كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 1375 - 2005 / 11 / 11 - 11:09
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
قبل أشهر قليلة حذرت بوضوح إلى عدة مسائل أجد مناسباً تلخيصها, في ضوء الأحداث الدموية الجارية في العراق خلال الأشهر المنصرمة, وفي مصر والسعودية وتركيا, ثم في الأردن أخيراً, في النقاط التالية:
1. تحول العراق إلى ساحة مواجهة عسكرية بين التنظيمات الإرهابية الدولية (الإسلام السياسي السلفي المتطرف, اليمين القومي الشوفيني المتطرف, اليسار الدولي المتطرف أو من يطلق عليهم بالقوى المعادية للإم?ريالية العالمية) وبين الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والقوى المتحالفة معها, إضافة إلى كل القوى العراقية المناهضة للإرهاب, بغض النظر عن اتجاهاتها الفكرية والسياسية. وهذا التعاون بين تلك القوى يتم بالمشاركة العسكرية أو بتوجيه الرجال الانتحاريين أو المساعدات بالسلاح أو الأموال والتبرعات وبالدعاية الفكرية والسياسية. إنها تمارس جميع الأساليب دون استثناء من أجل تحقيق أهدافها غير المشروعة في العراق والمنطقة.
2. وأن العراق تحول إلى موقع لتدريب وتأهيل الإرهابيين لإعادة تصدير البعض منهم إلى الدول العربية, بدلاً أو إضافة إلى أفغانستان. وأن جماعة الزرقاوي قد احتلت موقع الصدارة في العمليات التي تنفذ في الشرق الأوسط, وأنها أصبحت تشرف على جماعة أنصار الإسلام أيضاً. وأن هذه العمليات تتم بالتنسيق والتوافق مع قوى البعث والقوى القومية وبوساطة قوى سياسية تجد لها أماكن آمنة في الدول العربية, وخاصة لبنان والأردن.
3. بسبب فشل السياسات الأمريكية والحكومات العراقية المتعاقبة خلال السنتين والنصف الأخيرة في مجالات الاقتصاد والخدمات الاجتماعية والجوانب الأمنية وتفاقم السياسات الطائفية التي تساهم في بعثرة قوى الشعب, تمكنت قوى الإرهاب الدولي الإسلامية المتطرفة والقوى البعثية والقومية الشوفينية المتطرفة المحلية والعربية, أن تقيم وتكرس بنيتها التحتية في العراق لتمارس النشاط الإرهابي على أوسع نطاق ممكن, رغم الضربات القاسية التي لحقت بها خلال الفترة المنصرمة.
4. إن السياسات التربوية الدينية في المملكة السعودية وفي العديد من الدول العربية والإسلامية من جهة, والنهج الفكري والسياسات الشوفينية لبعض الحكومات والقوى البعثية والقومية العربية في العراق والدول العربية, تساهم في إعادة إنتاج أجيال جديدة من الإرهابيين الأكثر شراسة وعدوانية إزاء مجتمعاتها وإزاء القوميات والأديان والمذاهب والأفكار الأخرى, وهي مستعدة إلى الغوص في دماء الناس أكثر فأكثر دون أي شعور بالذنب, بل بشعور من الافتخار لقرب دخولهم الجنة الموعودة.
5. وأن سياسات الحكومات العربية والإسلامية المعادية للأوضاع الجديدة في العراق وتسامحها أو حتى دعم بعضها لقوى الإرهاب, مثل سوريا وإيران, وقوى غير حكومية, مثل الأردن, ساهم ويساهم في إقامة وتعزيز البنية التحتية للإرهابيين فيها أيضاً, وأن الإرهاب سيصل إليها أيضاً عاجلاً أم آجلاً. وما الحدث الأخير في الأردن, وقبل ذاك في العقبة, سوى الدليل الساطع على صواب ما أشير إليه.
6. وأن سياسات ومواقف الكثير من قوى الإسلام السياسي والقوى البعثية والقومية الشوفينية في الأردن وتحالفاتها في الدول العربية الأخرى تحرث الأرض الصالحة لممارسات وعمليات قوى الإرهاب الإسلامية وغيرها لقتل المزيد من البشر ونشر الفوضى والخراب والدمار في هذه المجتمعات.
7. وأن الإعلام العربي, وخاصة بعض الفضائيات والمواقع الإلكترونية العربية, يلعب دوره اليوم في تشجيع وتكريس الإرهاب باعتباره مقاومة, وخاصة ما ينطلق من قطر, الحليف الصغير والأمين للولايات المتحدة, ويساهم في تدمير الحياة المدنية لمجتمعات الشرق الأوسط. وأن هذا الإرهاب سوف لن يهمل هذا الإعلام لاحقاً بعمليات إرهابية إن خرج عن الخط المنشود, إذ أنها الآن تقدم لقوى الإرهاب خدمات مجانية كبيرة جداً. فهي بوق يردد ما تريده تلك القوى.
