أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - سعيد مضيه - استعمار ثقافي أشد فتكا بالقيم الوطنية والإنسانية من الاستعمار العسكري او الاقتصادي















المزيد.....



استعمار ثقافي أشد فتكا بالقيم الوطنية والإنسانية من الاستعمار العسكري او الاقتصادي


سعيد مضيه

الحوار المتمدن-العدد: 7099 - 2021 / 12 / 7 - 12:19
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


ا
البنية الثقافية المحلية تستقبل ثقافة الغزو الامبريالي وتخدمها نقطة انتشار
كشف عدوان حزيران ما تعانيه المجتمعات العربية من تخلف مريع، حافظت عليه السيطرة الاستعمارية المباشرة وامدته بنسغ الحياة، مظهر استنزاف وإهدار للطاقات الوطنية؛ كما حافظت على التخلف الانظمة العربية كافة التي ورثت الحكم. "التخلف هنا ليس تخلفاً اقتصادياً أو إدارياً أو إنمائياً ، بل إنه كامن في أعماق المجتمع العربي لا يغيب لحظة واحدة ، بل إنه يقبله ويتعايش معه". يرصد الظاهرة هشام شرابي في كتابه "البنية الأبوية إشكاليات تخلف المجتمع العربي"، ألذي اانهى تأليفه عام 1988 وصدر مترجما للعربية عام 1992؛ لكنه أهمِل بمؤامرة صمت من قبل الأطراف التي دمغها الكاتب بمسئولية التخلف ورعايته في الحياة العربية. لم تسترشد به قوى التقدم العربية للسبب السابق ونظرا لأنها في تلك الحقبة كانت تغط في غيبوبة . يضيف هذا المفكر الراحل ،" ويتخذ هذا التخلف صفتين متلازمتين هما : اللاعقلانية والعجز ، الأولى تتجلى في عدم القدرة على التدبير أو الممارسة ، والثانية في عجزه عن التوصل إلى الأهداف التي يرنو إليها". انقضاء المدة على تأليف الكتاب والتغيرات التي طرأت اكدت مصداقية المؤلف وعمق استكناهه للواقع العربي ، حيث اعتبره مجتمعا واحدا نظر لتجانسه ووحدة القوى المهيمنة . فراغ العقلانية الموروث تملأه الخرافة والشعوذات والنزق والانفعالية والتمويه وشتى صنوف الدوافع والنوازع اللاعقلانية. وطبيعي حين تتوجه الأفعال بإحدى هذه الدوافع فالنتيجة المحتمة هي الفشل والعجز عن تحقيق الأهداف . هكذا حدثت الانكسارات والهزائم في منازلة العدوان الإسرائيلي، وتمت المراوحة في دائرة التبعية؛ إذ فشلت مشاريع تعزيز الاستقلال الوطني وفشلت التنمية، نظرا لغياب الديمقراطية وحراك الجماهير الشعبية من قبل الأنظمة الوطنية والتابعة.
الى جانب هشام شرابي برز باحثون عرب قاربوا التخلف الاجتماعي من جوانب أخرى،إيديولوجيا التحرر الوطني على أيدي محمود أمين العالم ومهدي عامل ، التربية وعلم النفس الاجتماعي والأنثروبولوجيا والتراث الإسلامي وعلم النفس السياسي والنقد الأدبي . أرجع الباحثون جميعا استمرار اللاعقلانية العربية الى مصدرين تجمعا في ما أطلق عليه النظام الأبوي المحدث او المستحدث: انظمة أبوية تعود في التاريخ الى ما قبل الإسلام أوجبتها قسوة الصحراء المحيطة، وضرورات تنظيم القبيلة وإخضاعها لقيادة حازمة كي تصمد في الصراع مع الطبيعة القاسية وضد قبائل منافسة على الماء والكلأ. وحداثة امبريالية حدثت البنية الأبوية حال تلامسهما فأحدثت خلالا منع التطور اللاحق . قيم شرابي جانب التحديث الذي نجم عن احتكاك العرب بالحداثة الأوروبية، إذ تواصلت حالة ما قبل الرأسمالية؛ اندمج التخلف مع التبعية قوة كابحة للتحرر والتقدم والتنمية . يشير مفهوم "محدث" الى توفر عامل خارجي يؤثر في تطور داخلي ، فيدفعه الى التحول. فما ان تنطلق عملية التحديث حتى يتشوه التطور الذاتي الداخلي ، فيتخذ شكلا لم يكتمل نضوجه. لم تتحول المجتمعات العربية إلى رأسمالية مكتملة، ولم تبق على تراكيب كانت متماسكة وتحافظ علي انسجام الحياة؛ غدت المجتمعات العربية هجينة تخلت عن التقليدي وقعدت عن إيجاد البدائل. لذلك لا يمكن قراءة المجتمع الأبوي العربي إلا وفق رؤية التبعية والأبوية. ادى تغلغل الرأسمالية في الاقتصاد العربي الى نشوء رأسمالية تبعية ومزيفة. لم تظهر طبقة برجوازية ناضجة ، ولا طبقة عاملة أصيلة". أُتْبِعت التبعية الاقتصادية والسياسية بتبعية ثقافية، فجاءت أشد وطاة وفتكا بالقيم الوطنية والإنسانية.
شاطر شرابي، في رصد ظاهرة إخضاع المجتمعات لسلطوية مطلقة، الباحث في الثقافة الإسلامية التراثية ، نصر حامد ابوزيد؛ تحدرت السلطوية عبر القرون تحت مسمى الحاكمية قنّع بها السلاطين سيطرتهم المطلقة. في مؤلف، "النّص السّلطة، الحقيقة الفكر الدينيّ بين إرادة المعرفة وإرادة الهيمنة" -المركز الثقافيّ العربيّ، ط2 - 1997 ، ص143، 144] ، يورد الباحث الحاكمية مجتمع إخضاع وهدر:
"خطر الحاكميّة لا ينحصر على مستوى الدّلالة السياسيّة، بل يمتدّ عميقا في بنية الوعي الاجتماعي، فيصبح مبدأ حاكما لكلّ المؤسسات الاجتماعيّة بدءًا من الأسرة، فتتركّز الحاكميّة في يد الذّكر في علاقته بالأنثى، وفي يد الأب في علاقته بالأبناء، والأكبر في علاقته بالأصغر، والرّئيس بالمرؤوس. ويتحوّل الأمر إلى كارثة حين نرى للمبدأ حضورا في المؤسسات الفكريّة والعلميّة، فتتحوّل المؤسسة الدينيّة – الأزهر- إلى حَكَم في شئون الفكر والإبداع الفنيّ والأدبيّ. إنّ وجود جهاز للرقابة على الكتاب والمصنّفات الفنية والأدبية كارثة في حد ذاته، فما بالنا حين يسيطر على هذا الجهاز المؤسسة الدينية، فتصادر الكتب وتتدخل بالحكم على بعض الإنتاج الفني".
وكذلك من منطلق علم النفس الاجتماعي يتم رصد ظاهرة السلطوية. مصطفى حجازي علامة ذائع الصيت، اورد في كتابه "الإنسان المهدور" -الطبعة الثانية -بيروت 2006 المركز الثقافي العربي :
"عطلت سياسات الاستبداد الطاقة الذهنية وكل الطاقات الحيوية في الفرد والجماعة عن الفعل، واحلّت البلادة والخضوع. هدرت التفكير والإرادة لدى الأغلبية الساحقة من الجماهير الشعبية. قوضت نظم الاستبداد الأبوية إنسانية البشر وهدرت طاقتهم الحيوية الإبداعية".
تسلل الاستبداد الى التربية البيتية، حيث شابها الهدر وتركت ندبا نفسية لا يحس بها المرء،عقد نفسية لا يعيها المرء او يعيها معتبرا إياها حالة طبيعية، لكنها من اخطر إفرازات الهدر في الحياة الاجتماعية العربية.
