أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - فارس تركي محمود - ثانيا: التاريخ حر














المزيد.....

ثانيا: التاريخ حر


فارس تركي محمود

الحوار المتمدن-العدد: 6656 - 2020 / 8 / 24 - 23:45
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


وهذا هو القانون الثاني من قوانين التاريخ، فما دامت قوانين التاريخ هي ذاتها قوانين الإنسان فلن يكون التاريخ إلا كالإنسان حراً يكره القسر والإجبار ولا يتفاعل مع الإملاءات ولا يسلس قياده لأحد، بل على الجميع أن يسلسوا قيادهم له ويخضعوا لقوانينه. إن قانون حرية التاريخ قانون ثابت لا يمكن خرقه أو التحايل والالتفاف عليه، وعندما نقول أن التاريخ حر فهذا يعني أن قوانينه ستتكفل بإفشال أية محاولة أو تجربة بشرية تقوم على الإجبار والقسر، وبخاصة إذا كانت هذه التجربة تسعى إلى بناء أمة أو مجتمع أو كيان سياسي، وفشل التجربة لا يعني عدم قدرتها على إقامة كيان مادي – امبراطورية، دولة، دويلة، إمارة، الخ. . . – لكنه يعني أن هذا الكيان سيحمل بداخله بذور فنائه، وسيمر حتماً بمرحلة الانهيار والتصفير المرة تلو الأخرى، وسيكون في حالة اضطرار دائم لاستخدام مستوىً عالٍ من القوة والعنف الفوقي من أجل ضبط تفاعلات المجتمع وفرض السيطرة عليه، وسيعاني من الاضطرابات والاهتزازات والصدامات والانقلابات، ولن يستطيع الاستمرار لفترات زمنية طويلة، كما أنه لن يستطيع الوصول إلى أي مستوى من مستوى البناء التراكمي، بمعنى أنه وفي اللحظة التي سينهار فيها هذا الكيان سيجد المجتمع أنه لا يزال يراوح في مرحلة الصفر، وهذا ما أثبتته كل التجارب التاريخية التي خاضتها الأمم والشعوب.
إن كل التجارب التي خاضتها البشرية في القرون والحقب التاريخية السابقة لعصر التنوير والحداثة كانت مبنية على القوة والعنف ومصادرة الحريات وإجبار الناس على تبني توجهات وممارسة سلوكيات واعتناق أفكار ومذاهب بعينها، لذلك فشلت في البقاء والاستمرار وفي إحداث نقلة نوعية في مسيرة الجنس البشري. إن الإنسان بطبعه ينفر من القمع والإجبار، نعم قد يقبله على غيره بل وقد يسعى من أجل ممارسته على الآخرين إلا أنه لا يرتضيه لنفسه. لذلك فإن محاولة إجبار الناس قد تنجح لفترة محدودة لكنها ستفشل بالتأكيد على المدى البعيد، وستترتب عليها الكثير من العواقب الوخيمة والنتائج السلبية ليس أقلَّها تزايد مناسيب القمع وتنامي الميل للعنف وانتشار السلوكيات الخشنة. وسبب الفشل يتمثل بأن الاختلاف والتنوع جزء من التكوين الإنساني فالبشر كانوا وما زالوا وسيبقون مختلفين ومتمايزين في أفكارهم ورؤاهم وتوجهاتهم وأذواقهم، لذلك فإن إجبار الناس على فكرة أو سلوك بعينه سيصطدم حتماً مع توجهات وأفكار نسبة كبيرة من أبناء المجتمع وسيحولهم إلى عناصر تختزن بداخلها مشاعر الاستياء والغضب والرفض والرغبة بنسف الواقع وقلبه رأساً على عقب.
إن من أبرز حالات القمع والإجبار التي شهدتها البشرية عبر التاريخ هو القمع أو الإجبار الأيديولوجي، بمعنى فرض أيديولوجيا معينة على المجتمع وإجباره على الالتزام بها، سواء كانت تلك الايديولوجيا ايديولوجيا دينية أو مذهبية أو عرقية أو ممثلة لتوجه فكري أو فلسفة سياسية. ويعد هذا النوع من أنواع القسر والإجبار من أكثر الأنواع ضرراً على الدولة والمجتمع، وذلك لأن المتبنين له يعتقدون اعتقاداً جازماً بأن أفكارهم وأيديولوجيتهم تمثل الحق والصواب المطلق وبأنها الطريق الأمثل للبناء والارتقاء وإن كل ما يخالفها هو الخطل والانحراف بعينه، وبناءً عليه يتم إجبار المجتمع برمته على السير وفقاً لمقولات ومبادئ تلك الايديولوجيا، ويتم تسخير كل موارد وقدرات الدولة والمجتمع من أجل تحقيق أهدافها وتصوراتها، والأنكى من ذلك أن الايديولوجيا – وهذه خصيصة ملازمة لها - لا يمكن لها أبداً أن تعترف بأنها خاطئة ولا بأي نسبة مئوية حتى لو قادت مجتمعاتها إلى الهاوية، فالملام دائماً – وبحسب متبني الايديولوجيات - هو الخلل في التطبيق وليست الأسس الفكرية للأيديولوجيا ذاتها، والنتيجة الطبيعية لمثل هذا التصور أن الحكم المؤدلَج لا يمكن إقناعه بخطأ سلوكه ولا يمكن له أن يتغير أو يعيد النظر بمنطلقاته، وبالتالي لا يتبقى سوى طريقة واحدة لإزاحته وهي القوة مع ما يعنيه فعل القوة من ثورات واضطرابات وصدامات وربما حتى حروب كونية كما حدث مع الايديولوجيا النازية والفاشية. وما زالت الكثير من الأمم والشعوب لا تدرك قانون حرية التاريخ وما زالت تحاول أن تفرض آراءها وأفكارها بالقوة وبالإجبار وما زالت تفشل المرة تلو الأخرى لأن قوانين التاريخ تنتصر دائماً.