8. ورغم أن الملف الأمني ما يزال في أيدي القوات الأمريكية مباشرة وليس للقوات العراقية سوى تنفيذ ما يراد منها, فأن الحكومة العراقية, وخاصة رئيس الوزراء, تبقى مسؤولة عما يجري في العراق وما يفترض أن تمارسه من سياسات لمواجهة الواقع الراهن. ومن المؤسف أن نؤكد بأن الحكومة العراقية برهنت حتى الآن عن عجزها عن معالجة الأمور الاقتصادية والخدمية مشكلة البطالة ولو جزئياً, دع عنك مشكلة الأمن والحفاظ على أرواح الناس الأبرياء.
إننا أمام ظاهرة عربية وشرق أوسطية ودولية واسعة, وليست ظاهرة عراقية بحتة. ولهذا لا يمكن محاربتها عراقياً أياً كانت الجهود التي تبذل لهذا الغرض. ولهذا أيضاً لا بد من عمل وتعاون عربي وإقليمي ودولي واسع النطاق وحقيقي لمواجهة هذا الإرهاب المتصاعد في العراق وفي منطقة الشرق الأوسط. ففي مدى شهر واحد قتل في العراق أكثر من عدد قتلى الجنود الأمريكيين منذ بدء الحر ب ضد النظام الاستبدادي في العراق, كما جاءت بهذا الخبر القناة العربية في أخبار صباح يوم 10/11/2005.
إن هذه الظاهرة الإرهابية العالمية لا يمكن معالجتها بين ليلة وضحاها, بل يفترض أن تتخذ حزمة من السياسات والإجراءات على الصعيد الدولي, من جانب الأمم المتحدة ومؤسساتها الدولية المختلفة ودول المجتمع الدولي بشكل مشترك وكل على انفراد, وعلى صعيد منطقة الشرق الأوسط والدول العربية, إضافة إلى العراق. وبدونها سوف لن يكون في مقدور المجتمع الدولي, ومنه العراق, مواجهة ما يجري من موت وخراب وتدمير. واقترح في هذا الصدد المبادرة إلى ممارسة الإجراءات التالية:
• عقد مؤتمر دولي تنظمه الجمعية العامة للأمم المتحدة على مستوى المختصين بشؤون الاقتصاد والمجتمع وعلم النفس والأمن والإرهاب لدراسة ظاهرة الإرهاب عالمياً وتحديد السياسات والإجراءات الضرورية التي يفترض ممارستها عل المدى القصير والمتوسط والبعيد, وأن تكون تلك الإجراءات ملزمة للأمم المتحدة والدول الأعضاء فيه.
• عقد مؤتمر إقليمي تشارك فيه دول المنطقة لتبادل الخبرة والمعارف والمعلومات لمواجهة هذه الظاهرة وخلال الفترة القريبة القادمة لوضع السياسات واتخاذ الإجراءات الكفيلة بالحد ثم القضاء على الظاهرة والالتزام بتنفيذها.
• عقد مؤتمر اختصاصي دولي خاص بالوضع الراهن في العراق تشارك فيه خبرات دولية وإقليمية وعربية وعراقية متنوعة, وبشكل خاص خبرات علمية تشمل بشكل خاص قضايا الأمن والإرهاب, خلال الأشهر الثلاثة القادمة. ويمكن لهذا المؤتمر أن يضع المقترحات العملية, ومنها تشكيل هيئة ميدانية لمتابعة وملاحقة العمليات الإرهابية في العراق وعلاقاتها بالدول العربية ودول الجوار وسبل مواجهتها وإفشال مخططاتها وتدمير البنية التحتية التي بنتها حتى الآن وحرمانها من القدرة على تجديدها.
أكرر القول بأننا لا يجوز أن نعتمد على القدرات الأمريكية وحدها, إذ لا نعرف الإشكاليات المحيطة بهذه الإمكانية ولا بخبراتها الدولية ولا بتعقيدات وتفصيلات تكتيكات واستراتيج الولايات المتحدة أمريكي, بل نشعر يوماً بعد يوم بأنها غير كافية بأي حال لمتابعة ومواجهة الإرهاب الجاري في العراق. ولهذا لا أتعب من تكرار ضرورة تشكيل هيئة دولية لهذا الغرض تمزج كفاءات الكثير من الدول وخبراتها في حزمة واحدة لتساهم في الكشف عن أكار الجريمة من مخططي ومنفذي هذه العمليات وقطع شرايينها وعلاقاتها مع الخارج وتدمير بنيتها التحتية والقوى التي تعتمد عليها.
كما لا يمكن من إيقاف تلك العمليات ما دام المنتج الديني السعودي وغيره يعيد إنتاج الإرهابيين في السعودية وفي المدارس الدينية والأكاديميات التابعة للسعودية أو لبعض المدارس الدينية الأخرى. وهذه المسؤولية تقع على عاتق الأمم المتحدة التي ينبغي لها أن تلاحق التعليم في تلك المدارس والأكاديميات وتعمل على إيقافها أو تغيير مناهجها جدياً, إذ أنها المعين الذي لا ينضب لتخريج هؤلاء البشر الجهلة الذين لا يعرفون غير القتل طريقاً للحوار.
10/11/2005 كاظم حبيب
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