دراسة الدكتور مصطفى حجازي، " الإنسان المهدور" طورت دراسة سبقت بعنوان "التخلف الاجتماعي سيكولوجية الإنسان المقهور" (1985). قادته أبحاثه الاحقة إلى ان الإنسان العربي كابد ما هو أشد وطأة من القهر, فالمقهور يحتفظ بمداركه ، يعي قهره، حرمانا من ممارسة بعض الحقوق؛ اما المهدور فلا يعي مأساته ويستنزف طاقاته الحيوية في مداراتها دون التخلص منها. الكتاب يحتفظ بأهمية استثنائية لكل مشتغل بالسياسة؛ فهو دليل المناضل السياسي في التعرف على الحالة النفسية للجمهور كما اوصى لينين مرارا وطبق في أبحاثه السياسية والنظرية. مجال علم النفس الاجتماعي يدخل في النضال التحرري وفي تحكّم الإنسان بمصيره ، وفي قضايا التنمية الاجتماعية ؛ إذ لا تنمية اجتماعية إلا بمقدار ما تتسع خيارات الإنسان في امتلاك زمام مصيره تسييرا او توجيها او صناعة مصيره، من خلال بناء قدراته الذاتية وتمكينه الكياني، بحيث يرتقي الى نوعية تحقق كامل إنسانيته، أ ويمارس ديمقراطية حقة.
تطابق استخلاصات هشام شرابي في مؤلفه المشار اليه مخرجات التحليل النفسي لفرويد : "اللاوعي الثقافي هو ذلك المخزون الثقافي المتوارث الذي يوجه الميول والرؤى ويحدد السلوكات بشكل عفوي. ليس عجبا انتظار الجماهير الفرج على يد بطل يملك السلطة والقوة، بطل منفرد ومتعال يرد لها حقوقها السليبة(111). ومن ثم فانتظار المخلص ضابطا عسكريا او فدائيا انتحاريا مظهر لخاصية لاواعية في المجتمعات المرتبطة بالعصور القديمة. ضحالة الوعي تلهم الفصائل المسلحة ممارسة القهر ضد أناس ينتمون لنفس شريحتهم الاجتماعية ؛ وقد رأينا ميلشيات الفصائل تفرض على الجمهور الإضرابات والإغلاقات ، وذلك تعويضا عن الفشل في تثقيف الجماهير وكسب تأييدها والتفافها .في مجتمع الاستغلال كل من يولد بموهبة وذكاء، او بقدرات عضلية أو ميزة عشائرية أو ثراء تتولاه نزعة استخدام ميزته لغرض الاستغلال وفرض الإرادة . "لدى الإنسان لا تعرف غريزة السيطرة حدودا.... والإنسان هو الكائن الوحيد الذي تتجاوز نزوة السيطرة لديه الحاجة إلى التحكم وتتحول إلى نزوة سطوة ، تهدف إلى الاستحواذ على الموضوع والسيطرة عليه بالقوة(83).
من جانب، كما لاحظ محمود أمين العالم، يتحمل مسئولية السيطرة الثقافية الامبريالية " بنية ثقافية ايديولوجية داخلية، أفرزنها وتفرزها الهياكل السياسية والاقتصادية الرجعية التابعة السائدة في مصر اليوم( والأقطار العربية الأخرى)، تكريسا وإعادة إنتاج لهذه الهياكل نفسها. وهذه البنية الثقافية والإيديولوجية المهيمنة هي التي تمهد السبيل لاستقبال الثقافة الامبريالية والصهيونية واستنباتها...الخطر على قيم الثقافة العربية، التي هي تعبير عن قيم الثورة العربية يكمن في كثير من الأوضاع العربية عامة ، بما تشكله من هياكل وأبنية سياسية واقتصادية وثقافية وإيديولوجية تعد صالحة لإفراز واستنبات قيم ومفاهيم هذه الغزوة". وتعمد الأنظمة الأبوية وحلفاؤها الليبراليون الجدد الى التجهيل وحتى هدر التفكير والطاقات الحيوية كي يضمنوا دوام سيطرتهم الاقتصادية. " لا يمكن لاستبداد أن يحكم سيطرته، ولا يمكن لعصبيات أن تستفحل وتستنزف قوى المجتمع وموارده ومؤسساته إلا من خلال هدر الفكر والوعي والطاقات ( 163).
تأثر شرابي بهزيمة حزيران، التي لم تنجح لولا الضوء الأخضر من جانب الامبريالية الأميركية. وسرعان ما تخلص من الإحباط الى موقف ثوري متحدي. في صيف 1967 "نفذ ماركس الى أسس تفكيري"، كتب في مقدمة الطبعة الرابعة(1991) لكتابه "مقدمات لدراسة المجتمع العربي". بالمنهج الماركسي، المادي الجدلي، وضع كتبه بعد هذا التاريخ ؛ يلحظ القارئ ذلك في الكتابين " مقدمات لدراسة المجتمع العربي " و" البنية الأبوية". وفي الكتابين اماط اللثام عن دور تخريبي لثقافة الامبريالية في إرباك وتشويه وعي الشعوب:
"رافق الاستقلال السياسي نوع مغاير وغير مباشر من الاستعمار الثقافي ، إلا أنه كان اوسع انتشارا ؛ إذ أنه لم يستمد هيمنته من سيطرة سياسية او عسكرية مباشرة، بل من اختراق الثقافة الغربية للنخبة الأبوية الجديدة ، مضافا إليها سيطرة وسائل الإعلام الغربية وشيوع قيم المجتمع الغربي الاستهلاكي وحاجاته"[100]، وما اوسع تلك الحاجات وما أشد تنوعها. لم تعد الحاجات تلبي مطالب فسيولوجية بل غدت الاستهلاكية سباقا لاهثا واستعراضيا. في المجتمع الاستهلاكي تغدو مكانة المرء الاجتماعية متوقفة على ما يستهلكه ويدخله في استعمالاته وليس في ما ينتجه او يقدمه للمجتمع. ومجتمع الاستهلاك سباق على الكسب المادي بغض النظر عن الوسيلة، مع إهمال الاقتصاد الإنتاجي الوطني؛ تنتفي الحاجة حينئذ لتنشيط الأبحاث العلمية، ويُتعمد إغفال مهمة تنشيط البحث العلمي في الجمعات ، وحتى التعليم العملي في المدرسة . يوجه شرابي سؤالا استنكاريا ، حيث قدم الإجابة من قبل:
كيف يمكن إذن شرح الحقيقة بأن العرب ما زالوا يستوردون العلم والتقانة (التكنولوجيا) بعد مرور قرن ونصف من انفتاحهم على العلوم الغربية"؟[100] وقبل ذلك ينتقد انظام التعليم: "في مرحلة الاستقلال الوطني انتشرت مراكز التعليم العالي ومؤسساته في الوطن العربي بسرعة فائقة. لم تخرج علما بل علماء ولا علوما طبية بل اطباء ولا علما اجتماعيا بل علماء اجتماع، وهكذا دواليك."[96] . في مؤلفه " مقدمات لدراسة المجتمع العربي "ص70 –يجزم بصورة نقدية: " ان المعرفة في أشكالها المختلفة ، لا تصبح معرفة حقة الا عندما تمتلكها الذات الاجتماعية الشاملة، فتصبح تعبيرا عن واقعها وعن إمكان تجاوز هذا الواقع ...ان العلم والفن والفلسفة المستوردة تحافظ على استمرارية ذهنية الوعي الخاطئ وتقويها في المجتمع"؛ هي تنمي التخلف، حيث تتعزز بالنتيجة مشاعر الدونية تجاه منتج المعرفة ، الأوروبي او الأميركي او الياباني. "وما يصدره الغرب من علوم وتقانة هو ما تجاوزه التطور العلمي وغدا متخلفا.... المؤسسات الأجنبية عززت انماط التربية الغربية وروجت استخدام اللغة الإنجليزية لغة اتصال علمي ، إضافة الى إعطاء الأولوية ".

