أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صادق محمد عبدالكريم الدبش - ما اختزنته الذاكرة !..















المزيد.....

ما اختزنته الذاكرة !..


صادق محمد عبدالكريم الدبش

الحوار المتمدن-العدد: 6793 - 2021 / 1 / 20 - 09:55
المحور: الادب والفن
    


ما اختزنته ذاكرتي عن برد جوريد ( جانيوري ك2 ) .
تأخذني الذكريات إلى خمسون عاما خلت !..
كنت فيها لم أبلغ العشرين أو أكد ..
تزحف بي الذكريات إلى بهرز ... القرية الصغيرة التي ولدت فيها ، كان عدد سكانها لا يتجاوز العشرة ألاف نسمة ، أو قد يزيد قليلا .
الشارع الرئيس فيها لا يتجاوز طوله عن الكيلومتر ونصف أو أكثر قليلا .
بهرز كبناء كان يبدأ من محلة ( مال نصري ) وحتى كهوة أبو ريه ، كان فيها جامعين ..هما جامع ملا روزي رحمه الله ... وجامع محمد عرب .
والمقاهي كانت تتمركز في السوق الرئيس في بهرز ، والذي مازال على ما هو عليه مع بعض التغييرات الطفيفة فيه! ..
وكانت مقهى أخرى في منطقة ( الشاني !..) كانت تسمى مقهى خماس العايز ( البغدادي ) والد الشهيد فيصل خماس العايز ( البغدادي ) وأخرى كانت عند دكان أبراهيم بركة وسط منطقة الفضوة ، وهي مقهى صغيرة كان يديرها رحمه الله ( سيد خليل ) وكذلك مقهى وهاب رحمه الله ..
بهرز يغلب عليها البستنة والزراعة وبعض الحرف اليدوية كالحياكة والنجارة والحدادة .
جل أهلها أما أصحابي بساتين ( ملاكين صغار ) أو ممتهنين للأعمال الزراعية ..يعملون أجراء عند هؤلاء الملاكين ،
الحقيقة أن الغالبية العظمى من سكان هذه القرية ، التي أصبحت اليوم ناحية ونفوسها قد يزيد على الخمسين ألف نسمة .
إن جل سكانها من الطبقة الفقيرة والقليل منهم من الطبقة الوسطى أو الميسورين بعض الشيء.
لا يوجد غني مترف بالمعنى الاقتصادي بما فيهم الملاكين لهذه البساتين .
كان بيتنا مثل باقي بيوتات الناس ، يتألف من من عدة غرف مبنية على شكل حرف ( L ) وأمام الغرف طارمة عرضها بحدود ثلاثة إلى أربعة أمتار ، في الشتاء كانت توضع حزم من سعف النخيل على هذه الطارمة ، للوقاية من برد الشتاء ومن الأمطار والرياح ، تتألف الحزمة الواحدة من عشرين سعفة ونسميها ( باكة ) ، وكانت هناك مساحة واسعة مكشوفة أرض ديار ، للنوم فيها في فصل الصيف .
يوجد في بيتنا كذلك ضمن البيت ، نخيل وأشجار حمضيات وشجرة سدر وشجرة للتوت الشامي .
وهناك مكان للحيوانات ( البقرة .. وتربية خروف أو خروفين أحيانا وحتى ثلاثة وبشكل موسمي ، ودابة لنقل الفواكه من البساتين وإلى البيت ، وكذلك نقل الحشيش لهذه الحيوانات التي نجنيها في بيتنا .
موجود في البيت غرفة كبيرة للميرة .. التموين .. مثل الحبوب والتمور والدبس والطحين والخل .. والطرشي .. والملح وغير ذلك ونسميها البيت الطويل ، وهي عبارة عن عرفة مستطيلة الشكل قد يزبد طولها على الأربعين متر وعرضها الخمسة أمتار .
كان الناس يتوجسون من برد جوريد ، وخوفهم من انخفاض درجات الحرارة دون الصفر !..
عندها ربما سيأتي البرد وانخفاض الحرارة إلى درجتين أو ثلاثة تحت الصفر ، والذي ربما سيتلف محاصيلهم من الحمضيات التي هي مصدر رزقهم الوحيد .
في تلك الفترات لم يثق الناس كثيرا بنشرات الأنواء الجوية ، وبإعلام الدولة ولم يولي اهتمام كبير بذلك ، بتنبيه الناس عن تطور النشاط المناخي في البلاد ، وقد يعتبره البعض بأنه ضرب من الخيال !..
لأن هذه الأمور علمها عند الله !!..
هكذا الكثير كان يعتقد ذلك .
كان الشتاء في بهرز رغم قساوته ، لغياب وسائل الحماية المنزلية وعدم توفر الملابس الواقية من البرد لضعف حال الأغلبية من الناس ، وبما يلائم متغيرات الطقس ومستلزمات مواجهته .
بالرغم من كل ذلك كان الناس يشعرون بالدفأ وهم يجلسون أمام الموقد من الحطب في داخل الغرفة ، وبالرغم من الدخان وشبه العتمة وخاصة عندما ينقطع التيار الكهربائي .
يبقى الفانوص المصدر الوحيد للإضاءة !..
