ماذا فعل بنا المتأسلمون .. ؟


محمد دوير
الحوار المتمدن - العدد: 4165 - 2013 / 7 / 26 - 02:48
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

من الصعب لباحث أن يحزم بأن الإسلام كدين يمثل أحد أسباب التخلف الحضاري للأمة العربية ، ذلك أن تاريخ الإسلام يشهد علي مرحلة تفوق حضاري لاسيما في الفترة من القرن الثالث حتي السابع الهجريين ,تفوق شمل علوما كثيرة وإن لم يتعد أكثر من ذلك حيث ظل نمط الإنتاج الإقطاعي هو المهيمن ولم تتمكن تلك النقلة الحضارية من تحول المجتمعات العربية – ربما في فترة مبكرة من التاريخ الإنساني – إلي مجتمعات أكثر عقلانية .. ولذلك أسباب عديدة ومهمة وخطيرة أثرت بالسلب علي وضعيتنا الراهنة.. وتركت جراحا غائرة في العقل العربي حتي الآن.منها علي سبيل المثال طرد العقلية الرشدية من حظيرة الفكر العربي ومجافاة ذلك العقل النقدي الذي حض عليه الإسلام في بواكيره المبكرة جدا.
ولم يتوقف تأثير هذا العقل الاتباعي النقلي عند حدود الفقه وترسيخ نمط علاقات ثقافية واجتماعية ثابت لا يتغير مع الزمن، لم يتوقف عند هذا بل تعداه إلي ما هو أبعد من ذلك عندما بدأت تظهر نظريات الفكر السياسي عند الفارابي وابن أبي الربيع وابن تيميه وغيرهم .. من هنا بدأ الأثر السلبي الحقيقي حينما تصوروا إمكان إقامة دولة وفقا لأحكام الشريعة وبناء علي تصورات أن الإسلام ليس دينا فحسب بل دولة أيضا.
كان انهيار الخلافة العثمانية هو بداية تحويل تلك النظرية السياسية في الحكم إلي واقع معارض للنظم العلمانية التي غزت العالم العربي – كما يقولون- فنشأت جماعة حسن البنا .. ثم توالت الجماعات ..بدأت تلك الجماعة كجماعة دعوية ثم ما لبثت أن تحولت إلي حركة سياسية ثم إلي حزب سياسي ما بعد ثورة يناير .. وهي بصدد أن تتحول الآن الي جماعة إرهابية تمارس التحريض والعنف والقتل.
ولا توجد بلد في العالم العربي محصن من وجود مثل هذه الجماعات المتأسلمة ، وخطورتها الحقيقية تكمن في الأتي :
1- تغييب وعي الجماهير، حيث تري أن التضاد هو بين السماء والأرض وليس بين الاستبداد والعدل.
2- تحريف النضال الوطني، فلا يوجد في قاموسهم السياسي فكرة الوطن، فليست تلك الأوطان سوي بعض بقايا عصور الجاهلية الأولي، وأن الخلافة الإسلامية هي التي تجمع الأرض والبشر تحت راية التوحيد. هذا الفهم هو الذي يفسر لنا لا مبالاة مرسي مثلا بمشكلة حلايب وشلاتين أو تفكير حماس في التوسع علي حساب سيناء.
3- طمس جوهر الصراع الطبقي ، فلا يرون سوي أن الله هو الذي يهب من يشاء ما يشاء واسقطوا فكرة الأخذ بالأسباب أو أن العدالة بين البشر جائزة شرعا وفقها وعقلا. فالصراع لديهم لا يشد الرحال سوي لثنائية المسلم والذمي.. وليس الغني والفقير أو المستغِل والمستغَل
4- إنكار الحق الإلهي في التنوع البشري والحق في العقيدة ومعاداة الفكر والثقافة والنظريات العلمية وخاصة في مجال البيولوجيا والفلك . وقديما تخلي ابن الشاطر وهو من أهم علماء الفلك في بلاد فارس الإسلامية عن مشروعه الفلكي بالكامل لأنه كاد أن يصل إلي نظرية أن الشمس وليس الأرض هي مركز الكون ، واعتبر ذلك مخالفا لاعتقاداته الدينية.
فماذا فعل بنا المتأسلمون .. سوي أنهم حولونا إلي عبدة نصوص تراثية فسرها الأولون وفقا لاجتهادات تمت في ظل ظروف اجتماعية مغايرة. ما فعلوه بنا أن اسقطوا من يدنا التدين الصحيح والتعلم الصحيح والحضور في العالم من أجل مشروع لا صله له بجوهر الدين الإسلامي..