طبيعة النظام الأبوي لا تعوزه لمبتكرين او منظمين ؛ حاجته تقتصر على موظفين بيروقراطيين يتقنون تلقي الأوامر وإصدارها . حتى خريجي المراكز التعليمية الغربية "كانوا في معظمهم قوميين وطنيين في اتجاهاتهم السياسية ، إلا أنهم كانوا ثقافيا ونفسانيا تحت تأثير الغرب، مشكلين بذلك قطاعا منفصلا هو اكثر قطاعات المجتمع تبعية للثقافة الغربية. ويمكن فهم ذلك في ضوء ان النخبة العربية المثقفة عقب فترة الحرب العالمية الثانية كانت بشكل عام مناوئة للماركسية ، إذ كان الغرب يشكل بالنسبة اليها المعيار الأساسي لقياس كل أمر ، من طريقة الملبس حتى أساليب التعليم الملائمة للأطفال، وإلى الطريق السليم للتنمية الاقتصادية ‘بناء الدولة’. وعليه فإن الشكل الطبيعي للتغير الاجتماعي من وجهة نظر هذه النخبة كان يتجسد في التمسك المطلق بمبادئ التنمية الغربية القائمة على الاقتصاد الرأسمالي والسوق الحرة"[96].
الفكر بما هو نتاج التفكير، يخدم غاية كبرى في سيطرة العقل على العالم وظواهره ، وبالتالي سيطرة الإنسان على ذاته وواقعه، وصولا إلى صناعة مصيره . وعليه يقود هدر الفكر إلى فقدان السيطرة ، وإفلات زمام تسيير الحاضر واستشراف المستقبل وصناعته. وبالتالي هدر الكيان الإنساني ذاته من خلال "رده إلى مستوى النشاط العصبي الموجه لإشباع حاجات البقاء البيولوجي. ... يعطل استخدام الدماغ، ولا يبقى سوى الجزء المسمى ‘الهيبوثولاموس’ ، وهو كتلة في وسط الدماغ لا يزيد وزنها عن خمسة غرامات ، أي ما يشكل خمسة وثلاثين بالمائة من الواحد بالمائة من وزن الدماغ البشري الراشد. وهذه تضبط وظائف الأكل والنوم والجنس والانفعال". (حجازي-167). كذلك فإن التحديات الفكرية وطرح المشكلات التي تحتاج إلى حل، وتنشيط التفكير التحليلي النقدي يساعد على زيادة تكوين الشبكات العصبية في الدماغ، من خلال نمو النشاط المعرفي نمت هذه الشجيرات، وتوفر للدماغ شبكات عصبية جديدة تزيد كفاءته. وعلى العكس من ذلك فإن " التزمت والحجر على التفكير بالتحريم والتجريم ، وكذلك التلقين وفرض الجواب الواحد الصحيح ، تؤدي إلى تصلب الدماغ وتردي كفاءته من خلال تقلص تشبيكاته العصبية الناتج عن قصور نمو الشجيرات العصبية وتدهورها(حجازي -168).
ومن موقع مناظر يكتب شرابي: "ان عوامل التخلف العقلي والقحط العاطفي والشلل الفكري التي احدثها الإرهاب الاستعماري ليست واضحة للعيان وضوح آثار الاستغلال الاقتصادي، إلا أنها قد تكون اكثر تدميرا على المدى البعيد. ولربما يتوجب على اية محاولة ترمي الى فهم الأزمة الشاملة التي ولدتها عملية ‘التحديث’ في علم الاستعمار أن تستوعب ظاهرة الإرهاب والاستغلال الاستعماريين وآثارهما الاجتماعية والنفسية. وهل هناك من مجال للشك في أن تطور المجتمع العربي كان قد اتخذ وجهة مغايرة تماما لو ان العرب نجحوا في التحديث، كما تم لليابانيين، فيما لو بقوا بمناى عن اوروبا، وبالتالي تجنبوا آثارها الإرهابية الضارية؟(91).
كانت البدايات التأسيسية للنهضة العربية في مصر على يد محمد علي التي تزامنت مع نهضة اليابان محكومة بتاريخ ممتد لسطوة الحكم المطلق مشفوعة بسيطرة العقيدة. " عماءً مطبِقا ملحاحا قد حال دون استيعاب الجيل الأول للتناقض الجوهري بين العلم والعقيدة، وهو تناقض ماثل في صلب الفكر العربي ، كان اليابانيون قد وعوا أبعاده وعواقبه منذ البداية . لذا بقي الوعي العربي خاملا وخامدا ، وقابعا في حيز سابق على التفكير العلمي ومنصرفا الى التمحيص الأدبي – العقائدي وقادرا على صياغة الفكر الساذج وحسب."(شرابي- 120)
قهر الامبريالية مدعم بقهر الحاجة في ظروف العجز حيال الطبيعة يتجلى مع استيراد السلع المتطورة من الغرب - يعادل الإقرار الطوعي بالعرقية الذاتية ، وهو أشد خطرًا من القهر المادي الموظف من قبل السلطة، إذ الأخير ملموس ومدرك ومرفوض لذلك- نقول ان "القهر اللاقسري للاستعمار الثقافي يمكن النظر إليه على أنه السياق الأوسع الذي تنهض فيه ثقافة المستعمِر طامسة لثقافة المستعمَر" [94]. هذا التلاقي في ظرف غير موات يولد القناعة بتفوق الآخر، وان لاحاجة لإعمال الفكر وإنتاج المعرفة ، ومن ثم استحسان الرضوخ الطوعي لهيمنة الفكر الغربي. مثاله الصارخ إدخال زيوف الفكر الاستشراقي بصدد تاريخ فلسطين القديم في المناهج المدرسية بدون نقد او تمحيص.
يطلق الباحث على هذا الاستعمار الثقافي "عقدة الخواجا"، شاهدا على النقص في الثقافة المحلية مقابل تفوق كل ما هو اوروبي. ولذا فعلى كل من أراد الجودة والقوة والمقدرة والصدق ان يتمثل بالأوروبيين. وقد تجسد هذا المنحى معرفة وممارسة في قيام معظم
الأقطار العربية بتبني أنظمة تربوية كان للمبشرين الأوائل اليد الطولى في إرسائها" [96] . نظم التربية أدخلت العلماء ولم تدخل العلم ، لم تتم تنمية البحث والاستنتاج ،إنما الذي تكاثر هو الحفظ والنقل وتخزين المعلومات. وتتجلى خطورته في إدخاله في طيات المنهاج التعليمي في المدرسة والجامعة. ليس ذلك مستغربا ؛ فالتعليم المدرسي والجامعي يعيد غنتاج النظام الاجتماعي. والتعليم بمضامينه واساليبه معد خصيصا لإعادة إنتاج التخلف. وهذا موضوع الحلقة التالية.
يتبع لطفا