كٌنْتَ تشعر بالدفأ عندما تسمع انهمار المطر وتسمع حفيف الرياح والرعد والبرق ، ترانا نلتحف بالأغطية ونحن متسمرين ومنتشين بهذه الصورة الباعثة على شيء من البشر والخير ، على اعتبار أن المطر وهطوله يعني الخير والنماء والغنى والثراء .
كنت في فترة جوريد أذهب أحيانا للمبيت في بستاننا مع الناطور الذي كان يقوم بحراسة البستان من السراق ( الحرامية) .
تعرفت على المشروب للتو ( الكحول .. العرك ) وكوني لا أشرب في البيت وأمام والدي والأسرة كتقليد اجتماعي ، كنت أخذ معي إلى البستان ( ربع عرق مسيح .. وعلبة باقلاء ) وأذهب إلى البستان في تلك الليالي الحالكة الظلام والقارصة البرد والممطرة في كثير من الأحيان .
أجد عند وصولي بستاننا ، العم الكريم والطيب رحمه الله ، قد أوقد النار من خشب البستان المعد خصيصا لموسم الشتاء ، وأبريق الشاي في داخل الكوخ ... والحِبْ.. مملوء بالماء وموجود كذلك الفواكه وخاصة الليمون الحامض .
في ضل هذه الأجواء وهذا العالم الذي صنعته الطبيعة ، وشاركْتَ أنتَ بجزء منه ، فتجلس مع كأسك وخمرتك والليل وهزيعه ينادموك !...
وفي حكايات وقصص وسرد تلقائي من قبل الشيخ الكريم ( ناطور البستان ) وما عنده من ذكريات ، عن المَسْقُوفْ ( الروس ) وهتلر ..والصٌخْرَةٌ وما عمله الأتراك كان الناس يساقون إلى تركيا ، الذين ذهبوا مجبرين من قبل العثمانيين ، والكثير منهم لم يعودوا أو يموتوا من الجوع !..
كنت أسرح بالخيال وأرى ما رسمته ذاكرتي عن تلك الأزمنة التي أعتبرها جميلة ! ..
أنظر إلى الموقد والنار المشتعلة كأنها أنيسي وزادي ، وصوت الرعد والبرق .والمطر المنهمر في الليل وأخره !..
والقناديل المتلألئة ، البرتقال المتدلي من عناقيده ، فيتراءى للناظر رغم العتمة ، يضيئ وان لم يسقط عليه ضياء .
أنا أقص عليها حكايتي عن ( جوريد ) ك2 ... حين التقيتها بعد ما تخلفتٌ عن اللحاق برحلتي القادمة من لندن إلى كوبنهاكن ، تأخرت حينها لمدة خمس ساعات انتظر الرحلة القادمة .
بادرتني بالسلام .. هل تسمح بالجلوس ؟....
تفضلي ..أهلا وسهلا !..
إلى أين وجهتك ؟..
قصصت لها الحكاية ، وكيف لم ألحق برحلتي إلى الدنمارك !...
متى سيكون الموعد الجديد ؟ ..
بعد عدة ساعات .. هل تشعرين بالبرد ؟ ..
علني أبحث عن مشترك بيننا لنقضي السويعات القادمة معا !..
بادرتني ومن دون مقدمات ، هل تشعر بالسعادة بالتأكيد وأنت بجانبي ؟ ..
لا أدري .. ولكن الإنسان يبقي ذاته على مقربة من الأمل ، بشيء متجدد وجديد !..
قالت لم تجبني ؟ ..
هل الحياة أنصفتك ؟..
فبادرتها !.. وهل نحن أنصفنا انفسنا والحياة معا ؟..
البؤس والحزن والألم وجحود من نحب ..ومرارة القنوط والأسف وجلد الذات أخذ منا الكثير! ..
تذبح الوليد المنبعث للبشر وصفو العمر وجمال الكون ومباهجه وسعته !...
كأنكَ تقول لي وأنت ؟ ..
أنا شمعة أحرقتها الأيام والسنون !..
فكان ضيائها أنيسي وظلمتي وأملي ..ولكن !! ...
ولكن ماذا أيته الطائر المحلق في حانات لندن !..
كنت أجتر سنوات العمر !..
أعيش كطير يبحث عن مأوى يستضل به في يوم شتائي قارص وسط صحراء مجدبة .. لا ضل فيها ولا ضليل !...
هل عشتي النهار ؟ .. ونادمتي القمر ؟ ...
هل ما تكتنز من شوق إلى المجهول قد سخر منك ولم يعد له شيء من الوجود ؟..
هل أحْبَبْتْ ؟..
هل عِشْتَهُ ؟...
أين مضى ؟ ..
كم عِشْتَ من السنواتِ ؟..
أسْتَحْلِفُكِ بالذي تحبيه !..
لا تثيري شجني وشجوني ولوعتي وظمئ الروح وجدب الحياة !...
كلانا نعشق الحياة والزهر والشجر ... والأطفال حتى يكبروا ... والأم والصحب والخلان .
فتبسمت واغرورقت عيناها بدموع ..سقت وجنتيها !..
فقاربت النفس من النفيس !..
اقتربنا ونحن في أنس اللقاء وشجونه !..
ما أجمل وأرفق من مُحْبَيْنِ لم يلتقيا مَرْةُ !..
لكن شاء ربك والعمر .. بزهو وسناء ... وحياء وقبل .
فقالت وهي تودعني هل من رجاء للقاء ؟..
فقلت ولهيب النار في كبدي [ ربما نمرح في غابة ننتظر يصدح الطائر مغردا يقول ربما تجمعنا أقدارنا ذات يوم بعد ما عز اللقاء ، وخرجت منا حشرجات وابتسامة ودموع حائرات !.. وما أدرانا قد نلتقي في أخر العمر أو بعد الرحيل .



