أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - شريف حتاتة - عن الطفولة الموؤدة فينا














المزيد.....

عن الطفولة الموؤدة فينا


شريف حتاتة

الحوار المتمدن-العدد: 7328 - 2022 / 8 / 2 - 20:47
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


---------------------------------------

هل يوجد إنسان، رجلا كان أو امرأة لايحلم بالعدل؟ . إن حلم العدالة هو حلم إنساني ولد مع ولادة الظلم في الأرض. فالإنسان قادر علـى التخيـل، علـى رؤيـة مالايوجد أمامه، على تصور ما يريده لحياته. الفاصل بين الإنسان والحيوان هو خياله.
الإنسان قادر على تخيل نظام للعالم غير الأنظمـة التي يعاني منها، فهي مبنية على التفرقة، ولاتحقق له العدل، أو الراحة التي يصبو إليها. لذلك لايكـف عـن الحلم بوسيلة لتغييرها، ولايتوقف خياله عن تصور ما هو أحسن منها.
في الطفولة كنت مثل كل الأطفال أعبر بصوت عال عما لا يعجبني. عن الأشياء التي لا تقنعنـي. والطفـل حساس للظلم. يراه بوضوح، ويفصح عما في أعماقه. الطفل يرى الظلم، ولذلك هو قادر علـى الإحسـاس بالعدل. يرى الكذب، ولذلك ينطق بالصدق. من هنا جاءت القصة المشهورة عن الطفل الـذي رأى الملك سائرا في المدينة، وهو عار تماما بعـد أن خلع ملابسه. عندما مّر موكبه هلل له الناس، وقـالوا ماأجمل ملابسه. أما الطفل فقد أشار إليه وقـال فـي صوت عال "انظروا الملك.. إنه عار لايرتدى ملابسه".
هذه القصة تشير الى الخلل في حياتنا. لكننا تفهمها على أنها تدل على براءة، وسذاجة الطفل، ثـم تنسـاها. نريد أن نتهرب من مدلولها. فهي تعنى أننا عندما نكبـر نـكـف عـن الصدق، أو نفقد القدرة على رؤيته. إننـا لـم نـعـد نـرى المفارقات، أو الظلم، أو الكذب في حياتنا. تعودنـا فأصبحت طبيعية لدينا. أصابنا نوع من العمي، هو العجـز عـن رؤيـة الحق. تقبلنا الأوضاع الظالمة، والفاسدة التي نعيشـها فـي البيت، والمدرسة، والشارع، والمصنع، والحقل، في كل مكـان نذهب إليه. تكيفنا معها، وتعودنا عليهـا فأصبحت ظـاهرة طبيعية، ومنْ يعترض عليها يوصف بأنه طفل لم ينضج بعـد، أو مجنون أصابه شيء في العقـل، أو متطـرف أو شـاذ، أو مشاغب يجب إسكاته. بمعنى آخر الحياة تفسد الطفـل الـذي نحمله في أعماقنا. تفسده مظاهر التفرقة التي نعيشها في كـل لحظة من حياتنا. تفسده الأسرة، والثقافة، والمدرسة، ووسائل الإعلام. يفسده الخوف من العقاب على الأرض أو في السماء، عقاب الحاكم، أو الرب. لذلك لم نعد نرى ماكان يجب أن نراه. لم نعد نرى الظلم، والكذب، والتفرقة اليوميـة التـي تقتـرن بحياتنا. فقدنا القدرة على تخيل مجتمع مختلف، وعالم مختلف، ونظم مختلفة فيها صدق، وعدل. وأصبحنا ننظر إلـى مـاهو موجود على أنه سُنة الكون، موروث طبيعـي ، لانسـتطبع أن نغيره حتى نريح أنفسنا من وجع القلب.
الإبداع هو القدرة على تخيل حياة غير الحياة التي نعيشها. هي القدرة على رؤية عالم بلا كذب، وبلا ظلم. بلا تفرقة على أساس الطبقة، أو اللون، أو العرق، أو الديانـة، أو الجـنس. المبدع صاحب خیال مثل الطفل. لذلك فالمبـدعون الحقيقيـون عاجزون عن التعامل مع الحياة العاديـة للنـاس. أن الأحـلام الكبيرة تأخذهم، تستولى عليهم، تبعدهم عن الصغائر التـى تتحكم في أوضاعنا. إنهم كالأطفال، لا يقبلون مـا يغضبهم، كالأطفال في تطرفهم، وإصرارهم على التضحية بكل شيء ، ما عدا الإبداع الذي يعطى معنى لحياتهم. من خلال خيالهم يصنعون عالما آخر، عالما جميلا ومبهرا، لا يسوده القبح الذي يفسد حياتنا، لاتسوده الأشياء التي نهتم بها ، عندما نكون في سـن " الرشد".
الإبداع الحقيقي فيه شجاعة الأطفال الذين يعبرون عـن أكثر الجوانب حساسية في حياتنا، عن المحرمات التـي تكبـل الوجدان، والعقل. الأطفال يتساءلون عن الخلق وكيف تم. عن الجنس وأسراره. عن أسباب التفرقة بين الولد، والبنـت ، أو بين الغني والفقير. الطفل يتعاطف مع الخدم، ويعاملهم بإنسانية وبساطة. يلعب معهم دون أن يشـعر بحـرج لأنـهـم فقـراء، ولايحتقرهم لأنهم مختلفين عنه ، طالما أنه لم يتأثر بالكبار . والإنسان المبدع ، انسان سوى نفسيا ، سوى لأنه احتفظ بالحكمـة الطبيعيـة والعميقة، والعظيمة للطفل ، تلك الحكمة التي تحافظ على إنسانية الإنسان.
السعادة هي انطلاق الطفل الذي يعيش داخلنا. هي التخلص من القيود التي تسجن إبداعنا. هي الشعور بأن كل ما نملكـه من قدرات ومن خيال ، يجد فرصته لنعبر عنه في أعماقتـا. والحزن هو الشعور بأننا مكبلون بالقيود، لا نستطيع أن نستفيد من قدراتنا إلى أقصى حد، أن عندنا طاقة مختزنة لا يسـتفاد منها. السعادة هي أن نرقص، ونغني، ونقفز، ونعدو، ونقول ما نريده مثلما يفعل الأطفال عندما يتركهم الكبار لحالهم. السعادة هـي أن نضع تلك الألوان الفوضوية، والعبقرية التي يضعها الطفل على ورقة الرسم لتسري في حياتنا، أن نحـتج علـى كـل أنـواع الفساد، والظلم التي تحيط بحياتنا، أن نطلق العنـان لخيالنـا ، تلك المقدرة على الحلم التي تميزنـا عـن الحصـان، وعـن الحمار، وعن البغل. فسن الرشد هو التكيف مع قواعد الفساد التي تسايرنا. هو وأد الطفل الذي يسكن في أعماقنا. فالطفل كائن لم يتعرف بعد على القواعد الفاسدة التي تسيطر على عالمنا ، لأنه عالم مبنـى على استغلال الإنسان للإنسان، على التفرقة بين البشر، وعلى القهر.
من كتاب : " يوميات روائى رحّال " 2008
--------------