أسلوب التربية حال دون تبني المنهجية العلمية ؛ وهذا يعود إلى التباسات اللقاء الأول مع العلوم الأوروبية "كانت النظرة الى العلم خلال مرحلة النهضة التي شكلت تكون النمط السائد للفكر الأبوي المستحدث عقائدية في جوهرها ، دون الالتفات مليا الى النظرية العلمية ومنهجها . ارتكزت عقيدة النهضة الى العلموية بينما بقيت نظريتها في المعرفة قائمة على الأبوية . تم التعبير عن هذه الثنائية تحت شعار العلم والإيمان ومؤخرا رد الأصوليون هذا الشعار الى الحياة. إذ انه اساس المحافظة في آن على نقاء العقيدة وسلطة المجتمع. وبخلاف اليابان التي كانت حتى ذلك الحين تستورد بانتظام العلم والتقانة من أوروبا ، وتحولهما إلى مقتنيات فكرية ومنهجية فعالة، فإن الأبوية المستحدثة العربية كانت منصرفة الى تبني موقف أدبي – ديني من اوروبا ومن التاريخ والذات، فحرمت نفسها ومنذ البدء من أي فرصة للتطور (كما فعل اليابانيون وباتساق يدعو الى العجب) باتجاه موقف مستقل واع كان ليمكنها بعد استيعاب صدمة اوروبا من تمهيد السبيل امام الفهم العلمي. وكان عماءً مطبقا وملحاحا قد حال دون ستيعاب الجيل الأول لهذا التناقض الجوهري بين العلم والعقيدة ، وهو تناقض ماثل في صلب الفكر الغربي ، كان اليابانيون قد وعوا ابعاده وعواقبه منذ البداية؛ ولذا بقي الوعي العربي خاملا وجامدا وقانعا في مصاف سابق على التفكير العلمي ومنصرفا الى التمحيص الأدبي - العقائدي وقادرا على صياغة الفكر الساذج فحسب "[119-120]
نقد جذري للثقافة الأبوية المستحدثة- استهل الباحث مطالعاته بمقتبس من مقال كتبه صديقه الشاعر أدونيس، افتتح به مجلته" مواقف طليعية"، التي صدرت عام 1969، جاء فيه:" الثقافة كفاح ووحدة عمل وفكر .إنها الثقافة التي لا تعنى بتفسير العالم او الحياة او الإنسان إلا لغاية أساس، تغيير العالم والحياة والإنسان. إنها الثقافة – الثورة." يبرز الباحث الفكرة الماركسية ليوضح أن جميع المحاولات النقدية للثقافة الأبوية المستحدثة توقفت عند الوصف والتفسير وقصرت عن التغيير.

