بصحوة الإيمان وتسليم الجماهير من علمانيين وإسلاميين، وحداثيين، ونسويات اشتراكيات... بأن لا عدالة في الأرض وأنّ النصر سيأتي من الله، ومن المقاومة، ومنها أنّ الثورة على القهر لا تقاد باسم الدين أو الأيديولوجيا لأنّها بل بدافع الحسّ الإنساني وصحوة الضمير وتتجاوز الدين والسن والعرق والطبقة... إلى غير ذلك من الدروس والعبر.
وها نحن اليوم نتابع بشغف فريق مرافعة الفريق القادم من جنوب أفريقيا، وهو يعرض الحجج والبراهين الدالة على تعمّد دولة الاحتلال إبادة الفلسطينيين/ات ومصادرة حقهم في الحياة. فنتبين منهج وضع الخطة وبلاغة الدفاع إذ لم ينطلق الفريق كما هو متوقع، من الإشادة بتاريخ جنوب أفريقيا وشرعية نضال شعب واجه الميز العنصري والتطهير العرقي وإنّما آثر الفريق التركيز على الأحداث وتنشيط ذاكرة المتابعين وذلك بالعودة إلى تاريخ الاستعمار وتاريخ الانتهاكات ومأسسة التمييز العنصري من خلال وضع السياسات وترسيخ الممارسات وبالإضافة إلى توظيف سياسات الذاكرة توقف الفريق عند ظاهرة الإفلات من العقاب و عدكم الاكتراث بالتقارير الصادرة عن الأمم المتحدة والتي حذرت من الإبادة الشاملة. كما أنّ الفريق اختار لفت الانتباه إلى تعدّد صور الانتهاكات ووصف مظاهر التدمير الشامل مرفقا الخطاب بالأرقام والإحصائيات وموضحا القصدية ومشيرا في الآن ذاته إلى النتائج المترتبة عن التقتيل والتهجير والتجويع والإذلال وغيرها من الأفعال التي استهدفت الجميع حتى الحوامل والرضع.
واختار الفريق توظيف بعض الصور الأساسية التي تثبت التجويع والاحتلال برفع علم اسرائيل بعد تدمير البيوت والمستشفيات ودور العبادة وغيرها من الأماكن التي تعج بالناس العزّل. ولم يسقط الفريق في المشهدية واستدرار التعاطف والتلاعب بالمشاعر في عصر الصورة وكانت خطته قائمة على الإقناع بالمنطق والتوقف عند بعض الفيديوهات التي تبين أنّ المصدر هو خطابات المسؤوليين السياسيين ك ناتانياهو ووزير الدفاع وبعض المسؤوليين في القيادة العسكرية فضلا عن أغاني الجنود التي تحتفي بالتقتيل وتتنزل في إطار الحث على الكراهية والقتل، وتجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم وتحوياهم إلى حيوانات وأشياء، بل هم نفايات لابد من التخلص منها .
كلّ المبررات تؤكد قصدية الفعل الإجرامي وتعرّي بشاعة ما حدث وتوضح أنّ الخطابات وردت على لسان أصحابها ولا تقبل التأويل وهي في تعارض كليّ مع ما ورد في الاتفاقيات والمعاهدات وكل النصوص القانونية. وكأنّ الفريق أراد أن يقول للعالم وشهد شاهد من أهلها فلم تتلاعبون بالحقائق ويزور الإعلام المتواطئ المعطيات الواردة من غزّة.
لم يكن أداء أعضاء الفريق ركحيا وأنّى له أن يكون كذلك والتدمير مستمر وأعداد الضحايا تتضاعف وإنّما كان الرهان على عرض الحجج والبراهين بطريقة تخاطب أصحاب الضمائر الذين يعرفون واجب حماية الأرواح ويدركون أنّ المواثيق وضعت بهدف إنهاء قرون من الاضطهاد والقمع والتوحش.
عمل الفريق تطلب دقة وتمحيصا ونقاشا مطولا حول خطة العرض والصور والفيديوهات والعبارات المختارة ونبرة الصوت والإيقاع وانتقاء للنصوص القانونية والاحداث التاريخية المستشهد بها والأقوال المعتمدة وغيرها من التفاصيل ...
الدرس يأتي من بلد عرف معنى هدر الكرامة والإذلال والاستغلال والقهر والحرمان من الحق في الحياة فصار قائد المبادرة والمسؤول عن إعادة البوصلة إلى اتجاهها الصحيح ولذا شكر التونسيون جنوب أفريقيا لأنّها أعادت لهم الثقة في القانون والعدالة وصحوة الضمائر فأدرك أغلبهم أن لا حلّ لنا إلا في اكتشاف بلدان الجنوب التي تشبهنا والانطلاق في رحلة التعلم وبناء الذات من موقع مختلف .