#صادق_محمد_عبدالكريم_الدبش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما العمل بعد كل تلك السنوات ؟..
- ستة أعوام على تلك الجريمة ؟..
- لا عيد ولا بهجة وسعادة وسلام !..
- كلمات متناثرة إلى من ملك قلبي !..
- إلى من لا يهمه الأمر ؟..
- العداء للشيوعيين عداء للشعب وللديمقراطية والسلام .
- تغريد البلابل فتراقصت السنابل في المساء !...
- أدرك شعبنا وقال كفاكم ظلما أيه الظالمون .
- الفساد والإرهاب ؟..
- جاءتني في عتمة الليل مبكرتا مرعوبة ؟...
- إلى متى يبقى الوعي غائبا عند الأغلبية من شعبنا ؟..
- الدولة المدنية الديمقراطية ضرورة وطنية .الدولة المدنية الديم ...
- أقوالنا في خطب الزعيم !..
- وفاء لقادة حزبنا الشيوعي العراقي .
- لماذا لا يدين أتباع الدين السياسي إلى أوطانهم وشعوبهم ؟..
- ملحمة انتفاضة تشرين الباسلة وما تواجهه من مخاطر
- الذكرى الأولى لانتفاضة تشرين الأول 2019 م
- شيء من الذاكرة ..
- كم مرة يحتاجها الساسة ليتأكدوا من حقيقتهم ؟..
- ماذا يخفي البعض بالنزول إلى الشوارع ؟..


المزيد.....




- ضحك من القلب مع حلقات القط والفار..تردد قناة توم وجيري على ا ...
- مصر.. الأجهزة الأمنية تكشف ملابسات سرقة فيلا الفنانة غادة عب ...
- فيودور دوستويفسكي.. من مهندس عسكري إلى أشهر الأدباء الروس
- مصمم أزياء سعودي يهاجم فنانة مصرية شهيرة ويكشف ما فعلت (صور) ...
- بالمزاح وضحكات الجمهور.. ترامب ينقذ نفسه من موقف محرج على ال ...
- الإعلان الأول ضرب نار.. مسلسل المتوحش الحلقة 35 مترجم باللغة ...
- مهرجان كان: -وداعا جوليا- السوداني يتوج بجائزة أفضل فيلم عرب ...
- على وقع صوت الضحك.. شاهد كيف سخر ممثل كوميدي من ترامب ومحاكم ...
- من جيمس بوند إلى بوليوود: الطبيعة السويسرية في السينما العال ...
- تحرير القدس قادم.. مسلسل صلاح الدين الأيوبي الحلقة 25.. مواع ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صادق محمد عبدالكريم الدبش - ما اختزنته الذاكرة !..