تبين ان عدد المعاهد الدراسية لا ينجز تقدما ، إنما ينجز التقدم والتحديث المجتمعي من خلال نوعية التعليم ونمط التربية . بالنظام الأبوي الراهن يستحيل إنجاز التحول التقدمي. بات النقد حاجة قومية ماسة، لا يرمي نقد النظام فقط إلى تأسيس‘خطاب نقدي’ يتمكن من إضفاء الوعي الذاتي الصحيح ، بل لتقديم نظرية فكرية فعالة قادرة على تفكيك أواصر الوعي السائد والسير نحو وعي جديد وممارسة جديدة. وعليه فالنقد الفعال يشكل اليوم مهمة مركزية في عملية الإطاحة بالخطاب الأبوي المستحدث ونظامه الاجتماعي والسياسي(171.)
في ضوء هذا الواقع الملبد بالغفلة والانصياع التام لمرشدات الدعاية الامبريالية فإن "الثورة الثقافية (او الاستقلال الثقافي) تكتسب معناها الأصيل ، إذ انها تشير الى نضال أضنى من الصراع السياسي واطول مدى"[101] . التغيير الثقافي الثوري سيرورة واعية وهادفة تنطلق من إدراك حيلة مخادعة وشرك تورطت فيه أجيال من التربويين العرب نادت ب "فرض نموذج التدريب المتبع الى خلق مثقفين وخبراء يميلون الى الولايات المتحدة ومؤسساتها السياسية والاقتصادية"[102]
من اوائل الباحثين في الواقع العربي الأكاديمي هشام شرابي، وجاءت درساته للمجتمع العربي متميزة بعمق سبرها للواقع. فهوينظر الى الأقطار العربية جميعا وحدة واحدة من حيث البنية الاجتماعية ، وهي بنية بطريركية (أبوية) تقوم على الاستبداد والتسلط: الأسرة تتسلط على الطفل والمدرسة تتسلط من خلال إنزال العقاب، وأحيانا بالصفع على الوجه لفرض الخضوع، ثم التعليم التلقيني." التلقين ، من حيث هو طريقة تسلطية في التعليم يجعل المتعلم يستجيب باكتساب عادة البصم .. ولا يهتم بالفهم والإدراك " . بهذ النمط التعليمي يفقد الطفل روح المبادرة وينشأ جاهلا النقد والإبداع، يعتاد الاتكال، إذ يجد من يقدم له لمعرفة. لا تنمو في وعيه عادة البحث عن المعرفة والمعلومة ." حياة العربي تبدأ وتنتهي بالتلقين، اما العنصر المشترك بين التلقين والعقاب فهو أن كلا منهما يشدد على السلطة ويستبعد الفهم والإدراك ، اي ان كلا منهما يدفع الى الاستسلام ويمنع حدوث التغيير . يتعلم الطفل أن يقبل دون اعتراض او تساؤل ". المجتمع برمته يكابد علاقات الاستبداد والتسلط، وبالنتيجة ، بتأثير السلطوية يجد الفرد نفسه مضطرا لإخفاء نواياه وممارسة الرياء لإرضاء الأخرين. هكذا يفقد التعليم السلطوي قيمته التعليمية وتكون إضافته جد ضئيلة في تطوير شخصية الفرد والأجيال. تعيد العملية التعليمية علاقات السيطرة والرضوخ؛ فنرى الأنظمة ترعى التعليم التلقيني والتربية الاتكالية. يلقي هذا الواقع على قوى التغيير الاجتماعي مسئولية كسر الحلقة الشيطانية وتجترح، ولو بالتدريج وبمبادرات من معلمين تقدميين، نظاما تعليميا يعتمد الحوار واحترام شخصية التلميذ.
هذا ما توصل اليه باحث في مجال علم الاجتماع. وفي مجال آخر ، علم النفس الاجتماعي نجد نفس الاستنتاج. في مؤلفه "الإنسان المهدور يورد لدكتور مصطفى حجازي : يبدأ خلل التربية في البيت وفي الصفوف المدرسية الأولى، حيث تحسم المعالم الأساس لشخصية رجل المستقبل. في مرحلة الطفولة "يجري تلقين الطفل أفكارا ميتافيزيقية لا يستوعبها عقله وليس بمقدروه انتقادها فيصاب بضرر ذهني يخمد جذوة ذكائه. قد يفقد الطفل شعلة الذكاء جراء التربية المفروضة عليه، والمعاملة التي يتلقاها . وما عملية التطبيع الاجتماعي من المهد الى اللحد إلا استمرار لعملية الاستعباد التي يفرضها الجيل القديم على الجيل الجديد. بتعبير آخر نحن نحرم الأطفال من مواهبهم ونحد من قدراتهم لأننا نسعى لتنشئتهم على مثالنا"[118]. التربية في مجتمع متخلف تنمي لدى الأجيال احترام الأقارب بتأثير الخوف من العقاب؛ بينما التربية الحقة تنمي احترام القانون والعدالة . جرى توسيع المدارس والجامعات ، وتكاثرت أعداد الجامعيات والجامعيين لكن المجتمعات العربية تسجل في ذيل القوائم من حيث القراءة وإصدار الكتب والترجمات ، وكذلك من حيث حقوق المراة وحقوق الأفراد بصورة عامة. ترجع هزائمنا وانكساراتنا امام العدوان الإسرائيلي الى الانفعالية في ردود الأفعال ، نظرا لتقصير التعليم في تربية العقل القادرعلى التفكير والنقد والتخطيط والتنظيم وحسن الإدارة.
يلقي هذا الواقع على قوى التغيير الاجتماعي ان تبادر لكسر الحلقة الشيطانية، بالتدريج ولو بجهود فردية من معلمين تقدميين، تفهمهم واجبهم في مجال نشاطهم استبدال التعليم التلقيني بتعليم حواري واحترام شخصية الطفل. كما يعتمد الممارسة العملية في التعليم أسلوبا لتحويل المعلومة الى ثقافة.
اكتشف البحث العلمي تركة تخلف اجتماعي عميقة الجذور تتجسد في القهر والهدر الاجتماعيين. الهدر أسوأ من القهر ، حيث الأخير يظل موضع وعي الضحية يسعى دوما للتخلص منه ؛ اما الهدر فيسري في الأوصال وتلافيف الوعي غير مدرك يبتلعه المهدور ["يجتافه" حسب تعبير حجازي] ، ويدلري عليه بآليات يطورها ، وبذلك يحافظ عليه. من مخلفات الماضي يرى حجازي:
"السيد لا ينظر الى الآخر المقهور كإنسان فعلي ، انه يفقد التعاطف معه والإحساس بمعاناته وآلامه، ومخاوفه وحاجاته . من هنا تنبع تلك القسوة البادية في تصرفاته تجاه من يخضعون له ، تلك اللامبالاة تجاه معاناتهم(37). " وبمقدار ما يبخس الإنسان المقهور ويفرض عليه الانحطاط والشقاء ، يصبح مستضعفا اتكاليا مستكينا . وهذا بدوره يؤكد في ذهن المتسلط اسطورة تفوقه وخرافة وغباء الإنسان المستضعف وعدم آدميته(38).

