أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - فاطمة ناعوت - الفلاتر الثلاثة … والأخلاق














المزيد.....

الفلاتر الثلاثة … والأخلاق


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 6318 - 2019 / 8 / 12 - 17:47
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    




في لقائي الأسبوعي بقرائي، عبر البثِّ المباشر، طلبوا منّي الحديث عن "الأخلاق". واندهشتُ من حجم "التخاطر" Telepathy بيننا. ذاك أن صالوني هذا الشهر، أغسطس، سيناقشُ تيمة "الأخلاق"، بناء على اختيار ضيف الشرف الكبير، الذي سيكونُ مفاجأة طيبة لروّاد الصالون.
والحقُّ أن الأخلاقَ سلاحٌ قويّ، وضعيفٌ في آن. الأخلاق تجعلُ الإنسانَ قويًّا في معركته الوجودية مع نفسه؛ فينامُ قريرَ العين، هانئ القلب، لأنه لم يؤذ أحدًا، ولم يتوانَ عن مساعدةِ أحد. لكن ذا الأخلاق ينهزمُ أمام خصمِه، إن لم يكن مثله ذا أخلاق. المعركةُ الفكرية بين فارسين نبيلين، تتم بالنقاش وطرح الحجج والتفكير، فيُقنعُ أحدُهما الآخرَ، أو يتوادعا متصافحين على اختلافهما، لا خلافهما، ولا يُفسِدُ الودَّ اختلافٌ. لكن المشكلة تتعقّدُ حين تكون المعركةُ بين خلوقٍ ووضيع. هنا ينهزمُ ذو الأخلاق. لماذا؟ لأن أسلحته أقلُّ من أسلحة الوضيع. تعالوا نستعرض أسلحة! كلٍّ منهما.
أسلحةُ الخلوق: الصدق، المنطق، اللسان العفيف، النبل، الفروسية، الرحمة، الإيثار.
أسلحةُ الوضيع: الكذب- السفسطة، اللسان الصفيق، الضِّعة، الانتهازية، القسوة، الأنانية، الوصولية، البرجماتية، الميكيافيلية، .
وهل ينهزمُ الصدقُ أمام الكذب؟ بالتأكيد. فالصدقُ هو ما حدث (فقط). وهو أمرٌ محدود ومحكوم بالمكان والزمان والأشخاص. لا يمكن الإبداعُ فيه. أما الكذبُ، فواسعٌ شاسعٌ وغير محدود. الكذبُ هو كل ما يُمكن أو لا يمكن، أن يحدث. فلا سقف للتأليف والفبركة واختلاق الأحداث والمواقف والشخوص. الصدق واحدٌ صحيح. والكذب ملايين الاختلاقات وما لا نهاية من الخيالات.
وهل التهذّبُ يخسر أمام البذاءة؟ بالطبع. وهل يخسرُ المنطقُ أمام السفسطة؟ نعم. فالمنطق واضح ومحدد: (بما أن، إذن). أما السفسطة فبحرٌ هادر من اللعب بأدوات المنطق لإثبات اللامنطق. وهو أسلوب قديم يعود للقرن السادس قبل الميلاد في أثينا الإغريقية يهدف إلى الإقناع بما هو غير منطقي عن طريق قياس مركب من الوهميات، لإفحام الخصم ودحر حججه بظاهر المنطق وباطن الخداع. هنا تبرز عبقريةُ مقولة الإمام علي بن أبي طالب: “ما حاورتُ عاقلا، إلا وغَلَبتُه. وما جادلني جاهلٌ إلا وغَلَّبني.” وانتبهوا إلى الشدَّة على حرف اللام (غَلَّبني). أي أرداه في الُغلب. فالعاقلُ يَغلِبُ عاقلاً مثله. ولكن الأحمقَ والجهولَ والكذوبَ يُغلِّبُ العقلاءَ أجمعين.
هنا نعرفُ قيمة الصمت النبيل حين يخاطبُنا سفيه. إذْ نتذكَّرُ قول الشاعر: "يخاطبُني السفيهُ بكلِّ قبحٍ/ وأكرهُ أن أكونَ له مُجيبًا/ يَزيدُ سفاهةً وأزيدُ حُلُمًا/ كعودٍ زادَه الإحراقُ طيبًا"، أو نقتدي بالإمام الشافعي إذْ يقول: "إذا نطقَ السفيهُ فلا تُجِبْه/ فخيرٌ من إجابته السكوتُ/ سَكَتُّ عن السفيهِ فظنَّ أني/ عييتُ عن الجوابِ وما عييتُ/ فإن كلّمتُه فـَرَّجتُ عنـه/ وإن خليّتُه كَـمَدًا يمـوتُ".
ثم تطرّق بنا الحديثُ مع قرائي حول "السوشيال ميديا" وما يجري على صفحاتها من تشهير وتشويه واغتيال أدبي ومعنوي للمشاهير، من الرئيس إلى قيادات الأزهر والكنيسة، والمفكرين والأدباء والوزراء والفنانين. حتى الأموات لم يُرحموا من التشويه والاغتيال والتجريح، ولا أحد يسأل: لماذا؟ وما الدليل؟
وكأن لدينا ميلاً غريزيًّا لتصديق كل شيء قبيح عن الآخر! وهو لونٌ من "التطّهر الإسقاطيّ"، ربما أتناوله في مقال قادم.
سألني القراءُ ماذا يفعلون حين يجدون صفحات تُشَهِّرُ بفنان يحبونه، أو أديب ينتظرون مقاله، أو رئيس يُعوّلون عليه؟
فأخبرتهم عن فلترَ سقراطَ الثلاثيّ. حين ركض وراءه أحدُ تلاميذه، وقال هو يلهث: (يا مُعلِّمي، هل تعلم ما سمعتُ عن تلميذك فلان؟) فقال له سقراطُ، قبل أن يسمحَ له بالكلام: (انتظر لحظة، قبل أن تخبرني بما لديك. دعنا نجتازُ الفلاترَ الثلاثة.) فلما استوضحه تلميذُه الواشي، استأنف سقراطُ كلامه: (أولا: هل أنت واثقٌ تمامَ الثقة، ومعك دليلٌ على صحة الخبر الذي لديك؟) فاجابه الواشي: (في الحقيقة لستُ واثقًا بل سمعتُ الخبر من...)، فقاطعه سقراطُ: (ثانيًا: هل ما ستخبرني به عن تلميذي أمرٌ طيب؟) فأجابه الواشي: (على العكس يا مُعلّم، بل هو أمرٌ مُشينٌ و...)، فقاطعه سقراط قائلا: (إذن تريدُ أن تخبرني عن تلميذي بشيء قبيح، لست واثقًا من صحته. حسنًا، فلنجرّبِ الفلترَ الثالث: هل الخبر السَّيء غير المؤكد، معرفته مفيدةٌ لي؟) شعر الطالبُ بالإحراج وبدأ يتصبّبُ بالعرق، وقال مُطرقًا في الأرض خجلاً: (في الحقيقة لن يفيدكَ الخبرُ في شيء يا مُعلّمي.) هنا ابتسم سقراط في حَزَن، وقال: (ركضتَ ورائي كلَّ هذه الطريق، وسرقت من وقتي ووقتك، لكي تخبرني بشيء: غير طيب، وغير مؤكد، وغير مفيد!) ومضى سقراطُ في طريقه وقد ترك الواشي ضئيلاً يرجو أن يتوارى من نفسه ومن العالم. الصدق- طيّب القول- القيمة. “الدينُ لله، والوطنُ لمن يحبُّ الوطن.”




