|
أيها الأمريكيون .. - تحريركم - لنا أصبح يخيفنا ..فالتدمير تاليه
أنيس يحيى
الحوار المتمدن-العدد: 1374 - 2005 / 11 / 10 - 10:09
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
صحيح أن هنالك بعض من وقف منذ البداية ضد حرب الأمريكيين على صدام حسين ونظامه الدموي . إلا أن الغالبية كانت إلى جانب هذه الحرب التي أزالت أبشع حكام الأرض قاطبة . ولمزيد من الدقة ؛ لقد كان مَن وقف إلى جانب الحرب على صدام حسين مبعِداً عن ذاكرته مسلسل الحروب الأمريكية في أماكن متعددة من العالم . فالقصد إزالة طاغية عجز شعبه ، وأمته بالتالي عن إزاحته . إذا كان من ارتباك لدى القوات الأمريكية في العراق خلال الشهور الأولى بعد صدام مبرراً بالنسبة إلى حجم الأهداف والوسائل حينها ، إلا أن الأمر الآن ، وبعد مضي أكثر من عامين ، أصبح مدعاة إلى مراجعة حقيقية للنمط الذي تميّز به الأمريكيون : تدمير بقصد التحرير ، أو تحرير موصول بالتدمير . ماذا نرى في المشهد العراقي اليوم ؟ بلد عاجز عن إخفاء توترات دينية ومذهبية وقومية مرشحة بيسر للافلات من ضوابط تتلاشى على عَجل ، والانغماس في بحر هائج من الدماء التي قد تراق ليس بقصد إستشراف غدٍ واعد ، بل للارتماء في أحضان التخلف والعوز والعصبية . ومما يجعل المشهد أكثر سوداوية هو انقياد بعض مكونات الشعب العراقي ، وربما جميعها لارادات قوى اقليمية فاعلة تتهيأ لملء فراغ مرتقب . لقد تجاوز التقوقع والانغلاق مساحة العراق ، وبتنا نشهد ارتدادات هذا التأزم في أماكن أخرى ؛ عربية واسلامية . قد يقول البعض أن مسؤولية هذا الواقع يتحملها النظام السابق ، صدام حسين . وأنا جزء من هذا البعض . إلا أن المعالجات التي شاهدناها حتى اليوم تؤكد أنها كانت دون المطلوب بالتأكيد ، حتى ازدادت أصوات القائلين بأن تمزيق العراق إلى كيانات هزيلة تحتاج إلى مَن يحميها ، وبالتالي تمزيق المنطقة بأكملها ، هو من أهداف الأمريكيين الأساسية . لسنا في موقع إبداء النصائح وتقديم الحلول ، فالعراق يزخر بمن يلعب هذا الدور . إلا أننا معنيون دون شك بالنتائج ، وليبتعد الساسة الأمريكيون ، وكذلك القادة العراقيون عن تبرير الفشل المؤذي في العراق ، إن لجهة جمع العراقيين في وحدة قد تتخذ شكلاً فيدرالياً ، أو في إبعاد شبح الخوف من الموت الذي يدخل البيوت دون طرقها .. ويتركوا التبرير للفلاسفة الذين بات الكثيرون يزاحمونهم على أدوار ينتظرون القيام بها . أما السياسيون فلهم موقع من اثنين : النجاح أو الفشل . إن جميع هذا ، بالرغم من تردّيه لا يشكل سوى جزء محدود من المشهد العراقي .. أما الأجزاء الأخرى فهي آلية موت تتحرك بقوة وفعالية في أماكن كثيرة من العراق ، حتى أصبح ذكر عشرات القتلى العراقيين يومياً لا يثير أحداً ، أو يستفز مشاهداً للفضائيات العربية ، وربما العالمية . أليس من نهاية لدوامة الموت هذه ؟ على العكس نراها تزداد وتشتد ضراوة ، ويزداد بالتالي رهان الظلاميين ، ليس في العراق وحسب ، بل في أماكن متعددة من العالم على فشلنا في الدخول إلى عصر نراه دون أن نحظى بفرصة الوصول إليه . نشاهد العراق ونعجز عن إقناع المترددين أن عراق اليوم أفضل من عراق صدام حسين .. وأصبح بالتالي الرهان على استبدال باقي الأنظمة العربية المستبدة محبطاً . أيها الأمريكيون .. إن فشلتم في كلّ هذا ؛ وحدة العراق ، وأمن العراقيين ، أيكون تدمير القرى والمدن العراقية تعويضاً عن هذا الفشل ؟ لعنتم صدام حسين ، ولعناه مثل كل أحرار العالم ، لانه أرهب الأبرياء وقتل ما إشتهى منهم . ألا ترهبون الأبرياء عندما تصبّون حمم قذائفكم على أماكن انتشار الارهابيين في الأحياء السكنية وقرب المدارس والمستشفيات ودور العبادة ؟ أليس بين مَن تقتلونهم أبرياء ؟ بلى ، وبينهم الكثيرون ممن يودّون مساعدتكم في التخلّص من سطوة الجماعات التي اختارت إرهاب الآمنيين واستسهال سفك دمائهم . كان الباعث إلى هذا المقال ما نشاهده طيلة اليومين المنصرمين من ضراوة يستخدمها الجيش الأمريكي على منطقة القائم القريبة من الحدود السورية . القصد من العملية التي أطلق عليها الأمريكيون اسم الستار الفولاذي ، القضاء على الارهابيين المتواجدين في هذه البقعة . لكن ما نراه ، ويشاهد بوضوح على شاشات التلفزيون ؛ بيوت مهدمة ، ومدينيون يُقتلون تحت القصف ، وأطفال ونساء وعجزة يهرعون في الشوارع بغية إتقاء الموت الذي بات يحاصرهم أينما توجهوا . هل تدمير القائم فوق رؤوس ساكنيها هو الحل الأمثل للقضاء على من يختبىء فيها من الارهابيين ؟ هل ما صرّح به وزير الدفاع العراقي : " لن نذرف دمعة واحدة على مَن يُقتل من العراقيين إذا كان يأوي إرهابياً " هو تصريح المؤتمن على حياة مواطنيه ؟ لا نجادل في مسألة إنهاء الارهاب في العراق ، ولكن ، هل على العراقيين الأبرياء دفع كفّارة من دمائهم عن مرحلة صدام حسين ، وكفّارة أخرى عما بعده ؟ أيها الأمريكيون .. لا مكان للنوايا في عالم السياسة ، وموقفنا منكم ستحدده النتائج . لن نغفر لكم إذا دفعتم العراقيين إلى التفتت والتجزئة ، ولن يكون مقبولاً إذا كان تدمير العراق ثمناً لهذه المهمة . بالمحصلة .. علينا دفع فاتورة إزالة صدام حسين . وهذه الفاتورة ستدخل في حساب الأمريكيين دون شك . قد تكون الأرقام كبيرة ، ولكنها تبقى مقبولة إذا بقيت دون إهدار كرامات العراقيين ، ودون إبدال العراق بـ " عراقات " هزيلة ؛ فازالة صدام حسين ، وتهديد أنظمة الاستبداد الأخرى تستحق هذه التضحيات .
#أنيس_يحيى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نشأة اسرائيل تعبير عن معاناة الشعبين ؛ الفلسطيني واليهودي
-
المسيحيون وضيق الأمكنة في أرض العرب
-
العراق .. إذا غادره الجيش الأمريكي غداً !!
-
لا تستكمل فصول الحكاية .. عُد إلى بدايتها
-
كراهيتنا لأمريكا .. هل هي بمجملها مبررة ؟؟
-
حيث دفنا ملِكاً
-
أمريكا والشارع العربي .... - - كلام على مقربةٍ من مقالة الدك
...
-
تعليقٌ على مقالة الشاعر سعدي يوسف - المنتفجي .. رئيساً
المزيد.....
-
المكسيك.. هكذا تحولت قرية صيد لواحدة من أشهر وجهات الحفلات ع
...
-
سفير إيران في بيلاروس يكشف عن السبب وراء الهبوط الصعب لمروحي
...
-
سلطان عمان يعزي المرشد الإيراني بمصرع رئيسي
-
ريابكوف: منهجنا ثابت تجاه إيران
-
-المفاوض المحنك- باقري.. من هو وزير خارجية إيران الجديد؟
-
زعماء العالم يعزون في وفاة رئيسي وعبد اللهيان
-
من هو محمد مخبر الخليفة المؤقت للرئيس الإيراني الراحل؟
-
إيران تفقد اثنين من أبرز الشخصيات في التيار المحافظ!
-
الإعلان عن موعد تشييع الرئيس الإيراني
-
السفارة الروسية في طهران تنكس العلم حدادا على أرواح الرئيس ا
...
المزيد.....
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية
/ جدو جبريل
المزيد.....
|