تتجلى عقدة النقص في موقف الإنسان المقهور من العلوم والتقاني. فهو يستنتج دونيته إزاء صانع السلعة جازما بعدم القدرة على إنتاج مثيلها، فعقله قاصر." يضع نفسه مسبقا في موضع العاجز عن استيعاب التقنيات الحديثة . يظل أمامها مبهورا لأن الآلة بالنسبة له ليست اواليات تحكم بنيتها في كل مجموعة من القوانين الفيزيائية والرياضية بل كيان سحري يمت الى عالم يتجاوز عالمه"(44). لا يستوعب ذهنه ان قوانين صنعها تم اكتشافها من خلال البحوث العلمية.
ثمة امتداد آخر يتفرع اليه التخلف المعرفي والجمود الذهني يتجلى في أنشطة التمرد الفوضوية التدميرية وصعوبة ترويض الأفرد والجماعات في نشاط ثوري واعد. الطبقة العاملة ، تاهلت للانتظام والانضباط في المصنع ، وتعلمت الرؤية الجماعية وقيمة التواضع. هذا ، بينما عناصر المقهورين والمهدورين من فئات أخرى "بغياب التنظيم والتثقيف يحس المتمرد بنوع من الاستثناء يدفعه لكسر كل القواعد وازدراء القيم . هنا تتضخم الذات يقابلها انحسار في قيمة المحيط وأهميته، يفضي إلى الإحساس بالعظمة وتظهر تصرفات اهتياجية، ويصطبغ المستقبل بالتفاؤل المفرط والمبالغ فيه دون سند كاف من الواقع"(54). الخلاص العاجل يشهر شعار " النصر او الشهادة" هي ضربة مفردة تكون الشهادة نمط عبادة تفضي الى الجنة بدل أن تكون إرادة تحرر. حينئذ "الحاجة الى الخلاص الصغير من خلال القتال قد تخلق عقبة فعلية بوجه التنظيم والإعداد لمعركة طويلة النفس . وقد يبرز خطر تحول القيادة الى بطولة فردية تستقطب الجماهير التي تظل على تبعيتها المزمنة مع تغيير التبعية من المتسلط قديم الى مخلص جديد. وبدل عقدة النقص تبرز عقدة الاستعلاء، وبدل العجز يبرز عقدة الجبروت" (55).