#شريف_حتاتة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن الثقافة ومؤتمر المثقفين فى مصر
- بائعة مناديل الورق
- نوال السعداوى وفتح الأبواب المغلقة
- فى القطار الى المنيا
- يا سعادة المندوب السامى !
- مدينة روائى رحّال
- يجب أن تكون أحلامنا كبيرة
- تأملات مسافر
- كنا أربعة فى قارب
- - نون - و - مُنى - بنت الطبيعة والرومانسية الساذجة
- القاتل .. مارلبورو
- فلسفة المِشرط
- المعذبون فى - مارينا - ضجيج الارهاب وضجيج - الجت سكى -
- قلبى ينبض مع أبعد نجمة فى السماء
- ماذا وراء التحالف الدولى لمقاومة الارهاب ؟؟؟
- - بغداد - قطرة فى بحر العذاب
- العلم والثقافة
- - تونى بلير - وفك الحصار عن العراق
- هكذا تكلم البحر
- القنبلة العقائدية


المزيد.....




- القضاء المغربي يصدر أحكاما في قضية الخليجيين المتورطين في وف ...
- خبير بريطاني: زيلينسكي استدعى هيئة الأركان الأوكرانية بشكل ع ...
- نائب مصري يوضح تصريحاته بخصوص علاقة -اتحاد قبائل سيناء- بالق ...
- فضيحة مدوية تحرج برلين.. خرق أمني أتاح الوصول إلى معلومات سر ...
- تظاهر آلاف الإسرائيليين في تل أبيب مطالبين نتنياهو بقبول اتف ...
- -فايننشال تايمز-: ولاية ترامب الثانية ستنهي الهيمنة الغربية ...
- مصر.. مستشار السيسي يعلق على موضوع تأجير المستشفيات الحكومية ...
- طالب جزائري يخطف الأضواء في برنامج للمواهب بروسيا (فيديو)
- مقتل شخص وإصابة ثلاثة آخرين في إطلاق نار بحفل في مدينة نيويو ...
- احتجاج مناهض للحرب في غزة وسط أجواء حفل التخرج بجامعة ميشيغا ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - شريف حتاتة - عن الطفولة الموؤدة فينا