***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مَن هم الأقليّة في مصر؟ (1)
- الإخوان السفاحون…. لم يرحموا المرضى
- فيلم: الوباء الصامت … احذروا
- نزار قباني … نهرٌ دافقٌ وشركٌ صعب
- في مديح الضعف والضعفاء
- صُهَيْبَة
- صمتي صلاة
- المنهزمون!
- سمير الإسكندراني … يا غُصنَ نقا مكلّلاً بالذهب!
- سيادة الرئيس … انقذْ لنا مجمعَ مسارح العتبة!
- إمام مسجد … يدعو لنُصرة الأقباط
- موعدنا 30 يونيو!
- ماذا تنتظر؟
- الوطنُ …. عند السلف الصالح
- برقياتُ محبة للبابا تواضروس … من المسلمين
- لماذا مصرُ استثنائيةٌ؟
- مرسي ... جاوز الإخوان المدى
- طاووسُ الشرقِ الساحر
- لا شماتة في موت مرسي … ولكن...
- حول قِبطية چورج سيدهم!


المزيد.....




- مصدردبلوماسي إسرائيلي: أين بايدن؟ لماذا هو هادئ بينما من ال ...
- هاشتاغ -الغرب يدعم الشذوذ- يتصدر منصة -إكس- في العراق بعد بي ...
- رواية -قناع بلون السماء- لأسير فلسطيني تفوز بالجائزة العالمي ...
- رواية لسجين فلسطيني لدى إسرائيل تفوز بجائزة -بوكر- العربية
- الدوري الألماني: هبوط دارمشتات وشبح الهبوط يلاحق كولن وماينز ...
- الشرطة الأمريكية تعتقل المرشحة الرئاسية جيل ستاين في احتجاجا ...
- البيت الأبيض يكشف موقف بايدن من الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين ف ...
- السياسيون الفرنسيون ينتقدون تصريحات ماكرون حول استخدام الأسل ...
- هل ينجح نتنياهو بمنع صدور مذكرة للجنائية الدولية باعتقاله؟
- أنقرة: روسيا أنقذت تركيا من أزمة الطاقة التي عصفت بالغرب


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - فاطمة ناعوت - الفلاتر الثلاثة … والأخلاق