التجديد الثقافي والعقلي الذي تملك قوى التفيير الاجتماعي أدواته ومفاتيحه، تستطيع الدفع به سواء على طريق التربية المدرسية والارتقاء بالتعليم ، ـو البحث العلمي أو الاستثمار في الثقافة الأدبية والفنية المتقدمة.
التغيير الاجتماعي ، شأن اي تغيير يستهدف تحويل مادة خام الى قيمة استعمالية ، يتطلب اولا معرفة المادة المراد تغييرها وكذلك ادوات التغيير . التغيير الاجتماعي المنشود من قبل اليسار يتناول المجتمع ككيان اقتصادي وبنية اجتماعية -سياسية وثقافية. أما أدوات التغيير الاجتماعي فهي الجماهير المحرومة والمهمشة في النظام الراهن تفرز من بينها كوادر للتنظيم والتثقيف والتعبئة. يتوجب أن تحوز الكوادر على معارف تتعلق بالمجتمع وتلم بالحالة النفسية الملهمة للتصرفات وردود الأفعال ، كي تفلح في تطويرها وتطوير الذهنية الإدراكية للجماهير ، تبنيها وفق منهجية العلم من أجل ان تسد بالعلم فجوات الجهل والخرافة والسطحية كل ما يتنافي مع العلم.
حياة الفرد يقررها نمط التربية في البيت والمجتمع منذ السنوات الأولى. يجدر الاهتمام بإنشاء مكتبة داخل كل بيت ، وان يكون الكبار قدوة للطفل في احترام الكتاب وتناوله باستمرار . ينطوي ترسيخ قيمة الكتاب والمطالعة لدى الطفولة المبكرة على أهمية خاصة حيال ثورة المعرفة الإليكترونية. فالإليكترون أقوى جاذبية ، وصحيا لا يجوز ترك الطفل امام التلفزيون او الكمبيوتر اكثر من ساعتين؛ فقد يشكل الجلوس الطويل احتمالية الإصابة بالسمنة ومرض السكري."القراءة هي القنطرة نحو الإبداع والتغيير؛ فإن الكلام ، وهو حكر على السلطة القائمة وفكرها السائد، هو الشرط اللازم للاستقرار والاستمرارية. ومن هنا مركزية الحوار الأحادي في كافة أصناف الخطاب الأبوي المستحدث في أنماط التعبير والتفاعل بين الأفراد وفي سلم القيم والعلاقات التي تضفي مصداقية عليها وتعزز مكانتها"[108].

حزب او أحزاب التغييرتغير اولا المادة البشرية ، أي المجتمع؛ والمهمة في غاية الصعوبة حين تكون الحياة الاجتماعية مبتلاة بالتجهيل والشعوذة وبألأمية وبهدر التفكير والعقل وما يت ذلك من تصديق الإشاعات والخرافات والانجراف مع التهويش السياسي، خاصة الفكر السلفي ، يطرح التدين الشعبي منطلقا لمفاهيمه السياسية والاجتماعية ولثقافته العامة.
يحق التساؤل كيف لحزب تغيير ان يكسب طاقات الشباب المغيرة للواقع حين تكون أجيال الشباب والشابات من مخرجات التعليم المدرسي والجامعي جاهلة بمجتمعها وتستنتج أن ما تعلمته لا يتطابق وحاجات المتمع فتُركن الى البطالة ، ا
.
في النضال التحرري التقدمي وصنع سعائدتها.