#فارس_تركي_محمود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سنن التاريخ وقوانينه
- هل أصبح العالم غابة مرة أخرى ؟ وهل يجب على الأمريكيين أن يهت ...
- من نحن ؟
- مبدأ ترامب والمواجهة مع إيران
- النسق القيمي
- عقول وحقائق
- عقلنا عندما ينتخب !
- الانتخابات الأمريكية والتدخلات الروسية
- وهم المعرفة
- الكتلة المدنية
- العقل التآمري
- الواعظون
- المجتمع العبيط
- الثورة والتثوير
- ظلال الله على الارض
- التقليد والابداع
- صفات الشعوب واشتراطات الدولة
- الدولة الحديثة منتج اقتصادي
- الانسان البدائي
- اذا كان هذا صحيحا


المزيد.....




- دونيتسك.. نزع الألغام من المناطق المحررة
- البرلمان العراقي يقر قانونا يقضي بتجريم أفراد مجتمع الميم-عي ...
- معتقلون غزيون في إسرائيل: مكبّلون من أطرافهم الأربعة ومعصوبو ...
- شاهد: فلسطينيون يشيعون المدرّس علام جرادات الذي قُتل برصاص إ ...
- اتهامات بالتعاون مع -الجزيرة- .. إسرائيل توقف بث وكالة أسوشي ...
- واشنطن: التطبيع بين إسرائيل والسعودية يتطلب تهدئة في غزة
- رئيس الأرجنتين يرفض التراجع عن تصريحاته المشينة بحق زوجة رئي ...
- لابيد: مصادرة أجهزة وكالة -أسوشيتد برس- من قبل الحكومة الإسر ...
- -حزب الله- يستهدف 4 مواقع مهمة تابعة للجيش الإسرائيلي
- لتحسين الوضع الديموغرافي.. برلماني أوكراني يقترح فرض ضريبة ع ...


المزيد.....

- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - فارس تركي محمود - ثانيا: التاريخ حر