ويفاقم من هدر البحث العلمي وما يسببه من خسائر فقدان فرص حقيقية لتكوين الفكر العلمي. أكد احد العلماء الباحثين أكثر من مرة أن الهدف من البحث العلمي ليس فقط تحقيق اكتشافات علمية بل يأتي قبلا تكوين الفكر العلمي ، او إعداد العقل البحثي الذي يشكل الثروة الأثمن على الساحة الدولية راهنا(177). يهدر تكوين الفكر العلمي التحليلي النقدي التساؤلي ، المتجرئ على تقديم طروحات جديدة ... وبدون استيعاب الفلسفات والأسس العلمية يتعذر محاكمة المعارف المقدمة في معاهد العلم وتقويمها. نتعلم كيف نطبق منطق العلم وطروحاته ومنهجياته بدون امتلاك الفلسفة والنموذج الموجهين لا. ولهذا نظل قاصرين عن امتلاكها وتطويرها ونقدها ونقضها وتوطينها. وتكون النتيجة أننا نطبق قوالب جاهزة مفضلة للمجتمعات الصناعية التي أنتجتها لاحتياجاتها هي على واقعنا ذي الخصائص والاحتياجات المغايرة تماما في بعض الأحيان. ... وقد يكون الأشد هدرا للعقل والمعرفة إسباغ طابع اليقين الإيماني على ما نستورده من معارف(178).
من وحي ما يحدث في الجامعات وفضاءات المجتمع الفلسطيني المختل ...
تحفيز المشاركة السياسية لدى الشباب من خلال تعزيز المناخ الديموقراطي النابع من مفاهيم المواطنة الحقيقية والقادر على الحوار والتفاعل مع مختلف القضايا الاجتماعية والسياسية يشكل مدخلاً ضرورياً لترميم التصدعات التي أصابت بنية العمل المؤسساتي بكافة أبعاده في فلسطين..
استعادة المناخ التفاعلي الديموقراطي أصبح يشكل مسألة مُلِحة وحيوية ورئيسية نحو الحفاظ على الوجود الفلسطيني كقوة نضالية وثقافية تواصل فعل الصمود والبناء وتحدي مختلف أشكال العراقيل السياسية..
هذا الأمر يتطلب جهداً عميقاً من المراجعة الجادة كأفراد ومؤسسات وقوى وطنية كما يتطلب تطوير مفردات العمل السياسي والشعبي بما ينسجم مع تعزيز روح المبادرة واحترام القانون وضمان عدم المساس بالحريات العامة وعلى رأسها حرية التعبير.
الثقافة الوطنية ليست مجرد ترف فكري والثقافة كفعل مقاومة وتغيير ليست مجرد إنشاء في مواجهة ما يحدث كل يوم في فلسطين بل تزداد الحاجة في ظروف كهذه لتفعيل سياسات ثقافية قادرة على خلق مناخ أكثر انسجاماً مع مكونات الهوية الوطنية النابعة من التطلعات الفلسطينية بالحرية والاستقلال.



#سعيد_مضيه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصهيونية تواجه بالإرهاب الفكر المعارض
- في يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني - يهود متضامنون
- الولايات المتحدة وإسرائيل .. عنصرية في اكناف الفاشية
- العلاقة العضوية التي يتجاهلها القائمون على القضية الفلسطينية
- الصهيونية محاطة باستنكار المثقفين وهيئات حقوق الإنسان
- سماء وسبعة بحور
- سماء وسبعة بحور -2من3
- سماء وسبعة بحور..رواية ناجي الناجي -1من3
- الانعتاق من استرقاق الأبارتهايد، او كارثة التهجير الجماعي!
- قوة ضاربة للفاشية
- في غياب الحاضنة العربية للمقاومة الفلسطينية
- هل بالإمكان تفكيك السلسة الشيطانية ؟-6
- اليس بالإمكان أبدع مما كان ؟-5
- أليس بالإمكان أبدع مما كان ؟-4
- اليس بالإمكان أبدع مما كان؟_3
- أليس بالإمكان أبدع مما كان ؟-2
- أليس بالإمكان أبدع مما كان ؟-!
- كيف الخروج من المتاهة
- ما نطلع من بلدنا وفينا روح ..قال الشيخ للضابط
- تفجيرات الحادي عشر من أيلول / سبتمبر-4


المزيد.....




- بيان الحزب الشيوعي العراقي: إجحاف آخر بحق ثورة 14 تموز 1958 ...
- تجاهلت الحشود سؤالها.. عجوز بريطاني بين متظاهرين دعما لفلسطي ...
- بوتين يضع الورود على نصب تذكاري لجنود سوفييت قضوا دفاعا عن ا ...
- رئيس المكسيك ينصح بقراءة دوستويفسكي وتولستوي ولينين
- للمطالبة بالتثبيت.. احتجاج موظفي تحصيل “مياه الشرب” بأسيوط
- طلاب الجامعة الأمريكية يتظاهرون لمطالبة الإدارة بمقاطعة الشر ...
- عزالدين اباسيدي// حتى لا تدمر التضحيات
- 76 سنة بعد النكبة، لنعمل لبناء حركة دولية من أجل فلسطين!
- ما بين نكبتين
- عشرات المتظاهرين في تل أبيب يطالبون بإقالة جالانت


المزيد.....

- كيف درس لينين هيغل / حميد علي زاده
- كراسات شيوغية:(الدولة الحديثة) من العصور الإقطاعية إلى يومنا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كراسات شيوعية:(البنوك ) مركز الرأسمالية في الأزمة.. دائرة لي ... / عبدالرؤوف بطيخ
- رؤية يسارية للأقتصاد المخطط . / حازم كويي
- تحديث: كراسات شيوعية(الصين منذ ماو) مواجهة الضغوط الإمبريالي ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كراسات شيوعية (الفوضى الاقتصادية العالمية توسع الحروب لإنعاش ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - سعيد مضيه - استعمار ثقافي أشد فتكا بالقيم الوطنية والإنسانية من الاستعمار العسكري او الاقتصادي